د. حميد بوحبيب
الاحتفال بيناير أمر رائع من وجهة نظر الأنثروبولوجي الذي يسكن في أعماقي، على اعتبار أنه جزء من طقوس زراعية موغلة في القدم…
ولكن حكاية ربط يناير بششناق تحتاج إلى نظر، وسأقول لكم رأيي حتى وإن أزعج بعض حراس الهوية والتاريخ.
أولا، يجب أن أذكر بأن التفكير في اعتماد هذه الرزنامة التي وصلت اليوم إلى العام 2964، يعود إلى سنة 1968، وذلك على يد الأكاديمية البربرية في باريس. ولكن صاحب فكرة شاشناق هذه هو الناشط الشاوي أعمر نقادي المتوفى عام 2008، وقد أعلنها لأول مرة في 1980، وفتح بها التقويم الزراعي التقليدي على التاريخ، وارتأى أن يوغل في الماضي السحيق، بحثا عن لحظة مشرقة…ولم يتوقف به البحث عند ماسينيسا أو تاكفاريتاس أو يوبا، لأنه أراد رزنامة أعرق من التقويم الميلادي والهجري…فعاد إلى غاية القرن العاشر قبل الميلاد، وطلع لنا باسم شاشناق هذا !
*-أولا ماذا يقول التاريخ بشأن هذا الفرعون؟
المعلومات القليلة جدا التي يتقاسمها نشطاء الحركة البربرية اليوم مبثوثة في مصادر قليلة: التوراةـ نتف من كتابات هيرودوتس ـ وبعض الرقائم الهيروغليفية.
لأن القرن العاشر قبل الميلاد أبعد من أية مصادر مكتوبة موثوقة،( هو أقدم من كل الفلاسفة اليونان وعلمائهم الذين تعرفونهم) فضلا عن كون التاريخ القديم مزيج بين الأسطورة والواقع.
تقول هذه المصادر الهزيلة:
* إن ششناق [ كيفية نطق الاسم غير أكيدة، لأنها وردت بالشكل التالي: shshnq، بسبب غياب الصوائت في الكتابات القديمة.] ملك ليبي[ وليبي ليس بالضرورة أمازيغي، لأن إقليم أقصى شرق نوميديا كان كثيرا ما يقع تحت سلطة الفراعنة] هو الذي أسس العائلة 22 في مصر، وحكم بين 945و 924 قبل الميلاد، وأصوله الليبية [ الأمازيغية] غير واضحة جيدا، إذ لا نعرف إلا اسم والده المزعوم[ بويوواو]، و يبدو أنه تزوج امرأة تدعى كوروما الأولى، وأنجب أوزوركون الذي خلفه على العرش،
ولوبوت الكاهن الأكبر لآمون في طيبة، ونملوت ملك هيراكليوبوليس، إلى جانب بنت تدعى تاشيبين باستت.
دام حكم العائلة 22 من 945 إلى 715 قبل الميلاد ، بالتوازي مع العائلات 23،24،25
كانت العائلة من عبدة آمون، الموالين لمجد رمسيس، و تمصروا إلى درجة كبيرة، مما مكنهم من التأقلم والاندماج الكلي في المجتمع المصري ومنظومة الحكم فيه.
و تضيف المصادر اليهودية بأن ششناق هذا هو الذي غزا فلسطين
واحتل غزة و نهب القدس للاستيلاء على ذهب معبد سليمان المزعوم [ التوراة] و قد ترك ششناق بعضا من تاريخه مدونا على جدار معبد آمون في طيبة بالخط الهيروغليفي.
ويكون قد منح الحماية لـ جيروبوامْ الذي فرّ من بطش ابن سليمان، روبوام الأول، وقد بنى الكثير من المعالم خاصة معبد آمون في الكرنك تخليدا لانتصاره على الممالك الأخرى.
وعلى خلاف ما يتداوله بعض نشطاء الثقافة، فشاشناق هذا لم يهزم لا رمسيس الثاني ولا رمسيس الأول، لأنه ببساطة متأخر عنهما بنحو قرنين ونصف ( رمسيس الثاني توفي عام 1213 قبل الميلاد، رمسيس الأول نحو 1155قبل الميلاد).
ليس صحيحا أيضا أنه ولد في الجزائر ( عين فكرون مثلما زعم أحد المعتوهين، سوق اهراس في زعم آخرين ، رجما بالغيب)فميلاده في مصر موثوق منه.
ليس صحيحا أيضا أنه قاد جيشا زحف به من الجزائر إلى مصر …فعائلته كانت تعيش في مصر قبل ميلاده هو بقرنين ونصف تقريبا، وتمصّرت وصارت من عبدة آمون ونزلت في خدمة نفوذ رمسيس الثاني ثم الأول.
ثانيا : هل هذا الملك جدير بأن نربط به دورة الزمن و نحتفل بذكراه كلما ذكرنا يناير، مع أن أسلافنا لم يحتفظوا له بأية ذكرى، ولم يروا ضرورة ربط يناير بأي اسم آخر، سواء ماسينيسا أو غيره…
و إذا كان لابد من اسم ما نربط به دورة الفصول، فلماذا نتخذ من ملك متمصّر تمصرا كليا، ولم يشيد شيئا ذا قيمة في وطنه الأصلي ؟؟؟ ولم يقدم أية خدمة لشعبه ولغته
وثقافته !
إن الأمر مريب حقا ! وأنا شخصيا أشعر برابطة روحية قوية مع سيفاكس وتاكفاريناس والكاهنة
ويوبا الأول ويوغرطة أكثر من غيرهم. فلماذا أصر نشطاء الأكاديمية البربرية أن يخلدوا ذكرى ملك تنصل تماما من هويته و لغته
وبلاده!
قد لا تكون هذه الأسئلة مجدية الآن، لأن الأسطورة صنعت، وتناقلها الناس، ولا مجال للعودة إلى الوراء فيما يبدو. ولكن من المجدي أن نتأمل قليلا في لعبة صناعة الماضي. فنحن غير قادرين على صنع المستقبل، و كان من السهل الغوص في الماضي، لانتشال مجد مزعوم… إن الأساطير عنيدة و تأبى الزوال.
ونحن نمجد البنيات الأسطورية، خاصة عندما نبحث عن الهوية في زمن الأزمات التاريخية.
و مع ذلك، أقول: لا يربطني شيء بششناق هذا. أما يناير فله في وجداني هالة خاصة.