اتفاق أوروبي- أفريقي لإعادتهم إلى أوطانهم
ابتسام بلبل
تستعد سلطات دول الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع دول الاتحاد الإفريقي إلى إعادة المهاجرين المتواجدين في وضع غير نظامي في الاتحاد الأوروبي ودمجهم مجددا في بلدانهم الأم من بينهم مئات الجزائريين، ويأتي هذا في وقت تشهد قوارب “الحراقة” انطلاقا من سواحل الجزائر على غرار عنابة، الطارف، مستغانم، ووهران تضاعفا مخيفا للراغبين في الوصول إلى الضفة الأوروبية للبحر الأبيض المتوسط بحثا عن ظروف معيشية أفضل، حيث تحولت السواحل الاسبانية خاصة إلى موانئ استقبال لعشرات قوارب “الحراقة” أسبوعيا والمنطلقة من مختلف سواحل الجزائر خاصة منها الشرقية والغربية، فيما يعيش العديد من المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين على الأراضي الأوربية منها حالة ترقب بعد توقيفهم ووضعهم في مراكز الاحتجاز التي تفتقر لشروط الحياة.
وخرجت القمة الأوروبية الأفريقية المنعقدة ببروكسل باتفاق بخصوص ملف الهجرة تعهد الطرفان الأوروبي والأفريقي بمنع الهجرة غير القانونية وتحقيق تقدم فعال في إعادة المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي في الاتحاد الأوروبي، ودمجهم مجددا في بلدانهم الأم، وكان هذا الملف قد دفع فرنسا إلى تقليص تأشيرات مواطني المغرب والجزائر وتونس كطريقة لدفع قادة هذه الدول إلى استعادة رعاياهم غير المرغوب بهم في فرنسا ،وأكدت الوثيقة الختامية على أهمية الشراكة المعززة و المتبادلة في مجال الهجرة والتنقل، وكذا الحاجة إلى مواصلة معالجة جميع مظاهر تدفقات الهجرة والحركية بكيفية مندمجة، شاملة ومتوازنة، وفق روح المسؤولية والالتزام المشترك.
وجدد رؤساء الدول والحكومات التأكيد على أهمية العمل المشترك وتعزيز القدرات بهدف الوقاية من الهجرة غير الشرعية، تعزيز التعاون ضد التهريب والاتجار في البشر، إلى جانب دعم إدارة معززة للحدود وتحقيق تقدم فعال في مجال العودة، الترحيل وإعادة الإدماج.
وكانت السلطات الإسبانية قد عمدت نهاية السنة الماضية مقابل ارتفاع أعداد الوافدين إلى سواحلها، إلى تنفيذ عمليات إعادة للمهاجرين إلى بلدانهم، دون أن تتم الإشارة إلى طبيعتها، وتحديد ما إذا كانت طوعية أم قسرية، حيث نفذت السلطات عدة عمليات إعادة لمهاجرين جزائريين إلى بلدهم خلال نوفمبر الماضي، طالت أكثر من 300 شخص، وشهدت السواحل الإسبانية مؤخرا ارتفاعا كبيرا بأعداد قوارب المهاجرين الوافدين.
ومن المنتظر أن تصبح عمليات إعادة المهاجرين إلى الجزائر أكثر انتظاما، لا سيما وأن عمليات عبور البحر الأبيض المتوسط من الجزائر مستمرة، فوفقا للسلطات الإسبانية دخل ما يقرب من 10 آلاف جزائري البلاد بشكل غير قانوني منذ بداية عام 2021 ، بزيادة نسبتها 20% عن سنة2020 فعلى الرغم من تدهور الأحوال الجوية، يواصل “الحراقة” محاولاتهم للوصول إلى السواحل الأوروبية وللحد من الخسائر، كلفت السلطات الإسبانية طائرة تابعة لسلاح الجو بمراقبة المنطقة بحثا عن زوارق المهاجرين.
وبفرنسا أكد مسؤولون من شرطة الحدود شهر جانفي الماضي على صعوبة عملية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من دول الجزائر والمغرب وتونس بالنظر إلى الوقت الذي تتطلبه عملية التحقق من الهويات، بعد اكتشاف لجوء عدد من “الحراقة ” إلى انتحال هوية مهاجرين جزائريين لتفادي عملية الطرد من الأراضي الفرنسية، حيث نقلت صحيفة فرنسية عن شرطة الحدود أنه رغم الضغوط التي مارستها فرنسا على الجزائر من أجل منح تصاريح قنصلية لطرد “الحراقة”، والتي شملت تقليص منح التأشيرات للجزائريين إلى النصف منذ عدة أشهر فإن الجزائر لم تستجب للطلب الفرنسي المتعلق بمنح تصاريح قنصلية لتمكين السلطات الفرنسية من طرد رعايا غير مرغوب فيهم .
وذكر المصدر أن رعايا مقيمين في فرنسا دون وثائق يدّعون أنهم جزائريون لتفادي ترحيلهم إلى دولهم الأصلية على غرار المغرب وتونس، وهي المعلومات التي تستغرق وقتا طويلا للتأكد من صحتها من خلال تحقيقات أمنية تمكن من الكشف عن الجنسية الحقيقية للمعنيين بقرارات الطرد من فرنسا، أو تصاريح قنصلية من الدولة الأصلية تكون بمثابة تأكيد على هوية المعني بالطرد، ويدفع طول الإجراءات إلى الإفراج عن هؤلاء “الحراقة” في انتظار استصدار قرار توقيف آخر في حقهم، حيث يلجأ بعضهم إلى تقديم أحيانا 15 إسما مختلفا عن هويته لحقيقية .
وتؤكد هذه المعلومات ما سبق وأن صرح به رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ردا على ادعاءات ومزاعم فرنسية تتعلق برفض الجزائر استعادة رعاياها غير المرغوب فيهم بفرنسا، وكان الرئيس قد رد على تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد درمانان، الذي تحدث عن رفض الجزائر استعادة مئات المهاجرين بعدم منحهم تصاريح قنصلية تسمح بطردهم من فرنسا، بالتأكيد على أن الجزائر ترفض استقبال رعايا مشكوك في جنسيتهم وبعضهم متهم بالإرهاب، كما فند الرئيس عبد المجيد تبون صحة الرقم المعلن عنه بينما هو لا يتجاوز 90 رعية، وقد استعملت فرنسا ورقة التأشيرات وانتهكت اتفاقية ثنائية تتعلق بتنقل الأشخاص بهدف الضغط على الجزائر وابتزازها من أجل دفعها إلى استقبال رعايا مشكوك في هويتهم .
استخدام التكنولوجيا لمراقبة الهجرة
يستمر الاتحاد الأوروبي ووكالة الحدود التابعة له “فرونتكس” بالتزود بالآليات التكنولوجية الجديدة، لتسهيل عمليات مراقبة المهاجرين على الحدود الخارجية والداخلية الأوروبية، وأعلنت الحكومة الفرنسية شهر فيفري الجاري أنها ستضع كاميرات إضافية على طول ساحل قناة “المانش” للمساعدة في مراقبة المهاجرين، وفي ديسمبر 2021، سلمت البحرية الإيطالية شحنة جديدة من الحاويات إضافة إلى معدات مراقبة لليبيا، من أجل مراقبة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وفقا لبحث نشرته المجلة الاستقصائي”ألتريكونوميا”، وتحدثت عن تكثيف استعمال التكنولوجيا الرقمية ومعدات المراقبة في جميع أنحاء طريق البلقان، وذكرت أنه تم وضع “مصائد كاميرات” مثل أجهزة مراقبة السرعة للسيارات والأشخاص بالقرب من الحدود بين إيطاليا وسلوفينيا، وخلال شهر جويلية 2021، نشرت منظمة الخصوصية الدولية التي تتخذ من لندن مقرا لها تقريرا حول قيام عدد كبير من الشركات “باستعمال أقمار صناعية قادرة على التعقب” وبيع بياناتها إلى وكالات الحدود، وخلصت منظمة الخصوصية الدولية إلى أنه على الرغم من أن “مثل هذه المراقبة يمكن أن تنقذ الأرواح، إلا أنها قد تسهل أيضا عمليات”الصد” أو قد تُستخدم لمقاضاة طالبي اللجوء”.