إن تجديد الرئيس تبون وبعده الوزير الأول أيمن عبد الرحمان في اجتماع الحكومة بالولاة على ملف الاستثمار له ما يبرره وعساه يكون نابعا من إصرار السلطات العليا للبلاد على طي تجاوزات هذا الملف خلال حكم العصابة للبلاد والعباد، والتي حادت بهذا الملف عن مبتغاه وحولته إلى وكر يلتقي فيه أصحاب الفساد وناهبي أموال البنوك، وجعلته عنوانا للبيروقراطية حتى تحيد أصحاب المشاريع الحقيقيين، ولا يخفى على أحد العبث الذي أدار به الكثير من الولاة ملف الاستثمار على المستوى المحلي، بعد أن تحول هذا النموذج من الولاة الفاسدين أصحاب المصلحة العليا في قضايا الاستثمار على مستوى ولايتهم وتحولوا إلى الأمر الناهي، وانفردوا بالقرار وجعلوا المدراء التنفيذيين المعنيين واللجان المسيرة له مجرد واجهة ليس إلا، وتم حصر مهامهم في الموافقة والتوقيع، بل وصل الحال ببعض الولاة في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الجزائر إلى تولي توقيع رخص البناء بأنفسهم، ومن أراد أن يتأكد فليفتح هذا الملف الحارق بولاية عنابة، خاصة أيام تولي مهامها الوالي القابع في السجن محمد الغازي، فهذا الأخير وبدل أن يستثمر في ملف الاستثمار ليحول عنابة إلى قطب على المستوى الوطني خاصة في قطاع السياحة والصناعات التحويلية من أجل تنمية مستدامة خالقة للثروة ولمناصب الشغل، غير أنه ركن كل ذلك وفتح باب الاستثمار أمام الانتهازيين والمنتفعين والمتلهفين للثروة والثراء السريع، فأنهك عنابة وتحول هذا الملف الى مشكلة عوض أن يكون حلا، وداس على قواعد التعمير وقانون الساحل وأضر بالبيئة، فتنام في عهده الترقيات العقارية التي لم تخضع لأي منطق وشوهت النسيج العمراني والساحل العنابي وتعدت على التراث الثقافي، ولا يتوقف الأمر عند الترقيات العقارية بل تعدى إلى محطات البنزين التي تنامت كالفطر وبعضها بعث على بعد أمتار من الشواطيء، كما استغل هذا الملف في التنازل على الأملاك العمومية والتعدي على مؤسسات الدولة بشكل صارخ أمام مرأى ومسمع الجميع، والمؤكد أن فتح هذا الملف بعنابة سيؤدي إلى الكشف على العديد من الكوارث وسقوط العديد من الرؤوس، ونأمل أن يثمر مسعى الرئيس والحكومة في ملف الاستثمار اليوم بإعادة الأمور إلى نصابها والقضاء على ممارسات الماضي القريب، ويبنى هذا الملف على فلسفة حقيقية تقوم بالأساس على إنتاج الثروة وخلق مناصب الشغل لمواجهة التحديات الكبرى والدفع بعجلة التنمية وتحسين معيشة الجزائريين في إطار العدالة الاجتماعية.