شهدت ولاية عنابة خلال الأسبوع الماضي جرائم قتل مروعة، أثارت حالة من الذعر والاستياء بين السكان، وسط تساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة الخطيرة.
ويرى العديد من المختصين أن تزايد العنف في الأحياء الشعبية يعود إلى عوامل متشابكة ستدعي تكاتف مختلف الجهات المعنية لمحاربتها، وقد أصبحت المخدرات والمهلوسات منتشرة بشكل واسع بين أوساط الشباب، حيث تحولت إلى جزء من ثقافة بعض الفئات التي تتفاخر بمدى استهلاكها، غير مدركة العواقب الوخيمة التي تنجر عنها، ويؤكد مختصون أن تعاطي هذه المواد يؤدي إلى اضطرابات سلوكية حادة، تدفع إلى ارتكاب الجرائم دون وعي أو إدراك للعواقب.
كما يعيش الكثير من الشباب في عنابة تحت وطأة قلة فرص التشغيل، مما يجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل العصابات الإجرامية أو الانخراط في أنشطة غير قانونية بحثًا عن مصدر رزق سريع، فنقص فرص العمل الكافية يدفع بعضهم إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات أو كسب النفوذ في الأحياء الشعبية، كما تعاني العديد من الأحياء في عنابة من غياب المساحات الترفيهية والمرافق الثقافية، ما يجعل الشباب يجدون أنفسهم محاصرون بين جدران الإسمنت أو الشوارع الضيقة، حيث تنتشر الآفات الاجتماعية، في ظل انعدام البدائل مثل الملاعب الجوارية، الجمعيات الثقافية، ودور السينما، تتحول الشوارع إلى مسرح مفتوح للعنف.
الخطاب الديني وغياب القدوة
فرغم دور المساجد في توعية الشباب، إلا أن بعض الخطابات الدينية لا تزال بعيدة عن معالجة المشاكل الواقعية التي تواجههم، كما أن غياب القدوة في الأحياء أدى إلى انتشار ثقافة التمرد، حيث أصبح كل من يحاول توجيه الشباب يُتهم بأنه “كهل لا يفهم العصر”، ما يعزز الفوضى الفكرية والاجتماعية، كما أن السجن لم يعد العقاب الذي يشكل حاجزًا أمام ارتكاب الجرائم، بل تحول في بعض الأوساط إلى “إنجاز” يتفاخر به بعض الشباب، يتناقلون قصصهم داخله وكأنها بطولات.
وإلى ذلك، تبقى مسؤولية الأولياء والمجتمع ضرورية في مراقبة سلوكيات الشباب وتوعيتهم، لا سيما وأن مرحلة المراهقة من المراحل الحساسة، وفق مختصين، إذ تحتاج إلى متابعة دقيقة، رغم أن مصالح الأمن تبذل مجهودات ميدانية وعملياتية لمحاربة الجريمة في الوسط الحضري بكل أشكالها، لا سيما ما تعلق بحماية الأشخاص والممتلكات لبسط الأمن والطمأنينة، ومجابهة ظاهرة الاعتداءات والتصدي لحاملي الأسلحة المحظورة داخل الأحياء السكنية، بتسخيرها كافة الطاقات البشرية والإمكانات المادية لمحاربتها والسهر على تطبيق القوانين بصرامة.
دعوات إلى التحرك العاجل
وفي ظل هذه الأوضاع، يطالب المواطنون في عنابة بضرورة اتخاذ تدابير عاجلة للحد من تفشي الجريمة، بدءا من تشديد الرقابة على تجارة المخدرات، إلى توفير فرص عمل للشباب، وتعزيز التغطية الأمنية في المناطق الساخنة، كما أن إعادة إحياء الفضاءات الثقافية والرياضية قد يكون حلاً فعالاً لامتصاص طاقة الشباب وتوجيهها نحو أنشطة إيجابية في انتظار حلول ملموسة.
لمين موساوي