عكس ما حاولت صحف المخزن الترويج له بتوجه رئيس الحكومة المنتهية ولايته بيدرو سانتشيز نحو عهدة جديدة على رأس الهيئة التنفيذية في إسبانيا، اقترح ملك إسبانيا، فيليبي السادس، أمس، ترشيح رئيس الحزب الشعبي، ألبرتو نونيز فيخو، لرئاسة الحكومة.
وتم اتخاذ هذا القرار، الذي أعلنته رئيسة مجلس النواب الإسباني، فرانشينا أرمينغول، في تصريح مؤسساتي بعد اجتماعها مع الملك فيليبي السادس، بعد يومين من المشاورات التي أجراها العاهل الإسباني مع زعماء سبعة أحزاب سياسية ممثلة في مجلس النواب، ووفقا للمادة 99 من الدستور الإسباني، بعد الانتخابات العامة، يقترح الملك “بعد التشاور مع الممثلين المعينين من قبل المجموعات السياسية ذات التمثيل البرلماني، ومن خلال رئيس مجلس النواب، مرشحا لرئاسة الحكومة.”
وبرر الديوان الملكي في بيان الخطوة بأنّ “الحزب الشعبي هو التشكيل السياسي الذي حصّل أكبر عدد من المقاعد” في البرلمان، مذكّرا بأنّ هذه “الممارسة” باتت “عرفا” بحسب الدستور الحالي، ورحب فيخو بقرار الملك الإسباني، وجاء في منشور له على منصة “إكس” (تويتر سابقا): “أشكر جلالة الملك على قراره (…) سنمنح فرصة لأكثر من 11 مليون مواطن يريدون التغيير”، وأشارت رئيسة مجلس النواب إلى أنّها ستتواصل مع فيخو في الساعات المقبلة بغية تحديد موعد لجلسة تصويت على توليه رئاسة الحكومة، وللفوز من الدورة الأولى يتعين على فيخو نيل الغالبية المطلقة أي الحصول على أصوات 176 نائباً (من أصل 350 نائباً)، أما في الدورة الثانية فتكفي الغالبية البسيطة.
وفاز الحزب الشعبي في الانتخابات العامة المبكرة التي جرت في 23 جويلية الماضي في إسبانيا بحصوله على 32.91 % من الأصوات و137 مقعدا في مجلس النواب، يليه حزب العمال الاشتراكي الإسباني الذي حصل على 31.77 % من الأصوات و121 مقعدا، وجاء الحزبان الرئيسيان في إسبانيا، وفقا لهذه النتائج، متبوعين بحزب فوكس اليميني المتطرف بحصوله على 12.40% من الأصوات (33 مقعدا)، والحزب اليساري المتطرف سومار بحصوله على 12.29% من الأصوات (31 مقعدا)، وحصل الحزب الجمهوري اليساري لكاتالونيا على نسبة 1.93% من الأصوات و7 مقاعد، ونال حزب (معا من أجل كاتالونيا) 1.64% من الأصوات و7 مقاعد، وانتزع (بيلدو) ستة مقاعد، نفس نتيجة حزب الباسك القومي. كما فازت الكتلة القومية لغاليسيا، وائتلاف الكناري، واتحاد الشعب في نافاري بمقعد واحد لكل منها.
ماذا تعني رئاسة فيخو للحكومة الإسبانية؟
وصول الحزب الشعبي لرئاسة الحكومة الإسبانية سيكون ضربة موجعة للمخزن المغربي، الذي استغل ضعف رئيس الحزب الاشتراكي بيدرو سانتشيز لتحقيق الكثير من الأطماع التي لم يكن يحلم بها من قبل، ورغم أنّ الكثير من المتابعين برروا انبطاح سانتشيز أمام محمد السادس، بأنّه كان ضحية التجسس الذي سلط عليه عن طريق “بيغاسوس” وبالتالي أصبح محل ابتزاز من المغاربة، إلا أنّ ذلك لم يشفع له أمام الشعب الإسباني الذي قرر إسقاطه في أول انتخابات تشريعية، ليراهن على حزب الشعب، الذي كان من أشرس المهاجمين لسياسة سانتشيز، وخاصة تمرده على الموقف التاريخي للمملكة الإسبانية بخصوص الصحراء الغربية، وهو كلف إسبانيا عقوبات قاسية من الجزائر، ولهذا أكد الحزب الشعبي أكثر من مرة أنّه ينوي استعادة العلاقات مع الجزائر، وكان زعيم الحزب ألبرتو فيخو قد صرح في مناسبات عديدة طيلة الحملة الانتخابية الأخيرة أنّه ينوي إيجاد توازن في العلاقات الخارجية لإسبانيا مع الجزائر والمغرب. ويدرك زعيم الحزب الشعبي أنّ الأمر يمر أساسا من خلال سحب الدعم لمبدأ الحكم الذاتي في الصحراء الغربية وفي المقابل مسايرة مساعي منظمة الأمم المتحدة.
وعاد أحد مسؤولي العلاقات الخارجية للحزب الشعبي اليميني وهو غونثالز بونس الى تأكيد هذا التوجه بقوله عشية الانتخابات التشريعية: “سنعيد العلاقات مع المغرب إلى مرحلة ما قبل رسالة رئيس الحكومة بيدرو سانتشيز الى الملك محمد السادس…سندعم الأمم المتحدة فيما تقوم به من مجهودات لحل القضية الصحراوية”، وكان رئيس الحكومة الاشتراكي قد وجه رسالة الى الملك محمد السادس خلال مارس 2022 يتبنى فيها الحكم الذاتي. وترتب عن الرسالة غضب عارم في الحكومة الجزائرية، وسحبها سفيرها من مدريد، وقامت بتعليق اتفاقية الصداقة والتعاون وحسن الجوار وأوقفت معظم وارداتها من السوق الإسبانية، وأكدت الجزائر أنّها لن تعيد السفير طالما استمر بيدرو سانتشيز في الحكم، ويفتخر الحزب الشعبي المحافظ أنّه خلال ترأسه الحكومات الإسبانية، حافظ على التوازن بين الجزائر والمغرب طيلة سنوات حكومات أثنار وماريانو راخوي، ويتعهد باستعادة تلك السياسة التي تركت مدريد في منآى عن المواجهات الجزائرية-المغربية.