حاورته/ ابتسام بلبل
يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور زهير بوعمامة، في تصريح رئيس الجمهورية الأخير “تبدلا نوعيا” في الموقف الجزائري تجاه الملف التونسي، خاصة وأنها المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس تبون عن “عودة الديمقراطية” إلى تونس، فيما عبر في مناسبات عدة_ في وقت سابق_ عن تفهمه للتدابير الاستثنائية التي اتخذها، وزار تونس قبل أشهر والتقى سعيد قدم خلاله قرضا بقيمة 300 مليون دولار لدعم الاقتصاد التونسي المتعثر.
مراجعة الموقف الجزائري الرسمي من التطورات في المشهد السياسي التونسي
قال الدكتور زهير بوعمامة، لـ “الصريح'”، أن عدة مؤشرات تدل على وجود مراجعة للموقف الجزائري الرسمي من التطورات في المشهد السياسي التونسي.
وتابع بالقول: “صحيح أن الرئيس تبون كان من الداعمين لقيس سعيد بشكل قوي ولتونس بشكل عام، وكانت الجزائر بعد ما سمي بـ”أزمة ما بعد 25 جويلية” قد تفهمت التدابير الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد باعتباره رئيس منتخب، ودعت إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس، لكن خشية تطور وضعية الانسداد الحالية إلى “انزلاق” قد يذهب بتونس بعيدا، أكدت على لسان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على ضرورة إيجاد حل خاصة في ظل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة في البلاد”.
واستطرد قائلا: “أن الجزائر مؤخرا راجعت إلى حد ما هذا الموقف ليس تدخلا وإنما “نُصحا” للرئيس التونسي قيس سعيد “أولا” الذي أطال الأزمة في حين كان من المفترض _كما قال_ أن تُفضي التدابير الاستثنائية إلى عرض خارطة طريق على التونسيين للخروج من الوضع القائم”.
قيس سعيد لا يمتلك “خطة واضحة” لإنهاء الأزمة
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الرئيس قيس سعيد الذي كان في تشاور مستمر مع الرئيس تبون، أصبح على ما يبدوا في مرحلة معينة يميل إلى التقارب مع جهات أخرى لا تمتلك نفس تصور الجزائر لإخراج تونس من الأزمة السياسية التي تعيشها”.
وأضاف محدثنا : “أنه وبالنظر إلى العمق الاستراتيجي لتونس بالنسبة للجزائر، وبحكم موضعها كدولة جارة وعلاقة الأخوة، حاولت عن “طيب خاطر” المساعدة بكل ما تستطيع، لاسيما بالتغطية الدبلوماسية، مذكرا في السياق بتصريح رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ردا على مواقف لدول أوروبية في الأيام التي تلت مباشرة قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية 2021، والذي دعا فيه إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس.
مؤكدا أن التونسيين سيجدون الطريق لتصحيح المسار دون حدوث انتكاسة والتراجع عن الخيار الديمقراطي”، وهو التصريح الذي رحب به التونسيون آنذاك، ولكن التطورات الأخيرة جعلت الجزائر تخشى من عدم امتلاك قيس سعيد “خطة واضحة” لإنهاء الأزمة، وضبابية “منهجية العمل” التي يطبقها قد لا تؤدي إلى جمع التونسيين والوصول إلى توافق بينهم على إعادة بناء نظام الحكم وكتابة دستور جديد.
مضيفا أن الجزائيين كما الآخرين استشعروا إمكانية انزلاق الأوضاع في الجارة الشرقية، خاصة وأن الوقت ليس في صالح قيس سعيد ولا تونس بشكل عام”.
أطراف معروفة تحاول التأثير على مستقبل تونس
قال المحلل السياسي، زهير بوعمامة، أن الرئيس التونسي الحالي لم يعد يستمع لحلفائه في الداخل ولا للقوة الأكبر “اتحاد الشغل التونسي” الذي عبر عن عدم رضاه وتحفظه عن “منهجية عمل” قيس سعيد، خاصة ما تعلق في كيفية إجراء الحوار والأطراف التي يجب أن تشارك فيه.
وأضاف “أن “التوجس” من طرف الجزائر يأتي في ظل محاولة أطراف معروفة التأثير على مستقبل تونس من خلال التأثير على قرارات الرئيس سعيد، المتعلقة بالاستفتاء وفرض دستور جديد واتخاذ خطوات غير جامعة دون حوار حقيقي وموسع يجمع كل التونسيين والأطراف الفاعلة من بينها اتحاد الشغل والأحزاب وهو ما سيؤدي “حتما” إلى فشل ذريع سيعقد الأمور أكثر، وسيضع الجزائر إضافة إلى ما هو موجود في مالي وليبيا وسط أزمة جديدة أخرى.
تصريحات الرئيس تبون رسالة إلى الجماعة الدولية
كما يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن التصريحات الأخيرة للرئيس تبون من “روما” الايطالية هي رسالة إلى الجماعة الدولية، على غرار دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية.
مشيرا إلى أن الجزائر أصبحت تعبر بشكل صريح عن عدم رضاها بمنهجية الرئيس قيس سعيد للخروج من المأزق السياسي، مؤكدا في السياق على أنها رسالة لهذه الأطراف تحمل مضمونا “واضحا وصريحا” بأن الجزائر” متفهمة” ولكنها “حريصة” قبل هذه الأطراف الأجنبية والأوروبية وغيرها على مساعدة التونسيين لإيجاد مخرج من هذا الوضع.
وتؤكد الجزائر بهذا أنه لا يمكن لأي قرارات أو إجراءات تتخذ في الملف التونسي دون المشاورة والأخذ بعين الاعتبار موقف الجزائر ودورها الذي سيساعد في “حلحلة” الأزمة التونسية.
تعديل اتفاقية إمداد تونس بالغاز
وفي رده عن سؤال حول حول ما قاله الكاتب العام لجامعة الكهرباء والغاز التونسية، عبد القادر الجلاصي، مؤخرا، في تصريحات لوسائل إعلام محلية “بأن الجزائر تريد تعديل اتفاقية إمداد تونس بالغاز، يرى المحلل السياسي، زهير بوعمامة، “أن الجزائر حريصة على علاقاتها المتينة مع تونس وهي لا تريد أن تجد نفسها مضطرة لاتخاذ اجراءات قد لا تساعد الأشقاء في تونس للخروج من أزمتهم الاقتصادية المعقدة”.
وتابع بالقول أنه “لا شك في أن الحديث الكاتب العام لجامعة الكهرباء والغاز التونسية حول “أن الجزائر لم تعد ترغب في إمداد تونس بالغاز”، ربما اتجاه نحو إعادة النظر في تسعيرة الغاز والكهرباء التي تعتبر حاليا رمزية وتفضيلية”.
وقد يكون _حسب محدثا_ “قرصة أذن”، على اعتبار أن العلاقات بين الجزائر وتونس هي علاقة أخوة وحسن الجوار ولكن تربطها مصالح أيضا، مشيرا إلى استحالة استمرار المساعدات لتونس في ظل توجه الرئيس قيس سعيد إلى جهات أخرى هدفها “جر تونس إلى المجهول” وهو ما يهدد مستقبل البلاد والشعب التونسي.
في حين أن الجزائر هي الأقرب والمتضرر الأول في حالة حدوث أزمة داخل البلاد”، وهو ما سيدفع الجزائر إلى التدخل لمراجعة التعاطي مع الوضع القائم، وهو تدخل “أخوي” من دولة محورية وجارة، على حد قوله_ فأي مساس سلبي بتونس ينعكس مباشرة على الجزائر، وأوضح بالقول :”لا توجد أطماع للجزائر في تونس بل بالعكس كما قال الرئيس تبون في تصريح سابق “نحن نساعد تونس دون مقابل”.
لا توجد علاقة فتور بين الجزائر وتونس
قال الخبير والمحلل السياسي زهير بوعمامة: “لحد الساعة لا توجد علاقة فتور بين الجزائر وتونس، فالجزائر تعرف كيف توصل رسائلها السياسية والدبلوماسية، ومع تونس ولأسباب كثيرة أبرزها العلاقات الأخوية والصداقة والتاريخية وغيرها تحرص الجزائر على عدم ذهاب الأمور بعيدا، والتدخل يبقى في حدود النصيحة والرغبة في المساعدة، وليس كما تصورت بعض الأصوات في تونس والتي اعتبرته تدخلا وتم تكييفه على مقاس بعض الجهات، التي لم تعلق _حسبه_ على ما يُقال عن “وجود أطراف مصرية وإماراتية وغيرها تقدم المشورة للرئيس التونسي، قيس سعيد”.
في حين أن نفس الجهات “خرجت تنتقد الجزائر التي ساعدت ووقفت إلى جانب تونس دائما لمجرد أن الجزائر أكدت على لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بأنها اتفقت مع إيطاليا على مساعدة تونس في العودة إلى الطريق الديمقراطي واعتبروه تدخلا.
فيما عرج أيضا على تفهم تونسيين لتصريحات الرئيس تبون وثمنوها واعتبروها “تدخلا من دولة شقيقة بهدف وضع تونس على السكة الصحيحة”.
اتفاق بين الجزائر وايطاليا على مساعدة تونس للخروج من المأزق
وفي وقت سابق قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نهاية الأسبوع الماضي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا بالعاصمة الايطالية “روما” أنه اتفق مع الرئيس الايطالي على مساعدة تونس للخروج من المأزق الذي دخلت فيه كي تعود للطريق الديمقراطي، ونفس الشيء بالنسبة للشقيقة ليبيا”.
وأضاف “الدولتان اللتان ليس لديهما أي مصالح في ليبيا إلا عودة الاستقرار فيها هما إيطاليا والجزائر، ونعتقد أن الطريق الوحيد (الذي سيعيد الاستقرار إلى ليبيا) هو الانتخابات التشريعية وإعطاء الكلمة للشعب الليبي كي تُبنى ليبيا على أسس ديمقراطية”.
ومنذ 25 جويلية 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وحل البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، كما قرر سعيد تبكير الانتخابات البرلمانية، إلى 17 ديسمبر القادم، ومنح نفسه حق تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة الانتخابات السبعة، بما في ذلك رئيسها.
وترى قوى تونسية أن هذه الإجراءات تمثل “انقلابا على الدستور”، بينما ترى فيها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، أما الرئيس قيس سعيد، الذي بدأ عام 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فاعتبر أن إجراءاته “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”.