في قلب مدينة عنابة، وعلى الأرصفة الممتدة من ساحة الثورة إلى محطةالقطار، ومن جوار المساجد إلى أبواب المحلات، تتكرر مشاهد مؤلمة لأطفالحفاة، نساء حوامل، رجال جميعهم يمدّون الأيادي يوميا طلبا للصدقة.
وفي وقت يبدو فيه المشهد للوهلة الأولى إنسانيا بحتا، تكشف المعطيات أنالظاهرة لم تعد محصورة في حالات اجتماعية معزولة، بل تحوّلت إلى نشاطمنظّم تتخلله مافيا التسوّل، يُدرّ على بعض “المشرفين” أموالًا طائلة، بينمايبقى الضحايا الحقيقيون في دوامة التهميش.
وسط المدينة.. مساحة التسوّل المكشوف
لم تعد مدينة عنابة تلك التي كانت تُوصف بـ”جوهرة الشرق” تخلو منالمتسولين في شوارعها المركزية، حيث رصدت “الصريح” خلال 10 أيامميدانية أكثر من 65 متسولا في محيط محطة القطار وساحة الثورة، نساءيحملن أطفالًا يتمركزن أمام المخابز والمحلات ومراهقون يتخذون من عرباتالتسوق ستارا للتسوّل المتنقل، ورجل في الخمسينات يبكي أمام بنك البنكالمركزي ثم يغادر في سيارة فاخرة!
ورغم القوانين الصارمة، من بين أخطر ما تكشفه ظاهرة التسوّل بعنابة، هواستغلال القصر، أطفال لم يتجاوزوا 8 سنوات يتجوّلون حفاة ويطلبون المالومراهقون يُجبرون على التسوّل تحت التهديد من “أولياء أمر وهميين” وطفلةبعمر 10 سنوات صرّحت لقوات الشرطة أنها “تُجبر على التسوّل مقابل وجبةواحدة”، وفي السياق، تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 300 طفليتسوّلون في عنابة بصفة موسمية، وتزداد الأعداد في رمضان، فصلالصيف، والمواسم الدينية.
وحول الظاهرة قال أحد أصحاب المحلات وسط المدينة :“أصبح التسوّل هنانشاطًا يوميا..نفس الوجوه، نفس الأماكن، وحتى الزبائن صاروا يتفادونالدخول حين يتجمّع المتسولون على الأرصفة“.
التسوّل الاحترافي… دخل يومي يفوق 5000 دج
وخلال تحقيق ميداني لـ”الصريح”، تبين أن بعض المتسوّلين “المحترفين”يحققون دخلًا يتجاوز 4000 إلى 6000 دج يوميًا، في مواقع رئيسية مثلساحة الثورة وأحياء وسط المدينة أي ما يعادل أكثر من 120 ألف دج شهريا،أعلى من راتب موظف عمومي.
الأمن يتحرّك
قامت المصالح الأمنية بعنابة خلال الأشهر الأخيرة بعمليات تطهير استهدفتالمتسولين، خاصة في النقاط السوداء، وتم توقيف 6 متسولين “محترفين” فيأفريل 2025، تبين أن اثنين منهم يملكون سوابق في النصب واستغلالالقصر، وترحيل 43 مهاجرا غير شرعي، تورطوا في التسوّل ضمن شبكةغير شرعية، إلى جانب تحرير مخالفات ضد أشخاص يستعملون أطفالًا أومن ذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة احتيالية، دون صلة قرابة حقيقية، وأكدت مصادر”الصريح” أن “ليست كل الحالات فقرا فبعضهم ينشط ضمنمجموعات تستغل الطيبة الجزائريين”.
ومكنت عملية للشرطة سنة 2024 عن تفكيك شبكة تتكوّن من 9 مهاجرين غير شرعيين، 3 منهم نساء، يستخدمون الأطفال لجمع المال، قبل تحويله عبروسيط مالي.
وكشفت التحقيقات أن بعضهم كان يعمل ضمن شبكات تنشطبين الولايات تستخدم الأطفال والنساء في استدرار العاطفة.
لمين موساوي