عبد المالك باباأحمد
حذر الكاتب والروائي أمين الزاوي في مقال له على موقع أندبندنت عربية، من عودة ما أسماه كتاب البلاط المتكسبين بنسخة جديدة سماها “الكتاب المقاولين”، حيث رأى بأن التكسب ظاهرة عريقة لازمت الكتاب العرب مجسدة حالة من الانحدار الأدبي والأخلاقي.
وعرّف الزاوي الكاتب المقاول بأنه “النسخة المعاصرة لشاعر البلاط، الشاعر الذي ينطق ويبدع حين يسمع عبارة امنحه ألف دينار فضة” فالدافع للإبداع عند هذه الفئة ــ حسب الزاوي ــ هو العطاء المادي والمقابل المالي، كما اعتبر أن التغير الحاصل ما هو إلا تغير في وسائل الدفع وقال: “ما تغير هو بدلاً من “كيس الدنانير” أصبح “شيك البنك” بالأصفار” واعتبر أنه لا فرق بين الكاتب المتكسب الحالي وكاتب السلطان فالكاتب المقاول ــ حسبه ــ “هو نفسه كاتب بلاط الخليفة، ما تغيّر فيه هو أنه يأتيه على متن طائرة بحجز في الدرجة الأولى والآخر كان يجيء على ظهر جمل أو سرج حصان أو ماشياً في الرمال”؛ أي أن التغير الحاصل حسب الزاوي هو تغير في الوسائل لا الأفكار.
وفصل الكاتب في إشكالية التكسب بالأدب والكتابة حيث اعتبر التغافل عن وجود القارئ سببا أساسيا من أسباب تفشي هذه الظاهرة قائلا: “كانت ثروة “الكاتب المؤسسة” هو القارئ، القارئ هو صك الكاتب، تقرأ كتب طه حسين أو توفيق الحكيم أو كاتب ياسين في الشرق والغرب والشمال والجنوب وتثير النقاش ومتعة الأسئلة وشحذ الوعي الفردي والجماعي” ومن جانب آخر ألقى جزء كبيرا من المسؤولية على دور النشر التجارية التي “تلقي بالكتاب في عالم أصمّ و”الكاتب المقاول” لا ينتظر شيئاً من القارئ، فعينه على الجوائز وعلى رضا السلطان” حسبه.
كما تطرق الزاوي إلى نقطة أخرى هي حب الظهور والاستعراض في المحافل الثقافية، حيث قال “الكاتب المقاول هو ذاك الذي يلهث وراء “الزردات الثقافية” أينما كانت في أقصى الشرق وفي أقصى الغرب، من خلالها يبحث عن فتح طريق في اتجاه السلطان للجلوس إلى مائدته بغض النظر عن شكل وتوجه هذا السلطان ليبرالياً كان أو شيوعياً أو إسلامياً، شيعياً أو سنياً، لا يهم”
وتأسى الزاوي للوضع التي تعانيه الساحة الأدبية في العالم العربي بقوله “لقد أصبح الوضع خطراً، ففضاء الكتابة وتجمعات الكتاب هي الأماكن التي يكثر فيها الكذب والتزوير وسيادة الفكر الفاسد، وأمام هذا التدني الأخلاقي والسياسي والجمالي تقلصت مساحة مربع الاستقلالية الذي أسس له كتاب النهضة”.
واقترح حلولا لهذه الظاهرة تمثلت في إعادة النظر في الجوائز الأدبية والدعوة إلى حماية الاستقلال الفكري بالإضافة إلى تحرير الإعلام من ظاهرة “المليشيات” حسبه، حيث قال : “أمام مثل هذا الوضع المريض، يبدو لي أننا مطالبون اليوم بالدفاع عن مبدأ الكتابة الجميلة الصادقة من خلال حماية مربع “الاستقلال الفكري” وذلك بالدعوة إلى إعادة النظر في الجوائز التي اغتالت الأدب الراقي ودجنت الأصوات التي كانت متوحشة وبديعة، وتحرير ما بقي من الإعلام من ظاهرة “الميليشيات” التي تهيئ للزردات الثقافية”، كما شلمت الحلول المقترحة دور الجامعة في حل هذه الأزمة، حيث أدان الزاوي “تورط الجامعة في تشجيعها وإشرافها على البحوث الأكاديمية والأطاريح الجامعية التي تكرس لصورة “الكاتب المقاوِل” من خلال توجيه الباحثين من الطلبة للاشتغال على هذه الكتابات المتهافتة” فجزء كبير من المسؤولية.