الأعمال الأدبية الجزائرية تحتضن الهوية الفلسطينية

ملاك زموري

أكد عدد من المفكرين والمثقفين أن النشاطات الثقافية والأعمال الأدبية تساهم في ترسيخ القضية الفلسطينية والتوعية بها، وأن تجميع ما كتب عن فلسطين في الثقافة الجزائرية من الروايات والقصص والـمسرحيات والـمقالات الفكرية والأغاني الشعبية في مدونة واحدة ضروري يعبر عن تضامن الشعب الجزائري مع فلسطين.

الكاتب أحسن تليلاني:”مسرحية “فلسطين المخدوعة” لكاتب ياسين من أهم الأعمال التي شخصت القضية الفلسطينيةّ”

قال الكاتب والأكاديمي، أحسن تليلاني، كاتب سيناريو الفيلم الروائي التاريخي الطويل، “زيغود يوسف”،إن المسرح الجزائري منذ نشأته في العشرينات من القرن الماضي في ظلال الحركة الوطنية، كان مسرحا مناهضا لكل أشكال الاستعباد والاستغلال، امتزج بتطلعات المقاومة للاستعماروتشرب من ينابيعها، مضيفا أنه سجل في نتائج الكتابين اللذين أصدرهما حول صدى الثورة الجزائرية بعنوان “المسرح الجزائري والثورة التحريرية”، أن المسرح الجزائري تأثر كثيرا بتجربة المقاومة والثورة على الاستعمار، فكان مسرحا تحرريا مناصرا لقضايا التحرر في العالم.

وواصل،إن هذا النزوع التحرري موجود حتى في بواكير النصوص المسرحية الجزائرية، التي تستثمر كل سانحة للإشارة إلى القضية الفلسطينية وهو ما جسد في مسرحية “حنبعل ” للكاتب أحمد توفيق المدني ، حيث ينبه البطل “حنبعل” الملك “انطيخوس” ملك سوريا إلى خطر اليهود ودسائسهم فينصحه قائلا: “لكن لا تنسوا يا مولاي أن خطرا هائلا يترقبكم من جهة الجنوب، فاليهود هناك يتربصون بكم الدوائر، و إنهم لأصحاب مطامع ليس لها حد ، ثم إنهم لا ينسون تأديبك لمملكة يهوذا، و بطشك بجندها، فإذا ما بلغتهم أنباء هذه الهزيمة ، بادروا إلى الانتقاض ، و لم يتورعوا عن مهاجمة المملكة من خلف ، فأرسلوا بفرقة القائد عصام التي تحرس بلاد الشام ، لتضرب أوتادها بأرض يهوذا، واعلموا أنه لا راحة لبلاد الشام و بلاد العرب معا ، إلا متى وقع التخلص من مملكة يهوذا، التي تقف حجر عثرة في الطريق، وتفصل البلاد شطرين “.

ويعبر هذا المقتطف عن شعور الكاتب الوطني المندد بموقف اليهود الداعم للاستعمار الفرنسي للجزائر، وعن شعوره القومي بخصوص نكبة فلسطين سنة 1948، خاصة وأن هذه المسرحية قد كتبت وقدمت على الركح سنة 1949.

وأضاف الكاتب، أن للقضية الفلسطينية حضورا كبيرا في الوجدان الشعبي الجزائري،تترجمه تلك العبارة الشهيرة التي يرددها الجزائري باعتزاز كبير، حيث يقول “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” و لقد كان ومازال  لهذا الحضور صدى قويا في مختلف الأشكال والتجارب الإبداعية الجزائرية ، حتى أن الشيخ البشير الإبراهيمي راح يتحدث عما أسماه بواجبات المبدعين العرب تجاه القضية الفلسطينية فقال :” و واجب كتاب العرب و شعرائهم و خطبائهم أن يلمسوا مواقع الإحساس ومكامن الشعور من نفوس العرب، و أن يؤججوا نار النخوة والحمية والحفاظ فيها، وأن يغمزوا عروق الشرف والكرامة والإباء منها، وأن يثيروا الهمم الراكدة، والمشاعر الراقدة منها، وأن ينفخوا فيها روحا جديدة، فيها كل ما في السيال الكهربائي من نار و نور .”

“ومهما اختلفت المنطلقات الإيديولوجية في النظر للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية قومية أو إسلامية أو إنسانية، فإن الإبداعات المسرحية الجزائرية جميعها قد راهنت على مناصرتها ودعمها، وذلك من خلال السعي إلى تشخيص جوهر الصراع فيها بتوتراته و تجلياته المختلفة، و في هذا المجال تعد مسرحية “فلسطين المخدوعة” لكاتب ياسين من أهم الأعمال التي شخصت القضيةالفلسطينية، كما يعد المسرحي الجزائري، محمد بوديا، شهيد القضية الفلسطينية، حيث تم اغتياله من قبل المخابرات الإسرائيلية في باريس عام 1972 بسبب نشاطه الداعم لفلسطين”، يضيف الكاتب.

أستاذ التاريخ عامر جديد:الأعمال الأدبية تساهم في تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية”

أردف أستاذ التاريخ عامر جديد، أن هناك العديد من الروايات التي تتحدث عن القضية الفلسطينية بمختلف أبعادها، وتناولت معاناة الفلسطيني في الشتات وساهمت في إظهار الظلم الفادح والخذلان الذي تعرض له الشعب الفلسطيني على مر العقود السابقة، حيث ناقشت جمعية “حكاية امل” ونادي “جيل أفضل جيل يقرأ” الأسبوع المنصرم رواية “رجال في الشمس” لغستان كنفاني، التي تعالج مشكلة المهاجرين الفلسطينيين بعد النكبة وواقعهم المعيشي، حيث قدمت صورة عن طبيعة المجتمع الفلسطيني في الشتات من خلال تدوين حكاية ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب إلى الكويت، حيث النفط والثروة.

وأضاف ذات المتحدث أن المدخلات الفكرية تساهم في تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية، وهذا من شأنه رفع الوعي الجمعي حول هذه القضية ومحورتها ومدى قدوسية القضية بالنسبة للمسلمين، وكذا فهم السياقات ودعم الجزائر عبر التاريخ للقضية، خاصة وأن هناك العديد من الجزائريين شاركوا في فتح معركة تحرير القدس مع صلاح الدين الايوبي، ومساهمتهم في دعم الانتفاضية التي عرفتها فلسطين، وبعد استقلال الجزائر تم اعلان ميلاد دولة فلسطين من أرض الجزائر

الدكتور علي خفيف: على الباحثين أن يجمعوا ما تبقى شاهدًا تاريخيًّا على التضامن الثقافي الجزائري مع فلسطين

وقال الدكتور علي خفيف، هناك وجه شبه كبير بين القضية الفلسطينية في معركة تحررها من الاستعمار الاستيطاني البغيض، وبين القضية الجزائرية بالأمس تحت نير الاستعمار الفرنسي، فكلا الشعبين خضع لاستعـمار استيطاني غاشم، ولا يخفى على أحد دور الثقافة والإعلام  ونشر الوعي في نصرة القضيتين، لأن الثقافة قوة رمزية هائلة، والـمقاومة الثقافية لا تقل أهمية أبدا عن كل أشكال المقاومات الأخرى، ولذلك سعت القوى الاستعمارية دائما، إلى القضاء على ثقافات الشعوب المستـعـمرة، وطـمس هوياتـها، من خلال إسكات أصوات الـمثقفين والعلماء ورجال الفكر، تماما مثلما فعل الاستعمار الفرنسي الغاشم، عندما حاول تجهيل الجزائريين إلى درجة الأمية الشاملة، ظنا منه أن ذلك يجعل الشعب الجزائري ينسى هويته ويقبل بالإدماج والتبعية الشاملة للمنظومة الاستعمارية الغاشمة، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، مادام في الأمة الجزائرية بقية من علمائها ومثقفيها.

وأكد الدكتور، أن القضية الفلسطينية، لم تغب يوما عن وجدان المثقفين الجزائريين، باعتبارها قضية عادلة، ولكونهم أكثر إحساسا بالظلم الاستعـماري من غيرهم، جربوا بشاعة الجرائم الاستعمارية، وذلك من خلال الندوات والنشاطات الثقافية المنظمة التي تهدف إلى التعريف بالقضية الفلسطينية، ومن خلال مساهمات الكتّاب والـمثقفين وتدخّلاتهم الفرديّة والجماعية عبر وسائط كثيرة ومختلفة،مضيفا، أن ما كتب الكتاب والأدباء والمثقفون الجزائريون منذ بداية القضية الفلسطينية إلى اليوم يمكن أن يكون مدونة ضخمة ومـمـيزة، للتضامن معها والتعريف بـها، ويكفي مثالًا على ذلك العودة إلى ما كُتب على فلسطين في جريدتي البصائر والشهاب، التابعتين لجمعيّة العلماء المسلمين، كما أنّ الذي يعود إلى ما كتبه الشعراء والروائيون والمسرحيون والنقاد والنّاشطون الثقافيون والمبدعون الشعبيّون الجزائريّون،  قبل الاستقلال وبعده، فسيجد مادّة غزيرةً جدّا في الموضوع، على الباحثين أن يهتـموا بـجمعها لتبقى شاهدًا تاريخيًّا على التضامن الثقافي الجزائري مع الأشقاء في فلسطين.

وواصل المتحدث، إن الناقد الجزائري، عبد الله ركيبي، جمع ما كتب عنها في النثر الجزائري الحديث، بذكر هذه الأبيات من قصيدة للشاعر الجزائري الكبير، محمد العيد آل خليفة، بعنوان ” فلسطين العزيزة” وهي تنطوي على عاطفة تضامن قويّة وصادقة، حيث يقول الشاعر محمّد العيد آل خليفة: “فلسطين العزيزة لا تراعي.. فعين الله راصدة تراعي، وحولك من بنى عدنان جند.. كثير العد يزأر كالسباع، اذا استصرخته للحرب لبى.. وخف إليك من كل البقاع، يجود بكل مرتخص وغالِ.. ليدفع عنك غارات الضباع، بُلِـيتِ بـهم صهاينةجياعا.. فسحقا للصهاينة الجياع، ستكشف عنهم الهيجاء سترا.. وترميهم بكل فتى شجاع”

وأضاف الأستاذ، “أهيب بالباحثين والنقاد الجزائريين أن يجمعوا ما كتب حول فلسطين في الأدب والثقافة الجزائرية، لأن ما كـتب حولها من قصائد في الشعر الجزائري كثير جدا، إلى جانب كثير من الروايات والقصص والـمسرحيات والـمقالات الفكرية، والـمرويات والأغاني الشعبية، ومازال الكتاب الجزائريون يكتبون عن القضيّة الفلسطينية بعمق وصدق وتضامن، لأّنهم أكثر الناس إحساسا بعدالتها وإيـمانا بـها، باعتبارهم أبناء وأحفاد أجيال من الثوار الذين صنعوا أعظم ثورة في العالم، جعلت من بلدهم قبلة للثوار والـمظلومين”.

مقالات ذات صلة

“الأيام الإبداعية الإفريقية” تسلط الضوء على الفنون والصناعات الثقافية

سارة معمري

نحو تأسيس مهرجان غزة الدولي “لسينما المرأة”

سارة معمري

مهرجان الجزائر الدولي للسينما.. برنامج غني بأفلام تعكس مختلف الثقافات

سارة معمري