بقلم: إبتسام بلبل
تشهد أسعار الشقق السكنية التي تعرضها مؤسسات الترقية العقارية الناشطة في السوق الحر ارتفاعًا جنونيًا غير مبرر عبر ولايات الوطن، على غرار ما يقع في عنابة، ويُجهل إجمالًا مرجع تسعيرها.
ويلجأ مرقّون عقاريون إلى بيع الشقق على التصاميم، ويشترطون تقديم تسبيقات مالية على مراحل قبل الحصول على السكن بعد الانتهاء من الأشغال النهائية، وتتجاوز هذه الأسعار القدرة الشرائية للمواطن الذي يسعى إلى الحصول على سكن لائق، وهو حق مكفول دستوريًا، وسط هذه الفوضى التي يقودها جشع العديد من المرقّين العقاريين الذين يحددون أسعارًا خيالية لشقق عادية لا تكلفهم أكثر من 700 مليون سنتيم، ويبيعونها بأكثر من مليار و800 مليون سنتيم – حسب ما تحققت منه “الصريح” وأكده أحد المشرفين على أشغال إحدى الترقيات العقارية في منطقة سيدي عيسى بعنابة – ما مكنهم من تحقيق أرباح خيالية دون التصريح بها لدى مصالح الضرائب.
ووفق ما وقفت عليه “الصريح”، فمن بين العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار الشقق السكنية، على غرار ارتفاع مواد البناء، التصريح المزيف للمرقي العقاري باتفاق مع المشتري لدى الموثق أثناء الاكتتاب، حيث يتم تدوين قيمة مالية منخفضة في العقد عن القيمة المتفق عليها لتخفيض قيمة الضرائب، في ظل غياب الرقابة على هذه العمليات. فعلى سبيل المثال، وحسب ما تحققت منه “الصريح”، صرّح أحد المرقين العقاريين بمنطقة سيدي إبراهيم بأن قيمة شقة من 3 غرف تتربع على مساحة 117 مترًا مربعًا بمنطقة سيدي إبراهيم تُقدّر قيمتها بمليار و200 مليون سنتيم، في حين اتفق مع المشتري على تسديد مبلغ مليار و600 مليون سنتيم.
وإلى ذلك، وصل سعر المتر المربع الواحد لشقة في كورنيش مدينة عنابة أو على المناطق المطلة على الميناء إلى 30 مليون سنتيم، ويتجاوز السعر في ترقيات عقارية بسيدي عيسى أكثر من 18 مليون سنتيم، وفي “بوقنطاس” يتراوح ما بين 12 و14 مليون سنتيم، وتتبين الأسعار حسب المنطقة وعدد الغرف ومساحة الشقة. فقد وصل سعر شقة من نوع F3 إلى أكثر من 3 ملايير سنتيم في المناطق التي تُصنَّف على أنها إستراتيجية كوسط المدينة أو على “كورنيش” المدينة، ووصل سعر شقة من نوع F2 تتربع على مساحة 55 مترًا مربعًا وغير مكتملة في منطقة سيدي عيسى إلى 900 مليون سنتيم، ويبلغ سعر شقة غير مكتملة من نوع F3 أكثر من مليار و800 مليون سنتيم، في حين يتم بيعها مكتملة بأكثر من 2 مليار سنتيم.
وفي منطقة سيدي إبراهيم، وصل سعر شقة من نوع F3 تتربع على مساحة 87 مترًا مربعًا إلى مليار و400 مليون سنتيم دون استكمال تجهيز المطبخ أو وضع أجهزة التدفئة المركزية. وفي منطقة الشابية، يتراوح سعر شقة من نوع F3 تتربع على مساحة حوالي 90 مترًا مربعًا ما بين 900 مليون ومليار و100 مليون سنتيم، وفي البوني وصل سعر شقة من نوع F3 إلى مليار و200 مليون سنتيم. علمًا أنه تُجهل المرجعية التي يعتمد عليها المرقّون العقاريون لتحديد أسعار الشقق في الترقيات العقارية، التي شُيِّد بعضها على أنقاض “فيلات” كولونيالية، لا سيما وسط المدينة، والغريب أن مسؤولين نافذين سابقين في عنابة، أغلبيتهم الساحقة استفادوا من شقق في بعض تلك الترقيات، ومنهم أحد الولاة الفاسدين المتواجد في السجن والذي استفاد من أكثر من شقة في أكثر من ترقية عقارية. وصدق رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، عندما قال إن “الخير والي والشر والي”.
من جهة أخرى، وجّه نائب بالمجلس الشعبي الوطني مراسلة إلى الوزير الأول يطالبه فيها بتفعيل جهاز وطني أو رقمي لمتابعة تطور أسعار العقارات وتوفير مرجعية سعرية رسمية تساعد المواطنين على التقييم العادل.
ووفق المراسلة المؤرخة في ماي الجاري، التي اطّلعت عليها “الصريح”، أوضح النائب أن “سوق العقارات في الجزائر يشهد فوضى هيكلية انعكست على أسعار السكنات بشكل جنوني لا يتماشى مع القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، حيث يتم عرض شقق من ثلاث غرف بأثمان تتجاوز ثلاثة أو أربعة ملايير سنتيم في بعض المناطق، في وقت تُصنَّف فيه هذه الأسعار من بين الأعلى مقارنةً بالدخل الفردي”، وعزى النائب هذا الارتفاع الذي وصفه بـ”غير المبرر” إلى هيمنة الوسطاء غير المعتمدين على المعاملات العقارية، ما جعل السوق رهينة للمضاربة بدل أن يكون مجالًا منظمًا يوفر السكن في متناول المواطنين، مشيرًا إلى أن “غياب الأطر الرقابية أدى إلى تفشي ممارسات مشبوهة كتوظيف العقار كغطاء لتبييض الأموال، إلى جانب التهرب من الضرائب والرسوم القانونية، بالنظر إلى أن عمليات البيع والشراء تتم غالبًا خارج القنوات الرسمية المعتمدة”، و”أن الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء، وتراجع وتيرة بعض المشاريع العقارية في السنوات الأخيرة، زاد من اختلال التوازن بين العرض والطلب، مما أفرز مشهدًا عقاريًا غير مستقر، وعمّق أزمة السكن بالنسبة للطبقة المتوسطة والفئات الهشة”.
وأمام هذا الارتفاع اللافت في أسعار السكنات، دعا النائب عن ولاية المدية إلى الكشف عن “الآليات التي تعتزم الحكومة اعتمادها لكبح جماح الأسعار وضمان توازنها مع القدرة الشرائية للمواطنين، وضبط السوق العقارية، ومنع المضاربة غير المشروعة التي تساهم في رفع الأسعار”، كما تساءل عن “الإجراءات التي تنوي اتخاذها للحد من تأثير الوسطاء غير المعتمدين الذين يسيطرون على جزء كبير من عمليات البيع والشراء، ومدى فعالية الرقابة الجبائية الحالية في تتبّع المعاملات العقارية وكشف الأسعار الحقيقية للسكنات”.