واسيني الأعرج: “للكاتب الحق في التعامل مع التاريخ كمبدع”

 

عبد المالك باباأحمد

استضاف، أول أمس، المنتدى الثقافي الجزائري، الروائي والناقد،واسيني الاعرج، في لقاء ثقافي بعنوان بـ “الرواية والإكراهات التاريخية” وذلك بتقنية التحاضر عن بعد “zoom” وتطرق  في مداخلته إلى علاقة الرواية بالتاريخ رفقة مجموعة من الأساتذة والباحثين الأكاديميين على غرار الدكتورة،آمنة بلعلى وآخرين.

حيث افتتح  مداخلته بالإشارة إلى أن هذا اللقاء لم يأت ردة فعل على “سجال حيزية” بل كان مبرمجا منذ زمن طويل، وإنما السبب في التأخر يعود بالدرجة الأولى إلى كثرة أسفاره وانشغاله الدائم، ليدخل بعدها مباشرة في صلب مداخلته قائلا بأن :”الرواية والتاريخ موضوع إشكالي، لأنه يدخلنا في صدام بين حقيقتين، بين حقيقة يفترض أنها علمية تجريبية، وبين حقيقة إبداعية هي ملك للكاتب وحده” حيث فرق واسيني بين حقيقتين، حقيقة تاريخية مضبوطة بقيود علمية صارمة، قابلة للقياس وخاضعة لشروط التجريب، وحقيقة أدبية إبداعية ذاتية المنشأ فهي بذلك ملك للكاتب وحده، مضيفا بأننا “نتعامل مع التاريخ على أنه مسلمة، لكنه بالنسبة لي ليس كذلك” مشككا بذلك في مصداقية بعض ما نعتبره مقدسا غير معرض للشك في تاريخنا، فالتاريخ كما قال ذات المتحدث يكتبه المنتصر، فهو بذلك من يحدد معالم التاريخ الذي يريده، و أكد على ضرورة الحذر من الحقائق التاريخية التي نفترض أنها حقائق فالمسلمات ،حسبه، تحتاج إلى تعميق البحث فيها لنصل إلى قدر معين من الحقيقة، لينتقل بعد ذلك إلى ربط وثاق العلاقة بين الرواية والتاريخ وتبيان الفروقات بين المؤرخ والكاتب، فقال: “نحن حين نكتب الرواية لا نزاحم المؤرخ، فله وجهة نظر خاصة به ولنا وجهة النظر الخاصة بها، فللكاتب الحق في التعامل مع التاريخ كمبدع” مؤكدا بذلك على أحقية الكاتب في صياغة المادة التاريخية و التعامل معها وفق ما تمليه عليه شروط الإبداع والكتابة مضيفا  بأنه :”عندما تكتب نصا، فالمساحة التاريخية تصبح تحت سلطة الكاتب، وأنا حر ومسيطر على تلك المساحة ” إلا أن تلك السيطرة والسلطة لم تأت بشكل اعتباطي مغرق في الذاتية كما يحسبه البعض، بل هي نابعة من معرفة مستندة لبحث طويل وقراءة معمقة في مختلف المصادر والمراجع على حسب ما صرح به واسيني في ذات المحاضرة، مستشهدا بعدد المصادر والمراجع التي قام بقراءتها من أجل الكتابة والتي فاقت الـ 400 مصدر ومرجع، تضاربت فيما بينها جاعلة من العمل جد صعب ومرهق، مبينا النقطة التي أثارت الكثير من الجدل، حيث اعتبر أن الاختلاف قد حصل بسبب عدم فهم الكثيرين لعلاقة الروائي بالتاريخ فـ “الاشتغال على التاريخ في الرواية هو اشتغال إبداعي وهذا ما يتسبب لنا  في مشاكل مع الآخرين” مشيرا إلى أن سوء الفهم هذا قد أدى بالبعض إلى اتهامه بتزوير التاريخ في سجال حيزية”  حيث قال بأنه لا يريد تغيير التاريخ بل يريد إعادة فهمه من جديد” فتسليط الضوء على جوانب جديدة من التاريخ مع إلغاء قدسيته والتشكيك في بعض مسلماته ليس تغييرا له حسب واسيني، بل هي إعادة قراءة، ما يجعلنا أمام حيرة من أمرنا، هل القراءة هي إعادة صياغة ومن ثم هي تغيير للتاريخ أم هي إثراء وإضافة للتاريخ المقرر والموجود أصلا؟ لتأتي الإجابة على هذا التساؤل بقول واسيني: “نحن نقول ما يخجل التاريخ عن قوله، ونصطدم أحيانا بالحقائق التاريخية ففي التاريخ لا يوجد مسلمات ” أي أن إعادة القراءة بالنسبة إلى واسيني هي تسليط الضوء على بعض النقاط المسكوت عنها بسبب “خجل التاريخ” ما يؤدي في بعض الأحيان في صدامات بين الواقع التاريخي المقرر من طرف المؤسسة الاجتماعية وبين التاريخ الشخصي الناتج عن نظرة إبداعية ومحاولة فردية شخصية لفهمه والغوص في جوانبه الخفية ، كما رد الروائي أيضا على من يتهمونه زورا وبهتانا بقوله :”يجب على الناس قبل أن يحكموا أن يصغوا لما يقال فللأسف تكونت عندنا ما يسمى بعقلية الثابت، إما أن تنضوي تحت الحقيقة وإما أن تشتم” ولعل هذا الرد جاء عمن تهجم عليه بسبب إعادة قراءته لتاريخ حيزية وإثارته للجدل حول علاقتها بالسعيد وبن قيطون، حيث أكد مرارا وتكرارا بأن الرواية هي إعادة هز لليقين، وقال بأن “التاريخ يحتاج لإعادة كتابة إبداعية، فالإبداع هو حرية، أما التاريخ مربوط بمنظومة من الإكراهات لا تسمح للمؤرخ قول ما يريد فالكاتب ليس تحت ضغط مجموعة بشرية، إنما هو تحت ضغط ضميره وقدرته على الإبداع وقدرته على التوليف الإبداعي” لينتقل بعد ذلك إلى التفريق بين أنواع الرواية التاريخية، حيث قسمها إلى نوعين، النوع الأول هو رواية الشخصية، والثاني هو رواية الوقائع والأحداث، معتبرا أن كتابة رواية الشخصية تحتاج إلى حس كبير بالمسؤولية خاصة في تسليط الضوء على جوانب معينة من الشخصية محل الكتابة، كما أن رواية الشخصية لدي واسيني الأعرج هي رواية تعمد إلى نقل العواطف الإنسانية المحيطة بالشخصية التاريخية، وهي بذلك مختلفة عن التاريخ العاجز عن نقل مثل هذه الأحاسيس فالمؤرخ حسب ما قاله واسيني “لا يمكن أن يقول العواطف الإنسانية المحيطة بالشخصية التاريخية، على عكس المبدع الذي يتسنى له الغوص في هذه المشاعروالأحاسيس” وللتوضيح فقد ضرب الروائي مثالا بشخصية الأميربسبب فقدانه لزوجته في قصر “أومبواز” في المنفى،  مؤكدا بأن الوقائع التاريخي الجافة تحتاج دون أدنى شك إلى بعض من روح الكاتب وأن “الرواية تجعل المادة التاريخية تمر بعملية تصنيع معقدة لكي تتحول إلى الشكل الإبداعي وعندما تندرج الوقائع التاريخية في القالب الروائي تقطع صلتها مباشرة بالواقع التاريخي”  كما شدد الروائي على ضرورة التحاور بموضوعية، وهذا ما عبرت عنه كلمات وأفعال واسيني في هذا الملتقى فالحرية عنده ليست مجرد هوى بل يجب أن تكون مدعومة بالحجج لكي تستطيع الدفاع عن نفسها  وقال :”أنا لست ضد الجدالية ولست ضد الخلاف بل أنا ضد الشتيمة،

العارف يساجل ولا يشتم، والشتيمة من صفات الجهلة”.

مقالات ذات صلة

تأسيس مهرجانات في الولايات العشر المستحدثة

taha bensidhoum

الكاتب عبد الله تفرغوست”: “إذا أردنا أن نكتب للأطفال فيجب أن نحتك بهم “

taha bensidhoum

نحن لا نحسن تسويق قاماتنا ورموزنا!

sarih_auteur