بقلم: خميسي غانم
بموقف لا يحتمل اللبس والتأويل، عبّرت جبهة “البوليساريو” عن رفضها القاطع لمسودة مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الشعب الصحراوي الصامد والمتمسك بحقه في تقرير المصير الذي لا يسقط بالتقادم.
وأكدت جبهة “البوليساريو” في ردها على هذه المسودة أن مقاربة مشروع القرار الأمريكي مفصولة عن الواقع، ما دامت تضع إطاراً مسبقاً للمفاوضات وتحصره في زاوية الحكم الذاتي الذي يقيد الحق المشروع في تقرير المصير، وهو ما لا يراعيه مشروع القرار الأمريكي الذي يسعى إلى تحقيق نتيجة مسبقة بفرض حلول يراد تمريرها بالقوة، خارج إرادة الصحراويين الذين عبّروا عن موقفهم بصراحة بعد أن خرجوا في مظاهرات عبّروا فيها من جديد عن موقفهم الرافض بشدة لكل مقاربة تقيد حقهم في تقرير المصير، وفق لوائح وقرارات الأمم المتحدة التي ما فتئت تدعو إلى تمكين الشعب الصحراوي المضطهد من قبل الاحتلال المغربي الغاشم، الذي يحاول تعنيف وإسكات أصوات الصحراويين الأحرار التي تتصاعد في كل مرة للمطالبة بحق تقرير المصير.
وكثيراً ما ترد عليها قوات وأجهزة أمن المخزن بالعنف والترهيب والتعذيب من قبل الجلادين، في انتهاك صارخ لأدنى حقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في الرأي والحق في التعبير. كما يعتمد نظام المخزن في كل مرة على الإسراع في غلق كل أبواب النقاش الحر الذي يثير قضية تقرير المصير في الصحراء الغربية، رغم التحرك المتواصل والمستمر للمنظمات الحقوقية الدولية التي نظمت أكثر من مرة وقفات وقدمت عرائض تطالب بتنظيم استفتاء حر وشفاف للشعب الصحراوي ليقرر مصيره بنفسه، وهو الحل الأمثل لملف الصراع في الصحراء الغربية ما دام يأخذ في المقاربة احترام إرادة الشعب الصحراوي في اختيار مصيره بنفسه وبكامل الحرية، وهو مطلب مطابق للأعراف والقوانين الدولية.
خاصة أن جبهة “البوليساريو” ممثل الشعب الصحراوي أكدت في كل مرة ومناسبة أنها على استعداد تام وبكل شجاعة لاحترام إرادة الصحراويين ونتائج الاستفتاء، وآخرها البيان الصادر عن الجبهة.
وفي السياق، ترى الأستاذة والأكاديمية إيناس نجلاوي أن سحر المغرب في الصحراء الغربية يمكن أن ينقلب عليه، باعتبار أن مقترح الحكم الذاتي مقترح فرنسي بالأساس، لم يتبنه المغرب كحل للنزاع في الصحراء الغربية إلا سنة 2007، ويراد ـ حسب الأستاذة نجلاوي ـ أن يطبق هذا الحل اليوم بالقوة، بعد أن دخل على الخط ما يسمى، حسبها، “حمامة السلام” ورجل الأعمال “ترامب” الذي لا يعنيه إلا تحقيق المكاسب وضمان المغانم ولو على حساب حق الشعوب.
وما شجعه على ذلك وجود دولة اسمها المغرب “تتناسل على الدوام ولا تتمنع أبداً”، وهنا لا تجد واشنطن وحتى فرنسا حرجاً في تبني موقف المخزن المغربي الذي يقوم على سياسة البلطجة و”وضع اليد” مقابل صفقات الاستثمار في المناطق المتنازع عليها.
وهنا تتساءل الأستاذة إيناس حول إمكانية أن تنقلب خطة الحكم الذاتي على صاحبها المتمسك بها، وبالتالي ينقلب السحر على الساحر. فقراءة المشهد تقول إن خطة الحكم الذاتي، التي تقتضي دخول البوليساريو كشريك في “الغلة” وانتزاع صلاحيات واسعة لتدبير شؤون إقليم الصحراء الغربية، بما في ذلك انتخاب حاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الإقليم واستقلاليته الذاتية، قد لا ينال منها المغرب إلا “الصداع المزمن”، خاصة أن جبهة البوليساريو ومن خلفها الشعب الصحراوي المقاوم يميلان كل الميل إلى الجزائر التي طالما ساندت الحق ودافعت عن مبدأ تصفية الاستعمار في القارة الإفريقية على مدى عقود، ورفعت هذا الصوت عالياً في كل المحافل الدولية، ولم تتأخر يوماً في الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال على مدار عقود كاملة.
كما ترى أن «الاستعمار الجديد» الذي قلب الشرق الأوسط رأساً على عقب من أجل التفكيك وإعادة البناء، لم يغب عنه شمال إفريقيا، وله في أجندة المؤامرات على الصحراء الغربية وشعبها نصيب، وقد تكون خطة الحكم الذاتي واحدة من الأساليب القذرة التي ينتهجها من أجل «سايكس بيكو 2» يُطبخ في الخفاء بشمال إفريقيا إن لم تنتبه الدول الحرة، شعوباً وحكومات، لهذه المؤامرة الدنيئة المراد بها التشجيع على الانفصال.
وقد يكون أول من يتجرع مرارتها النظام المغربي، ويصبح من حق الريف المطالبة على الأقل بالحكم الذاتي بدعم من جهات أجنبية، مما يضع إدارة نظام المخزن أمام خيار بديل وحيد لتجنب انشطارات هذه القنبلة. والمؤكد أن ذلك لن يتحقق إلا بتمكين الشعب الصحراوي من حقه في الحرية والاستقلال، وحقه في تقرير مصيره بنفسه
