حاوره: عبد المالك باباأحمد
تزخر عنابة بمواهب أدبية وشعرية محترمة، سخرت قلمها وروحها وفكرها لخدمة الحرف المبدع شكلا ومضمونا، لفظا ومعنى، منها من هو ذائع الصيت ومنها ما هو مغمور، وبين هذا وذاك يبرز الشاعر الشاب بلال نواري.
عرفنا بنفسك
بلال نواري ، أستاذ بثانوية الشهيد رجم عبد الله، وبعضُ من يرتشف معين الحرف يزعم أني شاعر.
كيف بدأت قصتك مع الشعر؟
تأثرت منذ الصغر بكتابات المنفلوطي ، وجبران، والكواكبي ، وغيرهم من الناثرين الأفذاذ ، قبل اغترافي من جماليات الشعر العباسي مُتعددِ المشارب والمواضيع، ليمتد اطلاعي بعدها فأنهل من شعراء العصر الحديث، متتبعا نمط التجديد عندهم، ولعل أول دندنة لي شعرا كانت في المرحلة المتوسطة من التعليم، ولكنها ازدادت تمكنا في مرحلة الجامعة بعد احتكاكي بثلة من الأساتذة الأفاضل.
أنت كذلك ناشط ثقافي دائم الحضور في الملتقيات الأدبية والثقافية، ما تقييمك للمشهد الثقافي بعنابة؟
يصعب على المتتبع تقييم جهود غيره، خاصة أمام تنوع النشاطات وكثافتها إلا أنّ ذلك لا يمنع تقديم بعض الملاحظات العامة ، من ذلك أنّ القائمين عليها لا يلون اهتماما جادا بالنصوص الراقية وأصحابها، ما جعلهم يقعون في تكرار نفس الوجوه والمحافل، فلا يكبرعندهم شعرا إلا من كان قريبا منهم جاها ومعرفة، فتغيب حينها جودة النص ونضارته، لتشاهد في الحضور من هو أرصن أسلوبا و أمتن حرفا ، وأكثر مراسا ، وأنبل رسالة ، فلا يُقدم ولا يُلتفت إليه مكانة إلا ليُلقي قطعة يُطرب لها جمهور القاعة، بعد الإعياء الذي ناله من أديبهم وشاعرهم المبجل، و تمر السُنون والمشهد عينه يتكرر. أما محاسن نشطات عنابة فتكمن في فائدة التواصل والنهل من ضيوف عنابة وقت عقد ملتقياتها الوطنية، فتعم الفائدة ويجزل النفع أكثر.
ما رأيك في المستوى الشعري بعنابة، هل يوجد بها شعراء متمرسون؟
تتميّز عنابة بحضور حرفها وطنيا، ففيها من الشعراء من رسخت قدمه واشتد متنه أسلوبا وصورة، غير أنه مهملٌ مبْعَدْ، فالشاعر لا يطلب من المسؤول الالتفات إليه، ورفعه مكانته، بل يجب على من كانت بيده مفاتيح الثقافة ومغاليقها أن ينتبه له ويعطيه حقه مكانة وحضورا، ويغيب ذلك فيهم. وقد يشفع لهم كثرة انشغالهم بضروب أخرى من الثقافة أهم فائدة من الكلمة والحرف النبيل!، ولا نقصي أصحاب حرف النثر وشاعريته الملفتة فلعنابة أدباء كبار تميزوا بنثر شاعريتهم ببراعة يُشهد لها، وحسبك أن فيها شاعرين حصلا جائزة “أول نوفمبر54 ” في الشعر العمودي وهما: الشاعر القدير محمد شاوش، والشاعر محمد صالح بن يغلى.
ما هي النقائص التي تراها في المشهد الثقافي بعنابة؟
أعُدّ غياب النقد الجاد أهم نقيصة تُميّز المشهد الثقافي الأدبي تحديدا فالنص بديع المعنى حسن الصورة بصاحبه، لا ببنيته وطريقة رصفه ودقة سبكه، أما حمولته الثقافية وتوجهاته الفلسفية فلا يُنظر لها لأنها تأسر لبّ المادح دوما!، ولو تأملت لوجدت أن كل شاعر له من نصوصه ما هو جيد حسن، ومتوسط مقبول، وضعيفٌ منبوذ، ولا تطفو هذه الأصناف إلا بناقد حاذق متجرد، وصاحب نصٍ عارف متواضع متقبل، لا يحمل حقدا لحقيقة نقدٍ ، ولا يضمرُ مكيدة لصاحب رأي استدل لرأيه وبينه.
الشعر الحر أم الشعر العمودي، أيهما تختار ولماذا؟
أرى أنّ أحدهما استلّ من الآخرِ براعة وتجديدا، لا انتقاصا وانكارا، فالشعر الحر يقوم على بحور الشعر الصافية، ويعتمد عللها وزحافاتها بناء وتركيبا، فهو فرع عن الأصل ، والأصل هو الشعر العمودي، وإن خُيّرتُ بينهما فالعمودي أقرب وأقوم وهو المذكور تاريخا في ذاكرة العرب وفهمهم، وميزه الكتاب المنزل عن النثر صدقا، فالشعراء خلافُ الخطباء الناثرين وغيرهم، أما إن قصدت شعر النثر فأنا أكفر به جنسا أدبيا، لأنه خاطرة بديعة الصورة، ضمت شاعرية ورنقا وأقصد هنا الجيد الممتاز منها لا غير، وقد داعبت أصحاب هذا التوجه الذين يريدون رفع نثرهم فأضافوه للشعر تقربا وزلفة قائلا:
حُرَيفَ النَثْرِ قدْ أُثْقِلْتَ جُرمًا /// وَحُمِّلتَ الهَدِينَ منَ المعَانِي
فتَبًّا للذي خطّ اعترافا // وقلدكَ العلوَ وأنتَ دانٍ
يحاول الكثير من الشباب الولوج إلى عالم الكتابة الشعرية، بم تنصحهم؟
أنصح من يحاول الولوج لعالم الكتابة من الشباب، بأن يوسع اطلاعه، ويتشرب القراءة ويدمنها، وأن يختار من الشعر الجاهلي ما يمكنه من ضبط الإيقاع وإتقانه، و من باقي الشعر ما يحسن به أسلوبه ويغني بيه معجمه، على أن يجتنب التقليد وأن يبني له طريقة و منهجا، ولا يمكن لشاعر أو كاتب رواية أو قصة، أن يسطر نصا بديعا دون إتعاب بصره في أمهات كتب الأدب وفنونه.