توسع تعاطي المخدرات يدق ناقوس الخطر بالولاية.. أطفال ضحايا لعصابات “ليريكا” بعنابة

بقلم: خولة مجاني

أكدت رئيسة الأطباء بمصلحة معالجة الإدمان بمستشفى الرازي بعنابة، الحكيمة حنان حسين، لـ”الصريح” أن ظاهرة الإدمان في الولاية باتت أكثر تفشيًا مقارنة بالسنوات السابقة، مشيرةً إلى أن الإدمان كان موجودًا منذ زمن، لكنه غالبًا ما كان مخفيًا بسبب الوصمة الاجتماعية المحيطة به.

وأضافت المتحدثة أن انتشار ثقافة العلاج وزيادة عدد مراكز ومصالح معالجة الإدمان، إلى جانب وعي المجتمع بأهمية الحلول الطبية والنفسية، ساهم بشكل كبير في الكشف عن هذه الظاهرة. وأشارت إلى أن الإقبال على العلاج يتزايد من سنة إلى أخرى، وهو ما يعكس تحوّلًا إيجابيًا في طريقة تعامل المجتمع مع المدمنين، الذين لم يعودوا يُنظر إليهم كمذنبين، وإنما كمحتاجين للرعاية والدعم.

أرقام صادمة تكشف حجم الظاهرة

تعكس الأرقام حجم التحديات التي تواجهها ولاية عنابة في مجال مكافحة الإدمان، فقد استقبلت مصلحة معالجة الإدمان خلال شهر أكتوبر المنصرم 431 حالة جديدة، بينما بلغ العدد الإجمالي خلال الثلاثي الثاني من سنة 2025 نحو 916 مريضًا، من بينهم 890 رجلًا واثنان فقط دون سن الخامسة عشرة.

وأوضحت الطبيبة أن الفئة الأكثر تضررًا تقع بين 16 و35 سنة، وتشمل 425 عاملًا و89 طالبًا و402 شخص بلا عمل، من بينهم بعض المروجين للمخدرات.

أما أكثر المواد المستهلكة، فقد سجلت الأرقام:

  • 769 حالة للقنب الهندي،
  • 715 حالة لليريكا،
  • 261 حالة للكوكايين،
  • 320 حالة للإكستازي،
  • 299 حالة للترامادول،
  • 225 حالة للكحول،
  • و379 حالة لمؤثرات عقلية أخرى.

وتُظهر هذه الإحصاءات زيادة مستمرة في الإقبال على العلاج، مع توسّع مقلق لانتشار المواد المخدّرة بين الشباب.

تعاطي الشباب بين سن مبكرة وخطر المواد المخدّرة

أشارت الطبيبة إلى انخفاض سنّ بداية الإدمان بشكل كبير، إذ أصبح بعض المراهقين يتعاطون المخدرات منذ سن 11 أو 12 عامًا، في حين كان سنّ البداية سابقًا يقتصر على 17 أو 18 سنة.

وأوضحت أن طبيعة المواد المستهلكة تغيّرت أيضًا؛ فبدلًا من البدء بالتبغ أو الكيف كما كان شائعًا، صار العديد من المدمنين يبدأون مباشرةً بتعاطي مواد خطيرة مثل البريغابالين والترامادول.

وأكدت أن الظاهرة لم تعد حكرًا على طبقات معينة، فحتى المواد التي كانت في السابق مقتصرة على الأغنياء مثل الكوكايين، أصبحت اليوم متاحة في الأحياء الشعبية، حيث يُستهدف المراهقون ويُغرَى بعضهم بالمخدرات مجانًا قبل أن يتحولوا إلى مروّجين.

الفئات الاجتماعية المتضرّرة ضحايا الصدمات والأزمات

لفتت الطبيبة إلى أن المدمنين يشملون مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية، فهناك تلاميذ ما زالوا في مقاعد الدراسة، وشباب بدون عمل، وآباء في الثلاثينات والأربعينات من العمر خسروا أسرهم وأموالهم بسبب الإدمان.

وأضافت أن بعض الحالات تأتي نتيجة صدمات اجتماعية كـالطلاق أو فقدان السيطرة على الحياة اليومية، فيما يفيق البعض بعد فوات الأوان عندما يدركون أنهم لم يعودوا قدوةً لأبنائهم، وهو ما يزيد من الضغط النفسي والاجتماعي على الفرد.

رحلة العلاج من الفحص إلى التدرّج في التعافي

يبدأ العلاج في المركز الوسيط ببوخضرة، حيث يُستقبل المريض من قبل فريق طبي متكامل يضم ممرضين وأطباء مختصين في علاج الإدمان، وأخصائيين نفسيين، وأطباء أعصاب عند الضرورة.

ويخضع المريض لفحوصات دقيقة وتحاليل لتقييم تأثير المخدرات على صحته الجسدية والنفسية، ثم يُوضع له برنامج علاج فردي يعتمد على التدرّج المرحلي.

وتوضح الطبيبة أن المرحلة التحضيرية تركز على ثلاث نقاط رئيسية:

  1. التحكم في الرغبة،
  2. تقليل خطورة الاستعمال،
  3. خفض الجرعات تدريجيًا.

كما يُدرّب المريض على تقنيات مقاومة الانتكاس وإدارة الرغبات، مع الإشارة إلى أن بعض المرضى يُعالجون دون الإقامة في المستشفى، بينما يُبرمج آخرون للإقامة حسب حالتهم وعدد الأسرّة المتاحة، والتي تبلغ 16 سريرًا مخصصًا للرجال حاليًا.

تنسيق متواصل بين العدالة ومراكز العلاج

أوضحت الطبيبة أن التنسيق بين المصلحة ومؤسسات العدالة يتم بشكل مستمر لضمان علاج المدمنين المتابعين قضائيًا داخل المؤسسات العقابية.

فقد تم تدريب الأطباء والأخصائيين النفسيين داخل السجون خصيصًا للتعامل مع هذه الحالات، مما يسمح للمدمنين بإكمال فترة عقوبتهم مع تلقي العلاج اللازم، وخروج البعض منهم متعافين.

وأكدت أن الدعم الطبي مستمر خلال الليل وعطلات نهاية الأسبوع لضمان عدم تدهور حالة هؤلاء المرضى.

القافلة التحسيسية تكسر حاجز الصمت حول الإدمان

تعمل المصلحة بشكل وثيق مع الطب المدرسي لتوعية التلاميذ بمخاطر الإدمان، حيث تنظم حملات تحسيسية في المدارس والمتوسطات والثانويات.

كما شهدت القافلة الوطنية للتحسيس من مخاطر المخدرات والمؤثرات العقلية في الوسط المدرسي نجاحًا لافتًا منذ انطلاقها بعنابة، حيث لاقت تجاوبًا واسعًا من طرف التلاميذ وأوليائهم الذين ثمّنوا مضمون الأنشطة والعروض التوعوية.

وأكدت الحكيمة حنان حسين أن النتائج الأولية للحملة كانت مشجعة جدًا، إذ ساهمت في رفع الوعي بخطورة هذه الآفة وتشجيع عدد من المراهقين على التحدث بصراحة عن تجاربهم وطلب المساعدة.

كما أشارت إلى أن التفاعل الكبير الذي شهده الوسط المدرسي يعكس نجاح المقاربة الميدانية التي جمعت بين التوعية الطبية والدينية والنفسية، ما جعل القافلة تحقق أهدافها في زرع ثقافة الوقاية ومواجهة الإدمان بوعي جماعي.

وسيتم تدريب مشرفي التوجيه ابتداءً من 19 نوفمبر لتمكينهم من مرافقة الطلاب نفسيًا، ورصد حالات الخطر المبكر، خصوصًا لدى الفئات الهشة التي تعاني من مشاكل أسرية أو ضعف في الأداء الدراسي، وتهدف هذه الخطة الوقائية إلى تقليل حالات الانحراف وتعزيز الوعي لدى الشباب حتى عام 2026.

برامج لمواجهة الإدمان

تنفذ المصلحة برامج سنوية لتحسيس الشباب بمخاطر الإدمان، حيث تم تخصيص العام الماضي للحديث عن الإدمان على الشاشات الإلكترونية، بينما يركز البرنامج الحالي على المخدرات.

وتشمل هذه البرامج مسابقات دينية وثقافية بالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية لتعزيز القيم الإيجابية لدى الطلاب، خاصة خلال شهر رمضان، بهدف حماية الشباب من الانحراف وإعطائهم القدوة المناسبة.

إعادة الإدماج… طريق ما بعد العلاج

تختلف صعوبة إعادة إدماج المدمنين في المجتمع بحسب البيئة المحيطة والدعم الاجتماعي المتاح.

فبعض المرضى يمتلكون أسرًا متفهّمة تساعدهم على التثبيت بعد العلاج، بينما يواجه آخرون بيئة صعبة في الأحياء الشعبية تدفعهم إلى الانتكاس مجددًا.

ومن هنا، تسعى المصلحة إلى احتضان هؤلاء عبر النشاطات الثقافية والرياضية، وتوفير فرص التدريب المهني والاجتماعي لدعمهم في العودة إلى المجتمع.

مشاريع مستقبلية وتوسيع الشبكة العلاجية

تسعى المصلحة إلى توسيع شبكتها العلاجية لتشمل القطاعات التعليمية والجامعية المختلفة، مع دعم المركز الوسيط في بوخضرة ليصبح أكثر فاعلية.

كما يجري التنسيق مع مفتشية العمل لمرافقة العمال وتحسيسهم بأهمية طلب المساعدة عند الحاجة، بالإضافة إلى تجهيز جناح نسائي لاستقبال المتعافيات، ما سيسمح بالاهتمام بالنساء اللواتي يعانين من الإدمان بشكل خاص وتقديم الرعاية المناسبة لهن.

برنامج وطني لعلاج الإدمان على المواد الأفيونية

أشارت الطبيبة إلى البرنامج الوطني لعلاج الإدمان على المستخلصات الأفيونية والهيروين، الذي أطلقته وزارة الصحة سنة 2022 وينفَّذ حاليًا في عدة ولايات، منها عنابة.

ويتم منح المرضى جرعات علاجية تحت إشراف طبيب مختص لمدة عامين، وقد تم علاج 55 مريضًا من بينهم من كانوا داخل السجون، وشهدت العملية نجاحًا كبيرًا.

كما تم تدريب أطباء من ولايات أخرى على كيفية إعطاء الدواء ومتابعة المرضى لضمان الالتزام بالعلاج وتحقيق نتائج إيجابية.

شهادة أحد المتعافين من الإدمان: “سبع سنوات من الضياع انتهت ببداية جديدة”

يروي أحد المتعالجين بمصلحة علاج الإدمان بمستشفى الرازي، يبلغ من العمر 24 سنة، تفاصيل رحلته الطويلة مع المخدرات التي بدأت منذ أن كان في الـ17 من عمره.

ويقول إنه بدأ بتعاطي الكيف لمدة عام كامل عندما كان في المرحلة الثانوية، ثم انتقل بعدها إلى مادة “ليريكا” (بريغابالين) التي صار يتعاطاها يومًا بعد يوم، قبل أن يجرب مادة الكيتين.

ومع مرور الوقت، لم تعد تلك المواد تحدث أي مفعول، فبدأ يخلط بين أنواع مختلفة حتى وصل إلى تعاطي أربع مواد في اليوم الواحد بشراهة.

ويؤكد أن المحيط كان السبب الرئيسي في انزلاقه نحو الإدمان، قائلاً إنه نشأ في بيئة نظيفة وكان يدرس في مدرسة خاصة، وكانت حياته اليومية تقتصر على الذهاب من البيت إلى المدرسة والعكس، غير أن الأمور تغيّرت بعد حصوله على شهادة التعليم المتوسط وانتقاله إلى الثانوية، حيث تعرّف على أصدقاء جدد وقضى معظم وقته في الشارع، وهناك كانت بداية انحداره نحو طريق المخدرات.

رحلته مع العلاج بدأت – كما يقول – منذ أكثر من عام ونصف، حين قرر أن يضع حدًا لهذا الطريق المظلم. حاول في البداية التوقف بمفرده وسافر إلى العاصمة للعلاج، حيث قضى ستة أشهر في أحد المراكز، لكنه بعد عودته انتكس من جديد وازداد تعاطيه لمواد مختلفة، من بينها الكوكايين والهيروين.

ويضيف أنه خلال تلك الفترة بدأت المشاكل تلاحقه، ووجد نفسه في مواجهة متكررة مع الشرطة، وكاد يُسجن بسبب تصرفاته. عندها، كما يقول، نظر إلى حال عائلته وإلى والده الذي أنهكته المتاعب، فقرر التوقف نهائيًا والعودة إلى نفسه.

يقول الشاب إنه التحق بعدها بمصلحة علاج الإدمان بمستشفى الرازي، حيث وجد الدعم الحقيقي والرعاية اللازمة، سواء من الجانب الطبي أو النفسي، والتزم بالعلاج بانتظام لأكثر من عام ونصف، وغيّر مجرى حياته كليًا، فابتعد عن أصدقاء السوء وركّز على عمله، والرياضة، والصلاة.

أدرك أن كل أمواله كانت تذهب في طريق لا يؤدي إلا إلى الدمار، وأنه لا ينتمي لذلك المحيط الذي سحبه إلى القاع.

ويختم حديثه قائلًا: “اليوم تغيّرت حياتي تمامًا، وأصبحت أرى نفسي إنسانًا آخر… بعد سبع سنوات من المعاناة، وجدت طريقي من جديد، بفضل الله ثم بفضل الأطباء والمختصين الذين وقفوا معنا وساندونا في رحلتنا نحو التعافي.

مقالات ذات صلة

أصحاب السيارات الصفراء “يرفضون” تدعيم خط ذراع الريش بـ20 سيارة أجرة

sarih_auteur

عودة التجارة الفوضوية في مدينة عنابة… الأرصفة تختنق من جديد

sarih_auteur

عنابة: مستشفى ابن رشد يتدعم بسكانير يعمل بالذكاء الاصطناعي

sarih_auteur