منال.ب
يحيي الجزائريون اليوم الذكرى 61 لذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي شكلت منعرجا حاسما في مسار الثورة التحريرية وكانت بمثابة استفتاء شعبي على الاستقلال الوطني ورفض الاحتلال الفرنسي.
جاءت تلك المظاهرات السلمية في أعقاب فشل مفاوضات الضاحية الباريسية، ميلان، بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والجانب الفرنسي في عهد الرئيس شارل ديغول، ما بين 25 و29 جوان 1960، بسبب معاملة باريس مبعوثي الثورة الجزائرية، محمد الصديق بن يحيى وأحمد بومنجل كمتمردين، حيث منعتهما من التواصل مع الصحافة.
وكذلك اشتراطها استسلام المجاهدين وفصل الصحراء عن شمال البلاد، وفق ما ورد في كتاب المؤرخ الجزائري، بشير بلاح، “تاريخ الجزائر في قرنين 1800-2000”.
وبذلك كان رد الجزائريين على مناورات الجنرال ديغول، وعلى ضجيج المستوطنين المتشبثين بخرافتهم القديمة “الجزائر فرنسية” (l’Algérie Française)، وعلى معاداتهم لجبهة التحرير وللجزائريين، وجرائمهم التي حصدت أرواح المسلمين عشية زيارة ديغول وقتها للجزائر.
وجسدت المظاهرات التي أشرف على تنظيمها قادة الثورة، تماسك والتفاف الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، لتكون حلقة مهمة وامتدادا للفاتح نوفمبر 1954 ومؤتمر الصومام 20 أوت 1956 و غيرها من المحطات التاريخية.
وأبرزت المظاهرات أمام الرأي العام العالمي أن الشعب الجزائري أظهر تلاحمه مع الثورة وكانت بمثابة استفتاء علني أمام العالم بأن الثورة بشعبها قوية ومنتصرة رغم الحرب النفسية والدعاية الفرنسية.
وبذلك فشل الجنرال ديغول في تمرير مشروعه الاستعماري بفعل تأثير المظاهرات التي اندلعت من الأحياء بالعاصمة على غرار القصبة والمدنية وبلكور ثم انتقلت إلى الحراش والقبة.
وكانت شرارة انطلاقها من عين تيموشنت عقب زيارة ديغول للمدينة.
مظاهرات واعتقالات وشهداء
وانطلقت المظاهرات صبيحة يوم الأحد 11 ديسمبر 1960 من حي بلوزداد (بلكور سابقا)؛ لتتوسع سريعا إلى كافة أحياء العاصمة، ثم شملت مدنا كبرى، أهمها وهران، وعنابة، والبليدة.
وتفاجأ الفرنسيون بالكثافة الشعبية والتنظيم المحكم للمظاهرات، فجاء رد فعل السلطات الفرنسية قويا لقمع المظاهرات، وقابل جيش الاحتلال الجماهير العزل بالرصاص والدبابات والمدافع والرشاشات، مخلفا أكثر من 300 شهيد جزائري.
كما قامت الشرطة الفرنسية بالمداهمات الليلية لاختطاف الجزائريين من منازلهم، والإغارة على المواطنين، وهم يُوارون شهداءهم، بالإضافة إلى سلسلة اعتقالات مست الآلاف من الجزائريين، وفق مصادر تاريخية متعددة.
ومع ذلك، فإن تلك المظاهرات الشاملة قلبت جميع الموازين وعرت الإستراتيجية الفرنسية، ومن ورائها الحلف الأطلسي، وأكد الجزائري من خلالها أنه لا يقبل بما دون الحرية والاستقلال التامين، مثلما كتب المجاهد بورقعة، الراحل في 5 نوفمبر الماضي، في مذكراته “شاهد على اغتيال الثورة”.
ومن تلك الزيارة، صار الرئيس ديغول يتحدث عن “جزائر جزائرية مرتبطة بفرنسا”، بعدما استخلص أن الشعب الجزائري متعلق بثورته تحت قيادة جبهة التحرير.
وكانت حصيلة شهداء مظاهرات 11 ديسمبر ثقيلة تقدر بأكثر من 400 شهيدا وعددا كبيرا من الجرحى وسط الجزائريين، في حين أن وسائل الإعلام الفرنسية حصرت عدد القتلى الجزائريين في أقل من 100 وذلك لعدم فضح الوحشية التي مارستها ميليشيات طالت حتى الأطفال.