الدكتور محمد ارزقي فراد
إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية (عيد ناير) هو تعبير عن التمسك بالموروث الثقافي الأصيل الدّال على عمق الحضارة في شمال إفريقية، على غرار تمسّك جميع شعوب العالم بعراقتها التاريخية، ومنها الشعوب العربية المتمسّكة بأنواع عاداتها القديمة وبالشعر الجاهلي باعتباره ديوان ثقافتها.
وعلينا نحن الجزائريين أن نحتذي بالأمم المتمدّنة فنحتضن التنوع الثقافي الذي حبانا به الله، بكل عناصره، وأن نجعله حجر الزاوية في بناء صرح الوحدة المتماسكة في إطار التنوع، وأن نسير على هدى القرآن الذي ثمّن تنوع الثقافات وجعلها بصريح النصّ جسرا للتعارف لا للتنابز والقذف، وجعل التقوى والاستقامة أساسا للتفاضل. ونسير على ضوء السُّنة المحمّدية المتجاوزة للعصبية والعرقية البغيضتين. فأهلا وسهلا بموروثنا الثقافي الأمازيغي والعربي والإسلامي والإفريقي والمتوسطيّ. وما اروع التراحم والتوادد في الأعياد المتنوّعة! هذا والجدير بالذكر أن الاحتفال بعيد ناير في زمن الاستعمار الفرنسي، قد ساعد على الاحتفاظ بالشخصية الوطنية، وكان يسمى بـ” عيد المسلمين وعيد العرب”، من باب الحرص على تمييز الجزائريين عن الفرنسيين المحتلين.
إن عيد ناير هو عيد جاءنا من عمق التاريخ السابق لنزول الأديان السماوية التي دعت إلى توحيد خالق الكون وإلى إقرار ربوبيته. ففي تلك الأزمنة السحيقة كان الإنسان خائفا وحائرا أمام جبروت الطبيعة التي لم يفهم أسرارها، لذلك حاول استرضاءها عن طريق ممارسة طقوس ذات بعد روحيّ، حتى تشفق عليه فتبعد عنه العواصف الهوجاء والرياح العاتية والأمطار الغزيرة المخرّبة وصهد الحرارة وأخطار الجفاف، وتمنّ عليه بالخصوبة والمحاصيل الوافرة.
لاحظ الإنسان في الماضي القديم تعاقبَ الفصول في مواعيد ثابتة تتكرر باستمرار، حيث تنام الطبيعة، ثم تستيقظ فتُبعث الحياة من جديد في الأرض من خلال الاخضرار الذي يغمر الأرض والأشجار، لتعطي ثمارا ناضجة بعد ذلك في وقت لاحق. وبمرور السنين والقرون بدأ الإنسان يخطو خطوات في المدنية مستفيدا من تكرار الدورة الطبيعية التي لا تحيد عن مدارها، وبدأ في استعمال الحساب الشمسي والقمري الذي ساعده في تنظيم الأعمال الفلاحية بعد اكتشاف الزراعة، واخترعت البشرية بعد جهد جهيد مصطلحات لتقسيم الزمن وتقديره تقديرا دقيقا، تتمثل في اليوم والأسبوع والشهر والفصل والسنة، وقد خصّص الإنسان القديم لكلّ فصل عيدا يتوسّم به الخير في المستقبل.
لم يشذّ أجدادنا «الأمازيغ» عن هذه القاعدة، فوضعوا رزنامة شمسية فلاحية مقتبسة عن الرزنامة الجوليانية المتأخرة بعشرة أيام عن الرزنامة الڤريڤوارية المعدّلة سنة 1582 من طرف البابا ڤريڤوار 13، عمّت في عموم شمال افريقية. وجرت العادة أن يُحتفل بعيد السنة الجديدة الأمازيغية يوم 12 جانفي وجُعِلت مناسبة للتفاؤل والفرح، يستقبلونه بعشاء مميّز فيه اللحم الأبيض ومشتقات الحبوب من كسكس وبربوشة وإرشمن ورشتة وخبز ولخفاف وبيض وفواكه جافة. ومن صفات عيد رأس السنة الأمازيغية، أيضا تفريغ الموقد من الرماد وتغيير الأثافي، والتوقف عن النسج والرحي، وعدم إخراج الجمرات من الدار، ووضع العشب الأخضر فوق سطوح المنازل.