سلاح غير تقليدي في “عصر النيو عولمة”.. الإعلام الحر  والمسؤول رهان تحقيق الأمن الإعلامي

 

  • التحديات الأمنية فرضت ضرورة بناء منظومة إعلامية دفاعية هجومية
  • الإعلام الحرّ والمسؤول صمام أمان وسلاح سحري لمواجهة التهديدات

 

الصريح_ ابتسام بلبل

 

حسمت الجزائر الجديدة أمرها في ظلِّ التحديات الأمنية والسياسية الدّاخلية، والعديد من التهديدات الخارجية التي تعتمد على الهجمات الإلكترونية من قبل أعدائها سرا وعلانية، مما فرض عليها بناء منظومة دفاعية هجومية جديدة، حفاظا على أمنها واستقرارها بغية تحقيق الأمن الإعلامي كسلاح غير تقليدي في “عصر النيو عولمة” أساسه الموازنة بين الحرية والمسؤولية.

 

  • الحرية الإعلامية المسؤولة تجنب الفوضى  وتحقق الأمن الإعلامي

 

ولعلّ أبرز خطوة يجب القيام بها لتحقيق الأمن الإعلامي في الجزائر، نظرا لما تقتضيه التحولات الكبرى التي تحدث في عالم اكتسحته عولمة لا ترحم من لا يُنتج أفكاراً، وأثرت بشكل كبير على وسائل الإعلام التي أضحى يديرها لوبيات المال والإعلام، وسط ضبابية المشهد الإعلامي الذي أضيفت إليه وسائط التواصل الاجتماعي، هي إمضاء وثيقة عهد بين وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة تضمن تعميق الدراسات الاستباقية وتطوير المحتوى الإعلامي بما يتماشى ومتطلبات الظرف الراهن وتحديات المستقبل، وبالتالي ضرورة الاستثمار في الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي ضمن إطار “الموازنة بين الحرية والمسؤولية في الإعلام” للحاق بركب المشهد الإعلامي الدولي، وإلغاء الفجوة الحاصلة بينه وبين المواطن، عبر تحقيق التواصل والحوار والنقاش من أجل توعية أمينة تخدم الوطن والشعب ضمن نطاق “حر ومسؤول”،

 

ليس “كل ما يعرف يقال ” في سبيل التنافس على السبق الصحفي خاصة في القضايا الوطنية الحساسة

وهي المسؤولية الملقاة على عاتق  أهل المهنة الذين ينبغي أن يدركوا أنّه ليس “كل ما يعرف يقال ” في سبيل التنافس على السبق الصحفي خاصة في القضايا الحساسة التي تؤدي إلى نشر الفزع والخوف، وإحداث الفتنة وتضرُّ بأمن البلاد، كما أنّ حرية نقل ونشر الأخبار ليست مفتوحة بشكل عام، بل هي مقيدة بمسؤولية حماية المكاسب التي بلغناها في مجال الإعلام وبالتالي الحفاظ على أمن المواطن والمجتمع والوطن بشكل خاص، حتى نعطي صورة جديدة لإعلامنا الوطني، ونؤسس لثقافة ما يعرف ب” كل حرٍّ مسؤول”.

 

كما يقع الشطر الثاني من المسؤولية على عاتق مؤسسات الدولة بقيادة وزارة الاتصال عبر هيئاتها المختلفة من خلال ضمان مواصلتها منح حرية أكبر لوسائل الإعلام الوطنية التي باشرتها قيادة الجزائر الجديدة، وفتح قنوات الاتصال مع وسائل الإعلام حسب قواعد استراتيجية إعلامية تكون مدروسة مسبقا وجب التفكير فيها قبل فوات الأوان.

 

الانضباط يجنب الحرية المفرطة التي تٌنج الوقوع في عدم المسؤولية

 

ولأن أول الغيث قطرة، فقد شرعت السلطات الوطنية في تنظيم الفوضى الإعلامية التي خلّفها النظام السابق عبر فتح عدة ورشات لإصلاح قطاع الإعلام تجسيدا لثقافة التواصل ومساعدة لشتّى وسائله على الانضباط تجنبا للحرية المفرطة التي نتج عنها الوقوع في الكثير من مظاهر  عدم المسؤولية، على غرار ما حدث خلال الفترة الماضية التي شهدت وقوع بعضها في المحظور باندفاعها في ترويع المواطنين وعرض مشاهد تروج للعنف والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، ممّا يشكل خطراً على وحدة الوطن التي يترصدها الكيان الصهيوني بمساعدة دول بعضها معروف والبعض الآخر خفي، وبمشاركة أطراف داخلية ذات نزعة انفصالية” تريد تقسيم البلاد، وأخرى تعمّدت نشر ما يلغي هوية الشعب والوطن لإثارة الفتن خدمة لأجندات أجنبية.

 

وأُوكلت لوزارة الاتصال بقيادة البروفيسور، عمار بلحيمر، مهمة تنفيذ توجيهات رئاسة الجمهورية ومعالجة الواقع الجديد الذي فرضه المشهد الإعلامي الوطني والدولي والذي يرتكز بالأساس على الصورة بغضّ النّظر عن كونها حقيقية أو تضليلية، وبالتالي كان لزاما على وزارة الإتصال هيكلة القطاع وتنظيمه والتحكم في تسير الإعلام الرقمي في طابع تجددي يتطابق مع الدستور الجديد والنظرة الاستشرافية، وتَضْمن بالموازاة مع ذلك الموازنة بين الحرية والمسؤولية بهدف تحقيق الأمن الإعلامي كبعد من أبعاد الأمن ككل والذي لا يقل أهمية عن الأمن الاقتصادي والعسكري والثقافي…، والذي يعتمد تحقيقه على آليات الاستباقية والاستشراف والهوية والاستثمار في أبناء المهنة وتطوير المحتوى الإعلامي الموجّه للمواطن بما يتماشى مع متطلبات الوقت الراهن.. إعلام يحمل رسائل الشارع، يعالج القضايا، يولد أفكاراً وآراء وينتج رسالة إعلامية تنبع من رحم المجتمع، بعيدا عن بيع الوهم الذي يؤدي بالمواطن إلى البحث عن المعلومة في وسائل إعلامية أخرى قد تكون معادية، وبعيدا عن الانسلاخ والاندماج الّذي يؤدي إلى ولادة تبعية إعلامية نحن في غنى عنها، ويرمي بنا في مستنقع الفوضى في عصر غلب فيه “توجيه المعلومة” التي تخدم صانعها  مهمّة “نقل المعلومة”.

 

كما استدعت المتغيرات المتسارعة على المستوى الدّولي والتحدّيات التي تواجه الجزائر إقليميا ودوليا إشراك الجميع ودون إقصاء في تنظيم قطاع الإعلام، من بينهم المؤسسة العسكرية التي شددت على أهمية “دور الإعلام الوطني الحر والمسؤول” في رص الصفوف وتعزيز قوى الداخل ومواجهة المخططات العدائية الخارجية التي تستهدف البلاد وذلك عبر تنظيمها ندوة حول دوره الفعال شاركت فيها القيادة العليا للجيش، إضافة إلى قرار عرض مشروع قانون الإعلام الجديد على البرلمان للإثراء والمناقشة بأمر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رغم ضغوط الأجندة المحلية والدولية.

 

ضرورة  الموازنة بين الحرية التي سقفها السماء والمسؤولية بما يخدم مصالح الوطن

 

باتت الفرصة متاحة الآن والكرة في مرمى السلطات بوضعها “كود مهني” لمساعدة وسائل الإعلام الوطنية بشقّيها العمومي والخاص وكذا المواقع الإلكترونية على تنظيم نفسها داخليا، ومرافقتها في وضع أخلاقيات المهنة وقوانين خاصة بها للقيام بمهمتها الإعلامية النّبيلة، مع ضمان توفير سقف عال من الحرية، وهي ملزمة ضمنها في السياق نفسه بمراعاة النقد البنّاء والمدروس، كما باتت بحاجةملحّة إلى فتح مصادر المعلومات حول أهم القضايا التي تؤثّر في الأمن الوطني، للمساعدة على القيام بدورها في بناء منظومة الأمن الإعلامي للحدّ من الانحراف الفكري والتصدي في الوقت نفسه للسلوكات التي من شأنها التأثير في مبادئ وقيم المجتمع الجزائري، ممّا يشجّعها على غرس ثقافة الانضباط ضمن إطار مسؤول، من خلال الرقابة التي تضمن مراعاة عدم خروجها عن القوانين والتشريعات الخاصة والأنظمة والأخلاقيات الصحفية، وعدم تركها للحرية المفرطة التي تنتج الوقوع في مستنقع عدم المسؤولية أو سيطرة الانتهازيين ورجال المال الفاسد، ممّا يؤثر على توجهاتها وانحرافها عن مهمّتها الأساسية، مثلما حدث في وقت سابق لولا  اتخاذ قرار بإعادة احتوائها من التمويل الخارجي لسدِّ ما سمي بـ:  “ثغرة الإعلام المحلِّي”، لتكون في مستوى التحدّي عبر الموازنة بين الحرية التي سقفها السماء والمسؤولية بما يخدم مصالح الوطن، وتعزيز روابط الانتماء والولاء لرفع سقف العمل الإعلامي وتحقيق أمن الوطن والمواطن.. وتكون في الآن نفسه “سلاحا” للرد على الهجمات الإعلامية العدائية بنفس قوة الهجوم.

 

تحقّق ” الأمن الإعلامي المنشود” يستوجب التسلّح بإعلام حر  ومسؤول

 

وممّا لا شك فيه أنّ تحقّق ” الأمن الإعلامي المنشود” يستوجب التسلّح بإعلام “حر ومسؤول” يعي ما له من حق ويدرك ما عليه من واجب، لا ينحاز لأي سلطة أو أي مال، إنما ينحاز لخدمة الحقيقة يحمل رسائل الشّارع وقضايا المواطن الجزائري بكلّ أطيافه واختلافاته، بعيدا عن التّهويل والإشاعات والترويج لأخبار غير موثوقة أو غير واقعية من مصادر غير رسمية، بما يضمن تأثيرها في الجمهور المتلقي الذي يعدّ أساس قوّته، ضمن مسعى كسب ثقة المواطن الجزائري الذي ينظر بإيجابية لوطنه، ويحمل أفكاراً تساند النظام داخلياً وخارجياً كمفتاح لبلوغ أسمى الأهداف لإرساء قواعد “الجزائر الجديدة” بما يضمن الأمن الوطني، ويجنّب الآراء المناهضة للبرامج الوطنيّة والمعارضة الهدّامة، ويسهم في تعزيز الجبهة الدّاخلية ومواجهة المخطّطات العدائية التي تستهدف جزائرنا.

 

لذا فالالتزام بحدود المسؤولية المهنية والأخلاقية لوسائل الإعلام ضمن نطاق حرٍّ سيكون مفتاح الوثبة الوطنية وطوق نجاة للحرية الاعلامية في الجزائر، وسيحمي مكتسبات الصحفي العامل ضمن هرم من ثلاث زوايا تربط بين الحرية والمسؤولية والمصلحة الوطنية العليا للبلاد، وهو الملزم بمراعاتها من خلال النقد البنَّاء المدروس والمساءلة المرتبطة بالمصلحة الوطنية، والإسهام في تحقيق الأمن الإعلامي المنشود، لأنّ الإعلام الحرّ  والمسؤول شريك أساسي في الحفاظ على الأمن الوطني ووحدة البلاد.

 

مقالات ذات صلة

تعيين سفير جديد للجزائر في هذه الدولة

سارة معمري

قريبا.. إقتناء عتاد النقل السككي بمختلف أنواعه

سارة معمري

تنصيب الرئيس المدير العام الجديد لمجمع سوناريم

سارة معمري