يكاد يكون هناك إجماع على المستوى الوطني أن عنابة تصنف من بين الولايات الأكثر تضررا من الفساد في عهد العصابة، وهو زمن لا يمكن أن ينساه العنابيون أو أن يمحى من ذاكرتهم بفعل الانتهاكات والتعدي الفاضح، وفي العلن على الممتلكات الوطنية وأملاك الدولة من قبل ذوي النفوذ ، وبتواطؤ ممنهج من قبل السلطات المحلية حينها التي لم تجد حرجا ولا تأنيبا للضمير في تقديم ممتلكات الشعب إلى هؤلاء “ببلاش” وبإكراميات بغية التزلف والتقرب والحفاظ على المناصب والترقية، فقد سلمت سكنات و “فيلات” وفي أرقى الأحياء في أحسن الأحوال بأسعار رمزية بعيدة كل البعد عن أسعارها الحقيقية في سوق العقار ليعاد بيعها بأضعاف
كما وضعت محلات وبعضها تعود ملكيتها إلى مؤسسات عمومية تحت التصرف، ومنها ما يوجد في ساحة الثورة بمكالمات هاتفية ولا يعلم المواطن المغلوب على أمره إلى يومنا هذا من تنازل عنها ومن وكيف انتفع بها، وتم تفويت مصانع بأكملها توقفت عن الإنتاج وتم تسريح عمالها وحرم الاقتصاد الوطني من مردودها، كما حرم مئات البطالين بالولاية من حقهم في مناصب الشغل فيها، وأعيد بيعها بعد ذلك بأسعار خيالية وكانت منفذا للولوج إلى عالم جمع الثروة السهلة والربح السريع، وكذلك انتهك العقار ولم ينله إلا ذوو حظ عظيم وأقيمت له مزادات صورية.
ولا يستبعد أن التقليب والتحقيق في ملفات الوكالة العقارية في تلك الفترة سيكشف عجب العجاب، وهنا يقودنا الحديث إلى الاستثمار الذي من المؤسف لم يكن لهدف خلق الثروة ورفع الإنتاج وفتح مناصب الشغل بقدر ما كان مستحدثا لحساب إرضاء جهات، ولم يستثن مجالا إلا ومسه العفن بممارسات لمسؤولين ومستفيدين فوق وتحت الطاولة وأي فتح لملف “الكالبيراف” في تلك الفترة سيقود إلى نتائج تشيب لها الولدان.
والحقيقة أن الجزائر الجديدة ورثت إرثا ثقيلا من تلك الفترة وهي تسعى اليوم جاهدة لمسح آثارها لإضفاء الشفافية في عملية إدارة أملاك الدولة ومحاربة كل أشكال التلاعب والفساد التي احتلت قبضتها عليها خلال السنوات السوداء من حكم العصابة، وتعد رقمنة المعاملات العقارية واحدة من ذلك الجهد المبذول اليوم والذي يهدف إلى فرض رقابة لصيقة على الأملاك العمومية حتى لا تتكرر ممارسات استغلال النفوذ والفساد التي عاشتها الجزائر في حقبة تحاول اليوم جبر أضرارها.