ولاة عاجزون عن استرجاع العقار من قبضة “المافيا”

تأخر فاضح في تجسيد قرارات عليا يرهن تجسيد مشاريع تنموية

  • قرارات هدم البنايات الفوضوية والمستودعات والحظائر العشوائية مُعطلة

ابتسام بلبل

يرهن التأخر الفاضح في تجسيد قرارات هدم البنايات الفوضوية والمستودعات والحضائر العشوائية التي شُيدت فوق أوعية عقارية مخصصة لممتلكات الدولة والموجهة كجيوب عقارية لاستغلالها في إنجاز مؤسسات تربوية ومرافق خدماتية وتشييد سكنات تجسيد عدة مشاريع تنموية هامة بعدة ولايات.

وكشفت شكاوى وعرائض احتجاجية رفعها سكان عدة ولايات من بينها عنابة، الطارف، سكيكدة، خنشلة، بسكرة، أولاد جلال للسلطات العليا بالبلاد من أجل التدخل لدى ولاة الجمهورية للإسراع في تنفيذ قرارات الهدم للبنايات الفوضوية التي تشهد تفشيا رهيبا، بالاستيلاء اللامتناهي على الأوعية العقارية التابعة لاحتياطات البلدية والدولة.

وهو الوضع الذي رهن عملية تجسيد العديد من المشاريع التنموية، من أبرزها المرافق التربوية، ومشاريع مديريات التوزيع للتوزيع والكهرباء والغاز، بسبب غياب الفضاءات لإنجاز المحولات الكهربائية، ومرافق خدماتية محسوبة على قطاعات الصحة والشباب والرياضة، التجهيزات العمومية، البريد والمواصلات إضافة إلى قطاع السكن، وحصة البلديات من قطع الأراضي التي لا تزال حبيسة الأدراج، بسبب الشح الكبير في الأوعية العقارية.

قرارات هدم مُعطلة بعنابة

تسبب تأخر منتخبين بولاية عنابة في هدم البناءات الفوضوية بعد الانتشار الكبير لهذه الظاهرة الذي باتت تشهدها بلديات الولاية على غرار بلدية عاصمة الولاية، البوني، سيدي عمار وسرايدي، حيث اُستنزفت أراض موجهة لتجسيد مرافق خدماتية ومشاريع سكنية وهو ما تسبب في تعطيل المشاريع التنموية، بتواطئ جهات بعضها خفي والبعض الآخر معروف لدى العام والخاص مع سماسرة العقار الذين اغتنموا فرصا عديدة على غرار جائحة كورونا، وغياب الإدارة والرقابة للاستيلاء على عشرات الهكتارات من الأراضي لتشييد بناءات فوضوية دون تراخيص قانونية.

فيما لجأ البعض الآخر لتسييج مساحات شاسعة دون تراخيص وبيعها لمواطنين من خارج الولاية، على غرار ما يجري على طول الشريط الساحلي بحي سيدي سالم ببلدية البوني، فيما ظل دور الجهات المختصة مقتصرا كل مرة على تحرير قرارات الهدم دون تجسيدها، وهو ما ساهم في تشويه المنظر العام والحيلولة دون انجاز مشاريع تنموية هامة.

ويطالب مواطنون بضرورة التدخل العاجل لوالي الولاية من أجل حماية الجيوب العقارية، وكذا العقارات المسجلة ضمن مخططات الإنشاء الرسمية كفضاءات ومساحات خضراء، والتي أخذت أبعادا خطيرة في ظل غياب فرض القانون، حيث تفاقمت معضلة نهب الأوعية العقارية دون حسيب ولا رقيب.

وأقدم العديد من سماسرة العقار على اللجوء لحيل متعددة للاستياء على أوعية عقارية موجهة لمشاريع تنموية واستثمارية، والذي يقابله صمت السلطات المحلية حيال ما يحدث من نهب ممنهج للعقار العمومي، وهو المشكل الذي قد يرهن مشاريع تنموية عديدة، جراء الاستحواذ على هذه القطع بطرق مشبوهة.

وأسفرت تحقيقات الجهات الأمنية بعنابة حسب مصادر”الصريح” عن حالات عديدة لأشكال التعدي على الملكية العقارية بالولاية، حيث يلجأ المتسببون في نهب الأراضي وباستغلال معرفتهم للمناطق التي يسكنون فيها للتعدي على الأراضي الشاغرة بتشييد الأساسات، لإعادة بيعها لمواطنين من خارج الولاية بمبالغ رمزية بالمقارنة مع الأسعار المتداولة لدى الخواص الذين يحوزون عقود ملكية للأراضي التي يبيعونها، مستثمرين في أزمة السكن التي يعيشها المواطنون مع الطلب الرهيب على العقار والشقق وتراخي المجالس البلدية في ردع المخالفين وتنفيذ قرارات الهدم.

مع العلم أن والي عنابة، كان قد أكد أنه وضع يده على ملف النهب العقاري وسيسعى جاهدا بالتنسيق مع المصالح المشتركة والأدوات الرقابية في وضع حد للتجاوزات والخروق المسجلة والتي ظل مسكوتا عنها، في إشارة واضحة من المسؤول ذاته عن أنه ورث عن سابقيه ملفا شائكا، بات يستدعى تظافر الجهود لإخراج ملف العقار من النفق المظلم بالولاية عموما.

كما تشهد الحظائر العشوائية التي انتشرت كالطفيليات على مستوى الطرق والمساحات العمومية لاستغلالها كمواقف للمركبات بعنابة انتشارا واسعا وأضحت ظاهرة مقلقة، وسط تهاون الجهات المخولة قانونا بالقضاء عليها بأمر من الحكومة التي أعلنت “الحرب” للقضاء على هذه الظاهرة وكلفت البلديات بتنظيم نفسها لاحتوائها، مؤكدة على لسان وزير العدل رشيد طبي أن أصحابها معرضون لعقوبة تتراوح بين 6 أشهر وعامين حبسا، مع غرامة مالية من 25 ألفا إلى 200 ألف دينار، مع مصادرة الأموال الصادرة عنها.

وصنفت الحكومة من خلال وزارة العدل، الاستغلال العشوائي للطرقات والفضاءات العمومية لركن المركبات مقابل إلزام أصحابها بدفع مقابل مادي دون حيازة مسيري هذه الحظائر أي ترخيص من الجهات الإدارية المختصة، في خانة الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات، الذي يعد حاليا مشروعا معدّلا ومتمما للأمر رقم 66-156 المؤرخ في الثامن جوان سنة 1966، وذلك بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين، وبغرامة محددة بين خمسة وعشرين ألف دينار ومائتي ألف دينار، بغية القضاء على ظاهرة استغلال الطرقات كمواقف للسيارات بمقابل ودون ترخيص، حيث صارت ظاهرة تؤرق المواطنين وتؤدي في كثير من الأحيان إلى شجارات تمس بالنظام العام.

عراقيل إدارية ترهن مشاريع السكن بالطارف

تحول عديد العراقيل الإدارية التي تخص العقار بشكل خاص بولاية الطارف دون حصول المواطن على سكن، وتحول المشكل إلى كابوس مستمر للمواطنين منذ سنوات عدة، فيما تتحجج عديد البلديات بأن تأخر توزيع مئات الاستفادات من السكن الريفي بغياب الأوعية العقارية ما قد يهدد بإلغائها.

فيما وزعت بلديات أخرى استفادات إعانة البناء الريفي ولم تحدد لسنوات مواقع البناء رغم الاحتجاجات المتكررة للمواطنين ووسط صمت مطبق من المسؤولين الولائيين.

في وقت تم إحصاء حوالي 1300 إعانة ريفية لم تر النور بعد لعدة سنوات بسبب مشكل نقص العقار، نظرا لطبيعة الولاية التي تعد أغلب أراضيها فلاحية أو غابية تابعة لإدارة الغابات والتي ترفض هذه الأخيرة إنجاز السكنات الريفية في إقليمها، ليبقي هؤلاء المستفيدون من الإعانات الريفية في رحلة البحث عن قطعة أرض من أجل إنجاز سكناتهم .

قرارات هدم مؤجلة بسكيكدة

تشهد بلديات سكيكدة على غرار الحروش تناميا كبيرا للبناء الفوضوي عبر العديد من الأحياء والتجمعات السكانية الكبرى في الآونة الأخيرة، من خلال قيام مواطنين بالاستيلاء على أراض لبناء سكنات والغريب في الأمر، أن المواطن يلجأ لتشييد هذه البنايات في عطل نهايات الأسبوع أو في الفترة الليلية حتى لا ينكشف أمره، في ظل غياب الإدارة والرقابة.

وحسب متابعين للشأن المحلي فإن ما زاد في تنامي الظاهرة، هو تأخر توزيع البرامج السكنية وكذا التزايد السكاني الذي تعرفه الولاية ناهيك عن النزوح الريفي لدرجة أن المنتخبين المتعاقبين على تسيير الشأن المحلي، فشلوا في القضاء على الظاهرة أو مراقبتها ومنع تزايدها.

وأكدت مصادر أن عديد قرارات هدم البنايات الفوضوية معطلة على مستوى الدوائر لأسباب مختلفة، كما تشهد الولاية تأخرا في استرجاع العقار من “المافيا” التي بسطت هيمنتها على مساحات شاسعة بتواطئ جهات مقابل مبالغ مالية تسيل اللعاب.

وهو ما عطل عديد المشاريع التنموية والاستثمارية بالولاية، وبرهن عن فشل المسؤولين المتعاقبين في احتواء هذه الظاهرة رغم أوامر السلطات العليا في البلاد بتسوية هذا الملف في أقرب الآجال، واستغلال هذه المساحات في انجاز مشاريع تنموية موجهة للمنفعة العامة، ومشاريع استثمارية من شأنها المساهمة في الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني.

سلطات عاجزة عن تسوية الملفات بخنشلة

لا تزال العشرات من المشاريع التنموية بخنشلة لاسيما منها النائية، متوقفة إلى إشعار آخر، بسبب معارضة أصحاب الأراضي، المخصصة من قبل سلطات الولاية لإنجاز هذه المشاريع، بعد فشل كل المسؤولين المتعاقبين عن تسوية الوضع، أمام إصرار كل طرف على أحقيته في الأمر ومطالبة السكان السلطات بالتعويض المالي لأراضيهم.

ليبقى الصراع قائما رغم أهمية المشاريع، كما تشهد مشاريع السكن بالولاية في مختلف الأنماط تأخرا كبيرا، بعد تسجيل معارضات لأصحاب العقارات التي استغلت للمنفعة العامة، حيث دخلت السلطات في مفاوضات كبيرة بحثا عن حلول.

نافذون يستولون على أراض لمشاريع بولايات الجنوب الشرقي

طالبت مجموعة من الشباب ببلدية حد الصحاري في الجلفة بضرورة التدخل العاجل لوالي الولاية من أجل محاربة ظاهرة الاستحواذ على قطع الأراضي المخصصة لمشاريع المؤسسات المصغرة والتحقيق في قضية السطو على الأراضي المخصصة لمشاريع الدولة، خاصة بعد ما بلغ مسامعهم أنباء عن محاولة تغيير الأرضية المخصصة لمشاريع المؤسسات المصغرة الموجهة للشباب إلى منطقة أخرى.

وكان رئيس المجلس الشعبي البلدي السابق قد أعد العديد من قرارات الهدم منذ عدة أشهر لتلك البناءات الفوضوية تم تشييدها فوق أرضية تم تخصيصها لمشاريع المؤسسات المصغرة الموجهة للشباب من طرف لجنة ولائية بموجب محضر رسمي وأرسلها إلى رئيس الدائرة، إلا أنها لا تزال إلى غاية كتابة هذه الأسطر على مكتب رئيس دائرة حد الصحاري لم يتم تنفيذها لأسباب تبقى مجهولة.

وقال الشباب في مراسلتهم أن عديد الأراضي أصبحت “ملك” لأشخاص من ذوي النفوذ الذين استحوذوا على أراض “شاسعة” من دون أي وثيقة قانونية تثبت امتلاكها، على حساب مساحات خضراء ومساحات لعب وأراض مخصصة لمشاريع الدولة إضافة إلى عقارات عمومية كانت ملكا للدولة.

وأضحت العديد من الجيوب العقارية عرضة للنهب والسطو من قبل مافيا العقار التي استفحلت في الآونة الأخيرة جراء عدم جدية الجهات المعنية في محاربة الظاهرة وغياب أي رادع.

تحذيرات من مغبة الاحتقان الناجم عن التفشي المقلق للأوعية العقارية

حذرت الجمعيات المحلية المهتمة بالشأن التنموي عموما وملف العقار على وجه الخصوص، من مغبة الاحتقان المحلي الناجم عن التفشي المقلق للأوعية العقارية.

وفي موضوع متصل شدد ممثلو الجمعيات المحلية الفاعلة، على ضرورة تجند المصالح المعنية من ولاة ومصالح الأمن والدرك الوطني للتصدي للنهب المستمر للأوعية العقارية التابعة لأملاك الدولة، وذلك عن طريق تشكيل لجان خاصة للسهر على تطبيق  التعليمات الموجهة للبلديات بهدف التنفيذ الفوري لقرارات هدم أزيد من 22400 بناية فوضوية أنجزت فوق أوعية عقارية تابعة للدولة وأخرى تحت الضغط المتوسط وهو ما يتنافى مع معايير البناء والتعمير بالجزائر .

تحقيقات أمنية للتصدي لسماسرة العقار

أسفرت تحقيقات الجهات الأمنية عبر ولايات الجمهورية عن حالات عديدة لأشكال التعدي على الملكية العقارية لتشييد مساكن ريفية، أو نهب مساحات مخصصة للنشاط الزراعي وأملاك الدولة، وهذا مقابل تلقي مزايا مالية كبيرة للسماح بالمصادقة على رخص البناء وشهادات الحيازة.

وفي السياق أحصت مصالح الدرك الوطني في إطار تعليمات السلطات العليا للبلاد القاضية باسترجاع القطع المنهوبة من أملاك الدولة ووضع حد لـ”مافيا العقار” التي نهبت مساحات حضرية والغابات باستعمال حيل متعددة، أكثر من 4 آلاف جريمة تعدٍ على الملكية العقارية من طرف الخواص أو “سماسرة” العقار سنة 2020، والذين حاولوا بكل طرق الاحتيال والتزوير نهب مساحات شاسعة من الأراضي التابعة لأملاك الدولة وبيعها بالدينار الرمزي.

وحررت ذات المصالح محاضر ضد المتورطين حولوا بموجبها أمام الجهات القضائية لمتابعتهم وفقا للمادة 386 التي تنص “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 20 ألف إلى 100 ألف دج كل من انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة أو بطرق التدليس”.

 

 

 

مقالات ذات صلة

أمطار .. رعود ورياح على عدة ولايات

sarih_auteur

الرئيس تبون يستقبل نظيره الصحراوي

sarih_auteur

عرض مشروع القانون المتعلق بالتعبئة العامة

sarih_auteur