حاورته : إبتسام بلبل
قال الخبير الإقتصادي، حمزة بوغادي، أن قانون الاستثمار وباعتباره أحد أدوات المناخ الإقتصادي، لا يمكنه تحقيق نجاعة دون منظومة متكاملة تتعلق بالجباية العادلة، تحسين الخدمة العمومية، ومنظومة مالية متطورة تواكب الطرق الحديثة في التحويلات والمنتجات المالية على اختلاف أنواعها.
وأكد ضيف “الصريح” على ضرورة استغلال قانون الاستثمار في بيئة متكاملة على أن يشمل الإصلاح كافة القطاعات لضمان نجاحه في الميدان، متوقعا مساهمته في إحداث دفع قوي لمشاريع الاستثمار في بلادنا، في حال إنجاز المنشآت والهياكل القاعدية التي يمكنها خلق مناخ ملائم للمال والأعمال.
واعتبر بوغادي، أن التغيير في نموذج التسيير يقتضي التعامل مع الطرق العلمية والحديثة في التسيير وتبني الكفاءات وضخ موارد بشرية جديدة في تسيير العملية الاقتصادية على مستوى الأطر التشريعية في البرلمان أو في الوزارات المختلفة والمديريات ومختلف الهيئات الرسمية، وضمان التكوين الإطارات والأفراد لتسيير الاقتصاد جد مهم بالمعايير.
وشدد المتحدث، على ضرورة الإصرار في العمل بالمعايير في الاستثمارات العالمية وضرورة الإسراع في التجسيد لأن الوقت لم يعد في صالح الجزائر للخروج من الاقتصاد الذي يعتمد على النفط.
أولويات الاستثمار في المرحلة الحالية
أكد الخبير الاقتصادي، حمزة بوغادي، “أنه ينبغي أن تتوجه أولويات الاستثمار في المرحلة الحالية نحو ما يرتبط بالأمن الغذائي كالزراعة والصناعات التحويلية والقطاعات الإنتاجية”، وبرأيه “يجب ألا تكون الكلمة الأخيرة للإدارة وإنما للمستثمر، لأنه من سيتحدى الواقع ويغامر بماله ويقوم بعملية تثمين الموارد البشرية والمالية، ويكفي أن تقوم الإدارة بالمرافقة وتقديم التسهيلات كمنح القروض”.
وقال محدثنا، أن مستويات وفرص الاستثمار كبيرة وغير محدودة، خصوصا في ما تعلق بالاستثمار الأجنبي بالنظر للامتيازات الكبيرة التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد الذي سيكون دافعا لاستقطاب الرأس المال الأجنبي وضمان انسيابية تدفق الاستثمارات.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن من بين القطاعات التي يستوجب إعطائها الأولوية خاصة في السنوات الأولى هي قطاع الفلاحي الذي يراعي الزراعات الإستراتيجية في خضم أزمة الغذاء العالمية المتعاظمة بفعل سنتين من الوباء والأزمة الأوكرانية.
مشددا على ضرورة دعم المقدرات الاقتصادية بتفعيل الشراكة مع الأجانب أو المستثمر المحلي في إطار الإصلاحات المتعلقة بالعقار الفلاحي أو السياحي، وتطوير الخدمات في شق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لخلق نسيج اقتصادي متكامل يكفل التنوع الاقتصادي وتحقيق الانطلاقة الاقتصادية الفعلية، مؤكدا في السياق أن كافة المجالات تكتسي أهمية بالغة على اعتبار أن الفرص متعددة ومتنوعة.
تجاوز الحواجز البيروقراطية و”معرقلي” المشاريع
“ساهمت العراقيل والعقبات التي شكلتها الإدارة والبيروقراطية على مدى سنوات بالرغم من توفر السيولة والميزانيات والإمكانيات الكبيرة التي خصصتها الدولة لتطوير الاستثمار، من خلال منح قطع أراضي في إطار الامتياز للمستثمرين، القروض البنكية ووكالات الدعم المختلفة على غرار “أناد” أو “أونساج” سابقا و”أوندي” والتي التي كانت تساهم في حركية وخلق الاقتصاد في زيادة حدة فشل مشاريع الاستثمار”، حسب ضيف “الصريح”.
وتابع بوغادي بالقول: “لكن الآن عندما نتكلم عن مستقبل نتكلم عن ما الذي يستوجب فعله والذي يقتضي ضرورة إحداث إصلاحات جذرية والتطبيق الصارم للقانون والعمل بأكثر حزم وعدم التساهل في مثل هذه القضايا التي تعرقل العملية الاقتصادية، والذي من شأنه إعطاء وازع للعوامل المعرقلة والتي من شأنها لإعطاء نتائج ايجابية في الأشهر والسنوات المقبلة، منبها إلى أن المنظومة القانونية وحدها لا تكفي لإعطاء ديناميكية استثمارية قوية في البلاد، في غياب المنشآت والهياكل القاعدية التي يمكنها خلق مناخ ملائم للمال والأعمال”.
تحرير المشاريع المجمدة والمعطلة
أشار ضيف “الصريح” أن رئيس الجمهورية استبق عرض قانون الاستثمار برفع التجميد عن عدد من المشاريع الجاهزة العمومية والخاصة التي ظلت عالقة لأسباب مختلفة، وهو ما سيسمح بفتح آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، إذ تم رفع العراقيل عن أكثر من 861 مشروعا من إجمالي 915 مشروعا معطلا لأسباب مختلفة.
ووجه تبون حكومته في آخر اجتماع لمجلس الوزراء عقد مطلع الأسبوع الحالي، إلى استخلاص الدروس من عملية رفع التجميد عن المشاريع، من خلال حصر المشاكل والعراقيل التي تسببت في التجميد والتعطيل، تفاديا لتكرارها مستقبلا.
امتصاص الكتلة النقدية في السوق الموازية
قال الخبير الاقتصادي، حمزة بوغادي، إن قانون الاستثمار أداة قوية لتهيئة مناخ أعمال الاستثمارات أكثر ولاستقطاب المستثمرين المحليين والأجانب، وبرأيه، فإن القانون الجديد بإمكانه امتصاص الكتلة النقدية في السوق الموازية، التي تقدر وفق إحصاءات غير رسمية بـ60 مليار دولار، من خلال إعادة الثقة بين رجال المال ومختلف الأجهزة الاقتصادية في الدولة، وتشجيعهم على بعث مشاريع مربحة.
وأضاف أنه على الرغم من كل الفرص التي قد يخلقها التشريع الجديد فإن ذلك لا يعني أنه سيكون عصا سحرية لمعالجة كل الاختلالات، إذ الأجدر إصلاح المنظومة البنكية وقانون النقد والصرف وإعادة تفعيل التجارة الخارجية، بالإضافة إلى التجسيد الفعلي لمشروع الشباك الموحد ولا مادية إيداع الملفات، بمعنى أن تجري العملية في إطار رقمي بحت، كما هو منصوص عليه في مشروع القانون.
وأشار بوغادي، أن الاقتصاد الوطني عانى في السنوات السابقة من التضخم الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازي، مشيرا إلى أن هناك عدة حلول التي يمكن أن تعتمد عليها الحكومة لإعادة إدراج هذه الأموال في الأطر الرسمية.
واستطرد بالقول: “على سبيل المثال الصيرفة الإسلامية أو السندات التي يمكن أن تمنح المواطنين الثقة للاشتراك في العملية الاقتصادية، وتحفيزهم على الادخار، وإيداع أموالهم في البنوك بالاعتماد على الطرق الحديثة من خلال إطلاق حقيقي للبورصة لامتصاص الكتلة النقدية.
كما أكد الخبير الاستشاري، على ضرورة إدراج حوافز أخرى تتعلق أساسا بالعفو المالي والمحاسبة والضرائب، من خلال السماح للمواطن بادخار أمواله دون تطبيق غرامات جزافية ونسب اقتطاع والذي من شأنه تشجيع المواطن على التعامل بالعملية البنكية، إلى جانب تطوير الدفع الإلكتروني والذي من شأنه نشر ثقافة التعامل بالصكوك الالكترونية، والابتعاد عن التعاملات النقدية.
إضافة إلى التمويل الإسلامي بمختلف الصيغ الذي اعتبره ضيفنا دافعا لدفع الاستثمار في الجزائر بالنظر غلى طبيعة المجتمع الجزائري والخصوصيات الثقافية التي تمنعه من التعامل بالصيغ التقليدية التي تتعامل بالنظم الربوية.
التشريعات غير كافية لتحقيق تنمية اقتصادية
ذكر الخبير الاقتصادي، أن قانون الاستثمار لا يمكنه لوحده تحقيق تنمية اقتصادية، لأن التشريعات غير كافية وإنما هي جزء من التنمية الاقتصادية، والأهم من ذلك هو تهيئة مناخ معنوي للاستثمار من خلال إبعاد التسيير والمنطق الإداري المعرقل.
وأضاف أن أولويات الاستثمار في المرحلة الحالية ينبغي أن تتوجه نحو المشاريع المرتبطة بالأمن الغذائي كالزراعة والصناعات التحويلية والقطاعات الإنتاجية.
وبرأيه، يجب ألا تكون الكلمة الأخيرة للإدارة وإنما للمستثمر، لأنه من سيتحدى الواقع ويغامر بماله ويقوم بعملية تثمين الموارد البشرية والمالية، ويكفي أن تقوم الإدارة بالمرافقة وتقديم التسهيلات كمنح القروض، وأن تكون البنوك والمؤسسات المصرفية ملاذا حقيقيا للمستثمرين بفتح أبوابها ومنح مختلف التسهيلات.
تدارك أخطاء الماضي
نصح الخبير الاقتصادي، حمزة بوغادي، بتدارك أخطاء الماضي والابتعاد عن الممارسات القبلية والعمل بأكثر ذكاء خصوصا في جانب رقمنة القطاعات لضمان نجاعة التسيير مؤكدا أن الشفافية التكنولوجيا تضمن العمل بأريحية، ورفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية المجمدة التي هي تراكمية وجدت صعوبات قبل انطلاقها، وقال: ” إن الوصفة واضحة، يجب ألا يطغى التفكير الإداري على المناخ الاستثماري”.
وأضاف ضيفنا، “أن هناك تناقض بين القانون التجاري الحالي وعدم استقرار في أمور الاستيراد والتصدير”، مؤكدا على ضرورة وضع قانون الاستثمار في بيئة تشريعية مستقرة في مختلف القطاعات من بينها قانون النقد والقرض والعدالة الجبائية التي تعد العمود الفقري لكل الإصلاحات التي ينتظر منها نتائج ايجابية.
ولتدارك أخطاء الماضي، أكد حمزة بوغادي، على ضرورة استرجاع الثقة في مناخ الأعمال الجزائري المعلقة وهي المهمة المعلقة على المؤسسات والهيئات المسيرة للاقتصاد، والحكومة وكل الفاعلين الاقتصادين، من خلال توفير تعزيز الضمانات وهو ما أكد عليه مجلس الوزراء الأخير الذي أوصى بتعزيز الضمانات التي تكفل حرية المبادرة والاقتصاد والقضاء على البيروقراطية والعراقيل والممارسات السابقة وتجريم هذه الأفعال.
مؤكدا على ضرورة تطبيق القانون بصرامة للتقدم في هذا المسعى، كما أشار في ذات السياق إلى أن نجاعة تطبيق القوانين يمكن أن يمنح قانون الاستثمار نتائج فعلية في الستة الأشهر الأولى من تطبيقه.