جمال فوغالي
——•”أطلالُ الطفولةِ والصِّبا والشبابِ التي تقوضتْ،مازالتْ رسومُها ماثلة،غيرَ دارسةٍ بعدُ،وأنقاضُ القلبِ الذي دمرتهُ أمجادُ معاشقِهِ ولكنَّ أعمدتَهُ قائمةٌ لا تريدُ أنْ تنْقضَّ ولا تريدُ أنْ تنقضي“•——
•الروائي إدْواردْ الخرَّاط،ترابها زعفران•
كأني في ابتعادِ المدى،
والمدى في اتساعِ الحنين،هنالكَ
البياضُ وقدِ احتواني في امتدادِ بياضهِ كأنَّ البياضَ يعانقُ آخرَ ما تلألأ من فضتهِ
النَّاصعة،كأنِّي ألوِّحُ لهُ في اليقينِ منْ رحلتي الآتية،لا شيء
قدَّامي يمنعُني من الوصول،لا الكرمةُ
التي في حديقةِ البيتِ وقدْ شاختْ ما بينَ فصليْن،هذي أوراقها المتساقطة،هامدة في موتها الشتائيِّ صفراء في وجعها الخريفيِّ،والأغصانُ متآكلةٌ كأنها أشباحُ أيدي
يتيمة في العراء منَ المقبرة،ولا السياجُ فوقَ السور الحجريِّ يلتفُّ حولَ التفافهِ أفْعواناً يحرسُ الفراغَ المديدَ ما بينَ الحقولِ التي لفظتْ ماءها وهاتيكَ السُّحب الداكنة في رمادِ السماء،
لولا كبرياءُ السَّروِ في امتدادِه والاخضرار
باتجاهِ الشمسِ عندَ شروقِ أشعتِها الفاترة،
وعندَ الغروبِ في احمرارها الجارح،وفي الظهيرةِ منْ وحدتها وقدْ غادرت الهاجرة،
ونبضي يقولُ لقلبهِ وهو يحاورهُ:
أما كَلَّ دمُكَ في خفقتي الرَّاعشة؟
يقولُ دمُ القلبِ وهو يحاورهُ:
وكيفَ لي أنْ أملَّ؟
وهلْ يا نبضُ لكَ أنْ تتركني وتغادرَني؟
وبيني وبينكَ عمرٌ منَ الجراحِ في الحياةِ منْ لقاءاتنا الغابرة…
ولمْ نصنعِ الحياة،ولكنَّا،أنتَ وأنا،نعشقها،فنشكلها كما شئنا،
وشاءَ الدَّمُ والخفقان…
أترى؟
أتبصرُ؟تلكَ غيمتنا العالية،في سماءٍ تقبِّلُ شوقَ ازرقاقها عندَ شهدِ الرُّضابِ في أولِ الحبِّ في رقصةِ المنحنى،إنها الآن تظللنا،وقد تمطرُ الياسمينَ والنرجس،والغيمةُ قرنفلةٌ في المَغيبِ المَهيب على هودجٍ منْ سحائبَ بيضٍ وقوسُ قزح حوذيُّها،ندعوها فتجيءُ عاشقة،تعطرنا،ثمَّ ترافقنا إلى فرحٍ لا يبيد،يكفي أنْ تكونَ لغةُ الراوي رافلةً في مجازها والتَّورية…
وتقول:
أنتَ يا نبضُ أو أنا، والدَّمُ في القلبِ يعْرُجُ إلى مستقرٍّ لهُ في الكلامِ إذا ما قالَ حرفُهُ كنْ فيكون:
هاتيكَ الريحُ الحفيةُ بي وبكَ،تعرفُ أن السماءَ بعيدة،وأنتَ وأنا،نريدها دانيةً وقريبة،يكفي أنْ تدعوَ اللغةُ الشاعرةُ السماءَ البعيدةَ فتدنو،أوْ نمتطي الريحَ كيْ نلحقَ،أنت وأنا،بها،تلكَ معجزةُ التشبيهِ في اللغةِ السَّابحة…
والريحُ الحبيبةُ صهوتنا الجامحة،إنَّا،أنتَ وأنا،نحبُّ الحياةَ منذُ ما قبلَ الحياةِ إلى الأساطير التي تتغنَّى بالحياة حتى بدءِ الحياةِ في العسلِ المُشتهى،نصنعُ منْ لغةِ الطيرِ
على هيئةِ الطير،ينفخُ الشوق،فنطيرُ،أنتَ وأنا يا نبضُ،كما لمْ نطرْ في اللغةِ السَّاحرة،ونشكِّلُ ألوانَ قوس قزح،والرِّيشةُ تغنِّي ألوانها الزاهية،وترسمُ الشوقَ آيةً كبرى،وندعو العصافيرَ،
وتدعو العصافيرُ الحساسينَ
وتقبلُ هاتيكَ اللَّقالقُ،الزرازيرُ،هذي العنادلُ،تأتي النوارسُ منْ أقاصي البحارِ لعرسِ الحياةِ في احتفالِ الحياةِ
والموسيقى زقوُ المواويلِ في اللغةِ الراقصة،
ينزلُ الثلجُ عفيفاً،خفيفاً،شفيفاً،
نصنعُ منهُ،أنتَ وأنا يا دمي الطفل،كُريَّاتِ الطفولةِ التي تزدادُ حضوراً في البياض منَ الحضورِ في المُنتهى،فتشتعلُ الصبابةُ في اشتعالِ البياضِ المشعِّ في اللغةِ العاشقة،نجري إلى ما يحبُّ نبضُكَ ودمي منْ بهاءِ الحياةِ في امتلاءِ البهاء،نسقطُ،يشخبُ الدَّمُ منْ دمي فتزهرُ الأزاهير،ييْنعُ الاخضرار،وأعرفُ أنكَ ستسبقني،يا نبضُ،وقدْ عانقتكَ،لتستقبلني هنالكَ والمدى دافقٌ بالمُنى،وقدْ جئتكَ عاشقاً محمَّلاً بسِلالِ الثمارِ في غيرِ فصولها وقدْ قطفتها منْ شجر في الخيال:
العناقيدُ إذ تترنَّحُ سكرى،وأحبُّ العنب،العراجينُ إذْ تتمايلُ ملأى،وتحبُّ الرُّطَب،نهزُّ معاً جذعَ الحنايا،ودمي في الصَّدر قمرٌ في الوجيب،يستعيدُ خفْقَ الحياةِ في النبضةِ العارفة،إنِّي وإيَّاكَ،يا دمي،في الصحوِ العميقِ منَ الحياة التي ليسَ لي غيرها هنا أوْ هنالك فيما وراءَ المدى…