- سليماني: 90 مليار دولار حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق السوداء
-الصريح- إبتسام بلبل
رغم جهود الدولة للقضاء على التجارة الموازية وتوجيهها واستغلالها بالشكل الصحيح لضبط القطاع التجاري، يتوسع هذا النشاط غير الشرعي الذي يهدد استقرار الاقتصادي الوطني، حيث بات يفرض نفسه بقوة في مختلف المدن على غرار عنابة ما يثير القلق لما يخلفه من فوضى حضرية ويشكل خطرا على الاقتصاد الوطني.
المتجول في المدن الكبرى كالجزائر العاصمة، قسنطينة، وهران وعنابة وسطيف وحتى الصغرى كالطارف وسوق أهراس وقالمة وتبسة وميلة وخنشلة وأم البواقي وبجاية وتيزي وزو، يلاحظ توسع الأنشطة التجارية غير الرسمية بعيدا عن الرقابة الجبائية والقوانين المنظمة للعمل وحتى معايير الجودة والسلامة، فعلى أرصفة الطرقات والطرقات نفسها وبين شوارع وسط المدن يعرض باعة غير شرعيين سلعا من مختلف الأنواع حتى الغذائية والكهربائية بطريقة عشوائية وفي ظروف غير ملائمة، تحت أشعة الشمس ودون أدنى معايير السلامة هدد صحة وسلامة المستهلك، ويصور في كثير من الأحيان مشاهد لصدامات متكررة بين الباعة والمواطنين أو السلطات المحلية التي تلاحقهم للقضاء على النشاط غير القانوني، إلى جانب عرقلة حركة السير والمشاة، ناهيك عن تشويه جمالية المدن وتدهور المحيط والبيئة في الوسط العمراني لما يخلفه هؤلاء الباعة من انتشار للنفايات والفوضى
تطبيق ضعيف لإجراءات الرقابة
على الرغم من الحملات التي تطلقها مصالح الرقابة بالتنسيق مع المصالح الأمنية لمحاربة التجارة الفوضوية في مسعى تنظيم الأسواق وتحسين المشهد الحضري، إلا أن هذه الإجراءات غالبا ما تكون آنية إذ يعود الباعة إلى نفس المكان بمجرد انتهاء الحملة ولا سميا مع اقتراب المواسم والمناسبات الدينية، حيت يتزايد عدد هؤلاء الباعة كالطفيليات في مختلف الأحياء والشوارع وسط المدن يتفننون في عرض سلعهم المختلفة كالألبسة والخضر والفواكه والأدوات المنزلية على الأرصفة والطرقات ومداخل الأسواق وحتى الشوارع الحيوية بأسعار أقل من السوق المنظم متحدين السلطات ومدعومين بالطلب الكبير على السلع الرخيصة، لتبقى نتائج الحملات المتكررة للجهات المختصة محدودة وغير دائمة في ظل عدم استمراريتها، حيث انتعشت العديد من الأنشطة التجارية والخدماتية الموازية على حساب الأنشطة النظامية الرسمية، في إشارة إلى أن قرارات منع التجارة الموازية يبقي تطبيقها ضعيف على أرض الواقع، وهو ما يشوه الصورة الحضارية للمدن وتتحول بعض الفضاءات على نقاط لتكدس النفايات وفوضى إلى جانب تعرض الأرصفة للاحتلال ما يؤثر على حركة السير والمشاة، ناهيك عن تضرر التجار النظاميين الذين يدفعون ضرائب ويواجهون منافسة غير عادلة.
أسباب مختلفة لتوسع النشاط غير الرسمي
أرجع خبراء توسع النشاط في السنوات الأخيرة إلى انتشار البطالة بين الشباب الراغبين في تحصيل دخل سريع، وآخرون إلى الهروب من تكاليف والتزامات جبائية وكذا الطلب الكبير على السلع المنخفضة التي توفرها هذه الأسواق غير القانونية، مشيرين إلى أن القضاء عليها يعد تحديا كبيرا للدولة لا سيما وأنها تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني من خلال فقدان الخزينة العمومية للمليارات سنويا من العائدات الجبائية والمنافسة غير الشرعية التي يخلقها هؤلاء مع التجار النظاميين الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن مجاراة الأسعار التي يضعها التجار غير الشرعيين وغير الخاضعة للضرائب، فضلا عن المخاطر الصحية على المستهلكين حيث غالبا ما تكون السلع المعروضة غير مراقبة ما يشكل خطرا على الصحة المواطن لا سيما فيما يتعلق بالمواد الغذائية والأدوية والأجهزة الكهربائية في غياب ثقافة استهلاكية رغم الحملات التحسيسية التي تقوم بها الجهات المختصة.
ووسط المعادلة الصعبة بين ضرورة فرض القانون واحترام التنظيم وبين مراعاة الوضعية الاجتماعية للباعة الذين يقتاتون على هذا النشاط، تعكف السلطات على معالجة هذه الظاهرة تدريجيا من خلال تحرير الأرصفة وتخصيص فضاءات منظمة لهؤلاء الباعة وإدماجهم في الاقتصاد الرسمي عبر تراخيص مؤقتة .
القطاع الموازي يمثل أكثر من 40 %
كشف الأمين العام للمركزية النقابية، اعمر طقجوت، خلال افتتاحه حملة التوعية حول إضفاء الطابع النظامي لعمال الاقتصاد غير المنظم في الجزائر شهر ماي المنصرم، أن القطاع الموازي، يمثل ما نسبته أكثر من 40 بالمائة، استنادا إلى تحقيقات عديدة تم إجراؤها، بالتنسيق مع منظمة العمل الدولية، ولفت في هذا الإطار إلى تم فتح دورات تكوينية، تضمنت توصياتها، تنظيم هذه الأبواب المفتوحة، ودعا العاملين في القطاع الموازي، إلى ضرورة تسوية وضعيتهم، من خلال الانخراط في نظام الجباية، لتأمين صندوق التقاعد، من الاشتراكات التي يتم تحصيلها، وأيضا، بهدف الاستفادة من حماية اجتماعية، من طرف الضمان الاجتماعي، وشدد على أنه من غير المقبول، أن يستمر العامل الذي ينشط في إطار قانوني، في دفع اشتراكات، يستفيد منها أشخاص يمارسون نشاطات موزاية، سواء على مستوى المنظومة الصحية، حيث يستفيد هذا الأخير، من علاج مجاني وتكفل صحي كامل، دون وجه حق.
الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني لـ”الصريح” : 90 مليار دولار حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق السوداء
أفاد الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني ل”الصريح” أن حجم الكتلة النقدية في السوق السوداء ما بين 80 إلى 90 مليار دولار خارج المسارات الرسمية لا تدخل في حسابات الاقتصاد الكلي كالناتج الداخلي الخام ما يؤثر على خلق الثروة وتدعيم الصادرات والإنتاج الوطني، مؤكدا أن النشاط الاقتصاد الموازي يضر بخزينة العمومية التي تخسر ضرائب بمئات الملايير ناهيك عن خلق مشكل المضاربة والاحتكار الذي يواجهه الاقتصاد الوطني جراء النشاط.
وقال محدثنا أن الإشكالية تنقسم إلى شقين أولهما التعاملات الاقتصادية والتجارية غير القانونية، على غرار تجارة “الكابة” التي وضعت لها السلطات قانونا جديدا لاحتوائها تمثل في تعليمات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون خلال شهر ماي الماضي بتسوية شاملة ونهائية لوضعية الشباب العاملين في الاستيراد المصغر الذاتي وحمايتهم بإدماجهم في النشاط النظامي للتجارة الخارجية من خلال تمكينهم من المزايا المنصوص عليها في القانون الخاص بالمقاول الذاتي ومنحهم صفة أعوان اقتصاديين مما يوفر لهم امتيازات اجتماعية وتجارية تكون بديلا لهم عن وضعيتهم الحالية غير القانونية إزاء عمليات الاستيراد المصغر عبر الموانئ والمطارات، التي عرضت البعض منهم، لحجز سلعهم وفقدان توازنهم الاجتماعي، بخسارة رؤوس أموالهم البسيطة.
وأمر رئيس الجمهورية، الوزير الأول، نذير العرباوي، “عاجلا” بتكوين لجنة لتحديد آليات نشاط هؤلاء الشباب الذين يستثمرون رؤوس أموالهم المتواضعة في تلبية حاجيات بسيطة لها أثرها في السوق وبكميات محدودة، ووجه بأن تحدد اللجنة التي يرأسها الوزير الأول، قائمة المواد المسموح لهؤلاء الشباب باستيرادها، بما يكفل استمرار نشاطهم مع الالتزام بالضوابط القانونية والجبائية المُنظّمة.
والشق الثاني، وفق الخبير الاقتصادي يتعلق بالنشاطات الرسمية للتجار هربا من الفوترة والضرائب وعدم التسجيل في السجل التجاري، داعيا إلى تحسيسهم وكذا رقمنة الإجراءات وضع تسهيلات، بالنظر إلى أن التجار يعانون من البيروقراطية في تسوية وثائقهم الإدارية.
وثمن سليماني الحملة التي أطلقها اتحاد العمال للناشطين في السوق السوداء بأهمية تسوية أوضاعهم القانونية، وعرج على، نشاطات “الفريلانسر” والمقاول الذاتي البيع عن طريق الانترنت التي دعمتها الدولة مؤخرا، مثمنا هذا القرار، الذي أسفر عن تسجيل 30 ألف مقاول ذاتي حاليا في انتظار 14 ألف مقاول ذاتي جديد ينتظرون الحصول على البطاقة.
ودعا محدثنا إلى تبني معالجة شاملة للظاهرة من خلال المرونة في توفير البدائل بتبسط الإجراءات لإنشاء نشاطات مصغرة وتحفيز الاستثمار في التجارة المنظمة من خلال تقديم إعفاءات ضريبية للمبتدئين وإنشاء أسواق جوارية مهيأة تستوعب الباعة وتنظيم حملات توعوية لتحسيسهم بأهمية تنظيم نشاطهم، وبخطر الاقتصاد الموازي على الاقتصاد الكلي كسعر الصرف والتشغيل والتجارة الداخلية والخارجية وعلى الضرائب، وعلى جميع قطاعات الاقتصاد الوطني وبأنه تنجم عنه العديد من المشاكل الاقتصادية كالبطالة والتهرب الضريبي وانخفاض النمو الاقتصادي.
إدراج أنشطة التجارة الموازية في المجال الرسمي
وفي مساع السلطات إلى القضاء تدريجيا على التجارة الموازية، تبنت وزارة التجارة وترقية الصادرات مؤخرا إستراتيجية لإدراج هذه الأنشطة غير القانونية في المجال الرسمي، حيث كشف الطيب زيتوني أن قطاعه يعمل على إدراج هذه الأنشطة من خلال تطوير شبكات التوزيع الكبرى وإنجاز أسواق البيع بالجملة.
وجدد الوزير حرص الدولة على مضاعفة الجهود لتطوير الإنتاج الوطني وترقيته، وذلك تجسيدا للإرادة السياسية والجدية التي تتوفر عليها الحكومة في التعامل مع الملف الاقتصادي، كما أشار إلى حرص الوزارة في إعداد جيل جديد من رجال الأعمال المؤهلين للولوج إلى الأسواق العالمية، مع فتح أسواق جديدة للمنتجات الجزائرية، ورفع حجم الصادرات وتمكين المنتجات الوطنية من التنافسية.