منال.ب/وكالات
تواجه الحكومة الفرنسية خطر الانهيار، بعد أن قالت 3 أحزاب معارضة رئيسية إنها لن تدعم تصويتًا بالثقة أعلن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو اعتزام إجرائه اليوم، في إطار خططه لإجراء تخفيضات شاملة في الميزانية.
وبالموازاة، تستعد فرنسا لموجة احتجاجات واسعة تقودها يوم 10 سبتمبر دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل يسبق إعلان النقابات العمالية عن إضرابات وطنية في 18 سبتمبر، رفضًا لخطط الحكومة لخفض الإنفاق العام ومواجهة الدين المتنامي.
بالعودة إلى نقطة البداية، فإن حركة التعبئة التي يُرمز لها اختصارًا بالفرنسية بـ”حركة 2.0” الاحتجاجية، أي حركات التعبئة الرقمية عبر المنصات التفاعلية والسوشيال ميديا ومجموعات النقاش، كانت قد انطلقت منذ شهر ماي الماضي، لكنها اكتسبت زخمًا أوسع إبان طرح فرانسوا بايرو لخطط التقشف في شهر جويلية، ومن ثم دعوة حزب “فرنسا الأبية” اليساري المواطنين للنزول إلى الشوارع.
وحين تؤكد التعبئة الرقمية مرة أخرى، على غرار حركة “السترات الصفراء” قبل سنوات، القدرة على تحريك الشارع خارج الدوائر السياسية والنقابية، فإن التحركات عبر “الويب التفاعلي” تتجه لاتخاذ مسار تنظيمي وتعبوي مختلف، مثل الاختيار عن قصد ليوم العاشر من سبتمبر الذي يوافق يوم عمل (الأربعاء) وليس يوم عطلة بنهاية الأسبوع كما كان سائدًا مع الاحتجاجات الأسبوعية لـ”السترات الصفراء”.
ووفق تقارير في الصحافة الفرنسية، فقد بدأت التعبئة عبر تطبيق “تليغرام” لتتوسع نحو باقي منصات التواصل الاجتماعي ومجموعات افتراضية مفتوحة للنقاش. وتراوحت الدعوات المنطلقة من تغريدات آلاف المتصفحين، بحسب دراسة أجرتها شركة “فيزيبرون” المتخصصة في المراقبة الرقمية، بين دعوات كلاسيكية مثل “الإضراب” و”الاعتصام المدني”، إلى أخرى غير تقليدية مثل حث المحتجين على الامتناع عن التسوق واستخدام البطاقات المصرفية بدءًا من العاشر من سبتمبر الجاري والعدول عن الذهاب إلى المساحات التجارية.
لكن في نهاية المطاف برزت منصة “لنغضب” كواجهة للتعبئة وكوسيط إعلامي ورقمي رئيسي للحملة التي تحمل الاسم ذاته. ولا تقتصر التعبئة على المتصفحين والمحتجين من المواطنين عبر “الويب التفاعلي”، ولكن الغضب ينتشر أيضًا مثل الفقاعات بين النقابات والأحزاب، ضمن خطط قد تتجاوز الأهداف الاجتماعية إلى الإطاحة بميزانية 2026 والحكومة الهشة معًا.
وعلى المستوى النقابي، تشمل دعوات التحرك “اتحاد المناجم والطاقة” التابع للاتحاد العام للعمال الذي لوّح بالإضراب منذ بداية الشهر الجاري، إلى جانب نقابتي عمال قطاعي الكيميائيات وتجارة التجزئة. واتخذت نقابة “القوة العمالية” الخطوة ذاتها اعتراضًا على التدابير المالية، كما تنظر في شن إضراب في مستشفيات باريس.
ووجّه كذلك اتحاد عمال السكك الحديدية نداءً إلى منخرطيه للتعبئة بمناسبة تحرك يوم 10 سبتمبر. من جانبه، يخطط اتحاد سيارات الأجرة لشل حركة المرور في المطارات ومحطات القطارات والحدود ومحطات توزيع الوقود، وحتى شارع الشانزليزيه وسط باريس، احتجاجًا على الأسعار الجديدة لقطاع النقل الطبي.
أما على المستوى الحزبي، فقد أعلنت أغلب أطياف اليسار دعمها لتحركات العاشر من سبتمبر ودعوات الإغلاق الكامل من المواطنين، ضمن خطة أوسع تبدأ بإسقاط الحكومة. لكن الدعم العلني جاء أكثر من حزب “فرنسا الأبية”، حيث يرى مانويل بومبارد، منسق الحزب على المستوى الوطني، أن الإطاحة بحكومة بايرو في جلسة التصويت على الثقة المقررة اليوم تُعد “أول انتصار” من شأنه أن يسمح “بطي صفحة الماكرونية بشكل نهائي”.
وبينما طالب أمين عام “الحزب الشيوعي” فابيان روسل صراحة بحكومة جديدة، بدا موقف الاشتراكيين أكثر حذرًا رغم إقرار الأمين العام أوليفيي فور بعدم التصويت لحكومة بايرو. وعلى الجانب الآخر، كان موقف اليمين المتطرف من التعبئة متأرجحًا، حيث أوضحت النائبة عن حزب التجمع الوطني إدويج دياز، على إذاعة “فرانس إنتر”، أن حزبها “من حيث المبدأ لا يحرض على المظاهرات لكنه متفهم لمعاناة الشعب الفرنسي”.
كما أعلنت مارين لوبان، زعيمة كتلة الحزب في الجمعية الوطنية، أن حزبها، الذي يضم 123 نائبًا، سيصوت بالتأكيد ضد منح الثقة لحكومة بايرو.
وتتمثل خطة بايرو لاحتواء الدين المطرد للبلاد في توفير 44 مليار يورو من الإنفاق، في مسعى للحد من عجز الموازنة الذي وصل إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو ما يتجاوز بكثير السقف المحدد من الاتحاد الأوروبي البالغ 3%.
وتشمل الخطة، وفق مقترحات رئيس الوزراء، إلغاء عطلتين رسميتين، كما تتضمن أيضًا نقاشات غير معلنة تطال مزايا اجتماعية، من بينها الحديث عن “سنة بيضاء” خالية من الزيادات في التحويلات الاجتماعية، في خطوة من شأنها أن توفر وحدها حوالي 5 مليارات يورو.
وسيكون من الصعب حسابيًا تأمين التصويت الكافي، فمن خلال جمع أصوات التجمع الوطني، واتحاد اليمين، والحزب الشيوعي، والخضر، وحزب “فرنسا الأبية”، والحزب الاشتراكي، فإنه من المتوقع أن يصوت 330 نائبًا ضد بقاء فرانسوا بايرو في منصبه، وهو رقم كافٍ لإسقاط الحكومة.
وقد يواجه الرئيس ماكرون، الذي تعهد بالبقاء في منصبه حتى نهاية ولايته عام 2027، مهمة معقدة تتمثل في تعيين رئيس وزراء جديد للمرة الثالثة في غضون عام واحد، والخامسة منذ انتخابه عام 2022.
ومن شأن هذا الوضع المتأزم أن يدفع إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة مرة أخرى، وهو أمر لم يستبعده ماكرون، في وقت لا تزال نتائج الانتخابات التي دعا إليها في 2024 تغذي الفوضى في البرلمان الحالي، الذي انقسم بين 3 كتل متباينة سياسيًا وتفتقد لأغلبية كافية للحكم بمفردها.