عن الكتابة والكاتب

أمين غانم 

الكتابة ليست للشهرة ولا للمجد، وكل كاتب يظل يجري خلف الأضواء سيخرج عن مدار الإبداع تماما ويتحول كتلميذ نجيب تخلي عن دروسه ليقترب أكثر في خدمة مدرسيه طمعا في الأنبراء على رفاقه وأترابه.

حين يسعى المبدع للشهرة كأنه يستنفذ سحر الإحساس بالألم ليتفرغ للمقابلات الصحفية والأضواء، فالفضائيات وكل الوسائل الإعلامية خصوصا في هذا الزمن باتت كمزامير حنّاش ميت، فالإعلام العربي وان سعت بعض البرامج لتقديم جهدا ثقافيا تظل في أذهاننا الوسائل المسببة لهذا الزيف والدمار والفساد.

متعة الكتابة نبقى في طقوسها السرية أما الفرحة الكاتب الكبرى بلا ريب تغدو في مشاهدته لأبطاله وأفكاره ونصوصه كشواهد حية لثقته بنفسه في التقاط ذبذباته دون شكوك أو مخاوف.

الكتابة هي تجربة خاصة ولكل كاتب تجربته وطريقته، وأي كاتب يسعي ليؤكد للناس انه الأفضل وكل ما حوله لا يرتقي لمستواه برأيي هو شخص غير سوي ولا يمت لجمال الروح الإنسانية بشعرة، وبالمقابل لا تنفع المقارنة بين مبدع وأخر كمقايسة للمستوى والقدرة فقط نحتاج لمعاينة وتذوق مخرجات كل كاتب بمعزل عن الأخر، المهم إلا ينتظر الفنان من المتلقي شيئا ويحول كل طاقته للمضي في بلورة وإخراج تلك الملامح الغريبة والتي تتصاعد من داخله كعذابات عصيه على الفهم.

الإعلام الغربي كذلك غير منصف بالنسبة للثقافة الغربية نفسها لكنه يظل الأكثر تأثيرا على العالم برمته ولولاه لما اقبلنا على العناوين والأسماء، وهذا يؤكد مدى ميل وجداننا الساذج للسائد وللسهل وللجاهز، لو نتذكر أيام الحرب الباردة والحزب الشيوعي السوفياتي في أوجه كانت المؤلفات الروسية تتصدر شغفنا ورفوفنا، الآن بعد انحسار المد الشيوعي لم نجد اثرا أو امتدادا للإبداع الروسي الا نادرا بعد ما تهاوت الدور والمؤسسات الأدبية الروسية والعالمية كأخر قلاع المد الاشتراكي، وهذا يعني بان الإعلام العالمي والمحلي موجه وممول من جهات وأنظمة سياسية بالغالب غير نظيفة، ورغم ذلك نجد بعضا من الكتاب والفنانين الأوروبيين هو من يصنع نفسه أو لا ويصل، فلماذا نتهافت على التعويل على الوسائل الإعلامية وكأن الناس تنتظر سماعنا على أحر من الجمر.

أعظم الفن والإبداع ذاك الذي يتشكل خارج المسارات والنظريات والأضواء، والفنان الحقيقي لا يجد نفسه في المهرجانات والمنصات بقدر ما تسحره الزوايا العابقة بالفناء.

في عصر السوشيال ميديا صار لكل كاتب منصته ومهرجانه الخاص به ، لم نعد بحاجه للمزاحمة لاستصدار هويات الاتحادات والنقابات وكل ما يتحتم علينا أن نواصل الإبداع كأناس حقيقيين لم ينقصهم شيئا ليدونوا اللحظة والفكرة ليستمر الألم بصمت كوقود حقيقي للإبداع.

ثمة كتاب بدأوا من منصات السوشيال ميديا وما لبثوا أن استدرجتهم المؤسسات والاتحادات كمحاولة أخيرة لتدجينهم وإعادتهم إلى مراتع الشبهات والشلل المقيته، وثمة من يواصل بمفرده المهمة الشاقه وبمتعة كبيرة كظامئ يقترب من ملامسة دفق ماء صاف ما يفتأ يتلألأ ويبرق من شقوق تجويف سهل وفي المتناول.

لا أحبذ صراخ الفنان والمبدع في هذا الزمن، لا أطيق شكوى الفنان والكاتب من التجاهل لأني أحس بأنه شخص فقد الدوافع الحقيقية للإبداع وبات يترقب المحافل باحثا عن حقه في الحضور والمكانة المستحقة وشيئا فشيئا يتحول لأحد مسلمات الجوقة الفارغة، أشبه بتاجر صغير أفلس للتو وبعد خطوات قليلة من بدايته.

الفنان والكاتب حين يعرف طريقه كصانع للجمال والدهشة مؤكد لن يشتكي أبدا من العزلة والتجاهل، لان الغاية كلها تتلخص في استمراره في الإنصات لذاته وبلورتها فنا وإبداعا خالصا، وحرية الفنان ليست كحرية الناس الاعتياديين، والفن لا يحتاج أكثر من وسيلة وطريقة ليبق ويستمر بقدر حاجته للوثوق بطريقته هو لإقناع ذاته فقط، فحين نثق بمكنوناتنا الغريبة سنغدو مبدعين حقيقيين.

مقالات ذات صلة

حذاء بوش، قلنسوة داوود والعربي الودود

sarih_auteur

رمضان بين صيام الخصوص وصيام اللصوص

sarih_auteur

الكفاءة المعرفية والخبرة الميدانية والعلاقة الطردية

sarih_auteur