ألقى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، يوم الثلاثاء بقصر الأمم بنادي الصنوبر (الجزائر العاصمة), خطابا في افتتاح لقاء الحكومة – الولاة, فيما يلي نصه الكامل :
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
– السيد رئيس مجلس الأمة،
– السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني،
– السيد الوزير الأول،
– السيد رئيس المحكمة الدستورية،
– السيدات والسادة أعضاء الحكومة،
– السيدات، السادة الولاة،
– السيدات والسادة الحضور.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يسعدني أن أشارككم افتتاح اجتماع الحكومة مع الولاة، مبديا بالغ الحرص على أن تجعلوا مـن هذا الاجتماع الهام فرصة للتكفل
– في أفضل الأجواء – بمتطلبات التنمية المحلية المستدامة بما فيها النشاط الاقتصادي المحلي بتنوعه وثرائه وأن تفضي نتائج أشغالكم إلى تعزيز المكاسب المحققة في إطار جهود الدولة لترقية الحياة الاجتماعية والرفع من مستوى المعيشة وتحسين إطار العيش الكريم، خاصة في المناطق الأكثر عزلة.
وإذا كنا اليوم قد تمكنا – والحمد لله – من إرساء معالم جديدة للحوكمة المحلية، قائمة على إشراك المواطنين وعلى الإنصاف التنموي وعلى الصرامة في تسيير المال العام، فإننا مدعوون لمواصلة العمل من أجل تكريس أنماط التسيير الحديثة في الأذهان وفي الممارسات، وكما تعلمون بادرت – قبل أسابيع قليلة – انطلاقا من درايتي بالعراقيل التي تعرفها الجماعات المحلية والتحديات التي عليها مواجهتها بما يتوافق وتطلعات مجتمعنا، بتنصيب لجنة خبراء وأسندت لها مهمة إعداد مشروعي قانوني البلدية والولاية على نحو يقضي على مختلف العوائق ويجعل من هاتين الجماعتين ركيزة المنظومة المؤسساتية وأداة فعالة للتنمية المحلية، حيث تم في هذا الصدد العمل على رفع كافة العراقيل.
كما تم التأكيد على مبدأ دعم ومرافقة الدولة للبلديات المتواجدة في وضعية مالية صعبة من خلال تأسيس إمكانية تقديم الدولة مساهمات لهذه البلديات.
في نفس السياق ونظرا لاختلاف طبيعة البلديات وتعدد وضعياتها التنموية وبالتالي ضرورة تكييف القواعد المطبقة عليها لأكثر فعالية، تم إدراج تصنيف البلديات بما يتلاءم مع واقعها (الحضري والريفي والتنموي).
من جهة أخرى، واعترافا بمكانة البلدية في المجال الاقتصادي والتنموي، تم إحداث وإعادة تفعيل آليات مختلفة تسمح للبلديات من تحفيز عجلة التنمية من خلال تأسيس المخطط البلدي التشاركي للتنمية، إمكانية اللجوء إلى الاقتراض، الشراكة بين القطاع العام والخاص…
في الأخير، وقصد تعزيز مركز ودور رئيس المجلس الشعبي الولائي، تم منحه صلاحية القرار والتنفيذ في بعض النفقات التي لها صلة مباشرة بحياة المواطنين وستكون هـذه الإصلاحات متبوعة بفتح ورشة إصلاح مكملة تمس الجباية المحلية.
ويندرج هذا المسعى في إطار تجسيد تعهداتنا لتمكين الجماعات المحلية من أرضية قانونية جديدة مرنة ومحررة للمبادرة، باعتبار أن الجماعات المحلية واجهة معبرة عن رعاية الدولة للشأن العام ومدعوة عبر هياكلها الخدماتية العمومية – في كل القطاعات – لتلبية حاجيات الساكنة وتوفير المحيط اللائق للعيش الكريم. وعلى ذكر العيش الكريم، أستذكر في هذا المقام أن هذه القاعة شاهدة على القرارات غير المسبوقة لإنهاء مظاهر البؤس والهشاشة والخروج بمناطق الظل إلى الشمس والضوء، حيث استفاد ما يفوق ستة (06) ملايين نسمة من برامج استدراك مستعجلة، ولا بد لي هنا أن أنبه إلى أن تلك القرارات لم تكن إلا مدخلا لمحاربة كل أشكال التخلف التي لا تليق بالجزائر، بلد الخير والثروات وبلد الشهداء والتضحيات.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إن مقاربة التنمية المنصفة ليست شعارا، بل هي استعداد مهني والتزام أخلاقي وإرادة مخلصة تدفع إلى تجسيد التوجهات الاستراتيجية للدولة، والتي ترجمنا بعدها اللامركزي بقرارات عديدة، في شتى القطاعات، ومنها – على سبيل المثال – استحداث ولايات جديدة وترقية دوائر لمقاطعات إدارية، ومنها التحضير لمراجعة التقسيم الإقليمي للبلاد، وفق رؤية مدمجة تراعي الخصوصيات المحلية، ستكون متبوعة بتحيين مدقق لجميع المخططات القطاعية وتكييفها مع متطلبات التنمية المحلية بمجرد الانتهاء من استكمال المخطط المحين لتهيئة الإقليم سنة 2025.
وفي هذا السياق، أنوه بالتقدم المحرز في استكمال البرامج التكميلية الأربع التي سمحت لولايات خنشلة، تيسمسيلت، الجلفة وتندوف بتدارك النقائص، وهي ذات المقاربة التي ستشمل ولايات أخرى.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إن ما ترصده الدولة من أموال معتبرة للجماعات المحلية يتيح للسيدات والسادة الولاة وبأريحية معالجة الملفات الحيوية المتعلقة بتحسين الإطار المعيشي للمواطن، لا سيما نظافة المحيط وسلامة البيئة الاجتماعية. وفي هذا المنحى، أحرص على التذكير بأهمية إعادة الاعتبار للوسط الحضري وتعجيل وتيرة عمليات تسوية وضعية البنايات غير المكتملة والاهتمام بالتهيئة الحضرية وإيلاء العناية اللازمة للطابع الجمالي لمدننا وتجهيز الأحياء العمرانية الجديدة بالمرافق الأساسية، لأن خدمة وراحة المواطن هو شغلنا الشاغل.
وأعتبر من هذه اللحظة أن الحكومة مدعوة إلى إعداد استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد، في غضون الثلاثة (03) أشهر القادمة، بإشراك الهيئات المعنية ومختلف الفاعلين، تعني بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتسمح بتحصين شبابنا من مخاطرها، وأطلب من جميع المسؤولين المحليين تكثيف التواصل مع الشباب والإصغاء إليهم ومشاركتهم في تصور الحلول لمشاكلهم، وتتاح لي الفرصة اليوم لأقول بأنه يتوجب استغلال مناطق النشاطات المصغرة الجاهزة على مستوى البلديات بمنحها للشباب من حاملي المشاريع وأصحاب المؤسسات المتوسطة والناشئة، على أن تنطلق العملية في أقرب الآجال ودون تعطيل.
السيدات الفضليات، السادة الافاضل،
سيبقى الإنعاش الاقتصادي رهانا أساسيا نسعى إلى كسبه بالاعتماد على ما تزخر به بلادنا من مقدرات، وعليه، يتعين على السيدات والسادة الولاة دعم الاستثمار المنتج مهما كان حجمه، حيث ينتظر منكم استكمال تطهير حافظة المشاريع الاستثمارية المندرجة ضمن المنظومة القانونية السابقة وتحسين العرض العقاري لفائدة الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار وتسريع وتيرة استرجاع العقار غير المستغل.
وفيما يخص القطاع الفلاحي، وفي الوقت الذي أعبر فيه عن ارتياحنا لما حققناه خلال المواسم الأخيرة في مستويات الإنتاج، أدعو إلى بذل المزيد من الجهد لتوفير المناخ المساعد لمهنيي القطاع، بالإسراع في عمليات تطهير العقار الفلاحي والرفع من نسب الربط بالكهرباء الريفية والبحث عن أفضل الطرق لتوفير المياه وتعزيز قدرات تخزين المنتجات وتحضيرها وفق المعايير المطلوبة للتسويق أو التصدير الفعلي والمحتمل في إطار ما نقوم به من مجهودات متواصلة لترقية صادراتنا.
أيتها السيدات، أيها السادة،
تكتسي المشاريع الهادفة لتعزيز أمننا المائي أهمية قصوى، وعليه فإنه يتعين تسليم محطات تحلية مياه البحر، في آجالها واتخاذ الإجراءات المكملة لوضعها حيز الخدمة في آفاق الصيف المقبل، كما أنه يتعين تذليل الصعوبات التي قد تواجه ورشات عصرنة شبكة النقل الوطنية وتوسيع خطوط السكك الحديدية وتلك التي قد تعترض مشاريع الاستغلال المنجمي جنوب غرب البلاد وشرقها.
ولا أنهي هذه الكلمة دون أن أجدد دعوتكم إلى تجند الوطنيين المخلصين لتثبيت مقومات الحوكمة وأسس الإدارة العمومية العصرية الخالية من إرث الرداءة والإجراءات البيروقراطية، إدارة عمومية عصرية يتجلى فيها وجه الجزائر المنتصرة وتعبر عن صورة الدولة الحديثة التي يتطلع إليها شعبنا الأبي.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار،
أعلن عن الافتتاح الرسمي لأشغالكم، متمنيا لكم التوفيق،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية