المساجد والزوايا صمام أمان للمجتمع الجزائري

إبتسام بلبل

أبرز وزير الشؤون الدينية والأوقاف، يوسف بلمهدي، الدور المحوري للخطاب الديني في الوعي البيئي، مشيرا إلى أن الخطاب الديني الذي تضطلع به دائرته الوزارية لا ينفصل عن قضايا الحياة، بل يتغلغل في تفاصيلها، ويؤسس لرؤية إيمانية تعيد التوازن بين الإنسان ومحيطه، من منطلق أن الكون أمانة، وأن فساد البيئة من فساد القلوب والسلوك، وهو منطلق يجمع بين روح المسؤولية الفردية والحفاظ على المقدرات المادية للأمة بما فيها الجوانب البيئية.

وأبرز بلمهدي، وفق وثيقة رسمية مؤرخة في جويلية 2025، اطلعت عليها “الصريح”  أن الواقع يشهد بقوة أن منابر المساجد ومدارس القرآنية وزوايا في الجزائر حاضرة دائما لمرافقة المجتمع وتوعيته، وكذا في أنشطة المركز الثقافي الإسلامي وفروعه، وبرامج التكوين في المعاهد المتخصصة التابعة للقطاع، إضافة إلى تناول هذا الموضوع بشكل وعظي موجه للمواطنين، على أساس النص الشرعي والسلوك البيئي الملموس في بعض الخطابات، وتوجيه دورات للنشء في مدارسنا القرآنية بالتعاون مع الجهات المختصة والفاعلين في المجال قصد الانفتاح والتشارك مع المجتمع المدني في رفع مسنوب الوعي اتجاه الحفاظ على البيئة.

مذكرا في السياق بأن بلادنا تشهد كسائر دول العالم تفاقما مقلقا في الأزمات البيئية، من أبرز مظاهرها الانحباس المطري، وتراجع منسوب المياه، وتضرر القطاع الفلاحي، مما ينذر باختلالات خطيرة تمس الأمن الغذائي الوطني وتهدد استقرار المجتمع في الصميم، وبأننا ولسنا أمام أزمة مناخية فحسب، بل في مواجهة أزمة وعي، وأزمة علاقة مختلة بين الإنسان والكون الذي سخر له يتطلب بالفعل استجابة شاملة تتضمن جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الخطاب الديني، الذي يعد ركيزة محورية في تعزيز الوعي البيئي من خلال استحضار النصوص الشرعية التي تدعو إلى الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.

 

وأكد الوزير بلمهدي في رده على انشغال حول إستراتيجية الوزارة لتكييف الخطاب الديني ليكون أكثر التصاقا بحياة الناس اليومية وتحدياتهم الكبرى، أن مصالح قطاعه تحرص على التكوين البيئي لدى الأئمة، التنسيق مع المؤسسات البيئية وتعزيز فحوى البرامج التكوينية ذات الطابع العلمي الشرعي، كما تسعى إلى استعادة القيم البيئية الأصيلة.

وفي هذا الخصوص ذكر أنه كان لأجدادنا ثقافة فلاحية دينية عميقة، تترجمها ممارسات كـ “المكيال” والمعشار”، وهي أدوات فقهية لضبط إخراج الزكاة بعدل وورع، ومن هذا المنطلق، وفق الوزير، تسعى وزارة الشؤون الدينية إلى إعادة إحياء ثقافة الزكاة البيئية، أي الزكاة كضابط للتوازن الطبيعي والاجتماعي، وكقيمة تعيد للأرض حقها، وللفقير نصيبه.

وكذا من خلال صلاة الاستسقاء التي ذكر بشأنها أنها شعيرة من شعائر الإسلام وجب تعظيمها وتقديسها، ومناسبة توبة ورجوع إلى الله تعالى، حيث تتم دعوة المجتمع من خلالها عبر دروس توعوية إلى بيان فضلها والحكمة من إقامتها، ودعوتهم إلى التوبة والاستغفار ورد المظالم وإخراج الصدقات، وتصحيح السلوك والتوبة من استنزاف الموارد، والتعدي على الغابات.

إلى جانب ذلك، تعمل الوزارة على تفعيل المناسبات الدينية الكبرى بيئيا وروحيا لرفع الوعي لدى المجتمع كي تتحوّل المناسبات الدينية إلى محطات لإعادة هندسة العلاقة مع البيئة من خلال تنظيم “خطب بيئية” تستقى من القرآن والسنة تربط نقص المطر بتقصير العباد في حق الأرض وحق الله وحق الناس وتفعيل الأوقاف في تمويل مشاريع بيئية وتنموية مستدامة.

إستراتيجية لمواجهة التحديات البيئية

أكد الوزير بلمهدي أن مصالح قطاعه تدرك اليوم أهمية دمج البعد البيئي في الخطاب الديني، وتسعى إلى تأهيل السادة الأئمة والمرشدات الدينيات من خلال إدراج مواضيع البيئة ضمن برامج التكوين المستمر وإنشاء شراكات مع وزارة البيئة، ومراكز البحث البيئي، لتبادل الخبرات وتطوير المحتوى التوعوي، بالإضافة إلى تنظيم ندوات وملتقيات علمية حول العلاقة بين الشريعة والبيئة وإعداد دروس نموذجية ومواضيع موحدة للجمعة حول قضايا الماء، والغابات والزكاة البيئية، ونظافة المحيط وكذا إصدار مطويات وكتيبات في المساجد تبسط المفاهيم البيئية بلغة شرعية وعلمية.

كما تعمل الوزارة على إدماج الوعي البيئي ضمن مناهج التكوين، وتوجيه نشاط المرشدات الدينيات نحو نشر ثقافة النظافة، وفرز النفايات، وترشيد الماء والطاقة في المجتمع.

ولفت الوزير في السياق إلى أن الخطر البيئي اليوم لا يواجه فقط بالقوانين أو التكنولوجيا، بل يحتاج إلى ثورة قيمية وإيمانية تعيد صياغة علاقتنا بالبيئة من منطلقات دينية راسخة، وأن الخطاب الديني المعتمد في بلادنا عميق في أصالته، ومنفتح على المعارف الحديثة، فهو قوة ناعمة للتغيير، ومنارة وعي بيئي مستدام، وبالتعاون مع مختلف الفاعلين في المجال.

مقالات ذات صلة

لإنجاز مشروع 03 جيغاواط.. الجزائر تضاعف وارداتها من الألواح الشمسية

sarih_auteur

مداحي تكشف عن إجراءات جديدة لإنعاش السياحة

sarih_auteur

رقابة على شروط استغلالها وعقوبات ضد المخالفين.. الحكومة تتدخل لوقف التعدي المتواصل على الأراضي الفلاحية

sarih_auteur