“الصريح” تنقل معاناتهم وتستمع لمختصين وأولياء
- مغزيلي: “نسجل قرابة 400 استشارة شهريا لأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أغلبهم مرضى التوحد”
أميرة سكيكدي
يعيش الأطفال مرضى التوحد بعنابة حالة من التهميش واللامبالاة، في ظل غياب مركز حكومي يخضع للرقابة البيداغوجية والصحية والنفسية من أجل مساعدة هذه الفئة الهشة على الاندماج في المجتمع حسبما أكده خبراء في المجال.
وفي الصدد، تحدثت مغزيلي نعيمة، مختص نفساني رئيسي بمصلحة طب الأطفال والمراهقين في الصحة العمومية أبو بكر الرازي، عن معاناة مرضى طيف التوحد بعنابة بسبب غياب مركز حكومي بيداغوجي يراعي الشروط اللازمة للتكفل بهم رغم التزايد الكبير المسجل في حالات المصابين به، مؤكدة أن مستشفى الرازي يشهد إقبالا كبيرا لفئات ذوي الاحتياجات الخاصة يوميا لاسيما المصابين بطيف التوحد الذين يمثلون النسبة الأكبر منهم، كما يرى مختصون أن أنسب مكان يمكن أن يشيد عليه، المركز بمدرسة الخروبة ببلدية عنابة والذي سبق لهذه الأخيرة تأجيره لطبيبة بسعر رمزي.
إقبال كبير على مصلحة طب الأطفال بالرازي والفئة الأكبر مصابون بالتوحد
وأشارت مغزيلي، أن مصلحة طب الأطفال والمراهقين تشهد خلال الآونة الأخيرة اقبالا كبيرا لمختلف الحالات، مؤكدة أنه يتم تسجيل ما بين 300 إلى 400 استشارة شهريا لأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لاسيما مرضى طيف التوحد الذين يشكلون النسبة الغالبة منهم.
وأضافت المتحدثة، أن الطب النفسي للأطفال أخذ حيزا كبيرا بفضل احتواءه على أطقم طبية ومختصين في طب نفس الأطفال وعلم الارطوفونيا، مشيرة إلى أن سبب الاقبال الكبير على المصلحة هو تزايد أعداد الحالات إلى جانب احتواء المصلحة على طاقم متكامل يعنى بدراسة وتشخيص والعلاج والوقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية عند الأطفال والمراهقين، حيث يضمن المتابعة النفسية والارطوفونية والعلاجية الطبية للمعنيين دون تكاليف مادية تثقل كاهل أسرهم.
وتابعت أنه من بين الأسباب التي أحدثت ضغطا واقبالا كبيرا بالنسبة لأطفال التوحد عدم وجود مركز بيداغوجي لاحتضان هذه الفئة ومرافقتهم على غرار الفئات الأخرى لتخفيف الضغط على المستشفى من ناحية وضمان تطورهم من ناحية أخرى اعتبرتها الأهم.
وأوضحت المتحدثة، أن المستشفى يتكفل بالأطفال المتوحدين وتهيئتهم إكلينيكيا، فيما يبقى عمل المراكز المتخصصة بشأن تهيئتهم بيداغوجيا، وتستكمل المدارس المهام التربوية حتى وان تجاوز الطفل السن القانوني للالتحاق بالمدرسة.
وقالت الأخصائية أن الطب العقلي والنفسي للطفل يستحق أن يأخذ الأولوية الكبرى لأن الطفل أو المراهق الذي تظهر عليه أعراض الإصابة بأي اضطراب سلوكي يحتاج إلى عناية، حيث أن متابعته ومعالجته تقلل من أعراض الاضطرابات وبالتالي الوصول إلى تحسين السلوك، مضيفة أن الأساس يتم عبر تهيئة الطفل نفسيا وعقليا منذ الطفولة بعض النظر عن نوع الإعاقة أو نوع الاضطراب الذي يعاني منه، على عكس تركه دون متابعة مما يؤدي الى زيادة الاعراض وتقلص فرص شفاءه.
مؤسسات تربوية ترفض إدماجهم وأولياء متخوفون من مصير أبنائهم
وأكدت الأخصائية على المعاناة الكبيرة التي يمر بها أولياء الأطفال المصابين بمرض التوحد وتخوفهم الشديد من وضعية ومصير أبنائهم، خاصة وأن غالبية المؤسسات التربوية ترفض إدماجهم لعديد الاعتبارات، خاصة مع غياب مركز بيداغوجي خاص بهم يضمن تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
كما عبرت عينة من أولياء أطفال مصابين بالتوحد ممن تواصلت معهم “الصريح” عن الصعوبة الكبيرة التي يواجهونها في توفير كافة الطرق والأساليب لضمان دمج أبنائهم في المجتمع، خاصة وأنه يتم رفضهم في المؤسسات التربوية إلى جانب المساجد نظرا لصعوبة التعامل معهم وسلوكهم المضطرب وهيجانهم.
وأشار المعنيون، إلى الظروف الصعبة التي يواجهونها في التكفل بأبنائهم خاصة مع ارتفاع مصاريف العناية بهم لاسيما في المراكز الخاصة التي أكد بعض الأولياء انهم يدفعون مبالغ مالية وتكاليف معتبرة دون نتيجة.
وما زاد من صعوبة ذلك غياب برنامج مدرسي مكيف وكتب خاصة بالطفل المتوحد حسبما أشارت إليه مغزيلي، التي أكدت على ضرورة وضع برنامج خاص بهذه الفئة بالنسبة لبعض المؤسسات التربوية التي توفر أقسام خاصة بأطفال طيف التوحد، مشيرة إلى أن الرازي يستقبل آلاف الاطفال بمختلف الحالات والامر غير كاف لمتابعة فئة المتوحدين بالشكل المطلوب، خاصة وأن المدة الاقصى لمتابعته بالمستشفى المذكور لا تتعدى اربع سنوات، وهذا غير كاف لاسيما مع رفض عديد المدارس دمجهم كما أشارت إليه سابقا نظرا لصعوبة التعامل معهم مما يستوجب توفير مراكز خاصة بهم وأقسام مكيفة وفق برنامج خاص، مؤكدة على أن الاستجابة تكون عبر وضع برامج تربوية تتميز بدرجة عالية من التنظيم.
واقترحت المعنية، تخصيص أقسام في المدارس لهذه الفئة وذلك في إطار الخطوات الأولى لإدماجهم في المجتمع، بالنظر إلى حاجتهم الماسة إلى من يتقن التعامل معهم وإخراجهم من عزلتهم لضمان اندماج أفضل في المجتمع خاصة ما تعلق بالجانب التربوي.
مطالب بتوفير مركز حكومي بيداغوجي لمساعدتهم على الاندماج
وفي ذات السياق، أكدت المختصة أن مرضى التوحد في الولاية مهمشون جدا بسبب غياب التكفل الجدي بهذه الفئة التي تتطلب عناية خاصة من أجل ضمان الوصول إلى تكفل أفضل بهم وتحقيق اندماج تربوي واجتماعي لهم، مشيرة إلى أن ذلك لا يتحقق إلا بتدخل الدولة عبر انشاء مركز بيداغوجي لمرافقتهم واخراجهم من القوقعة.
وأضافت، أنه رغم وجود مركز للتكفل بهم على مستوى عطوي الحجار إلا أنه غير مؤهل، نظرا لكون المتوحدين مستويات ما بين متوسط وضعيف وقابل للتعلم أو غير قابل للتعلم وغيرها وهذا الأمر يعيق تطورهم، حيث أن المعني قابل للتقدم في حال تم وضعه في بيئة صحية والعكس صحيح.
وأوضحت أن المراكز غير المتخصصة في التوحد لا تستطيع تقديم الخدمة اللازمة لطفل طيف التوحد الذي تختلف إعاقته عن أنواع الإعاقات الأخرى والتي تحتاج إلى تدريب خاصة وفق تقنيات متطورة وبشكل فردي ويتم اعداد برنامج تعليمي مكيف لكل مستوى من المستويات، مضيفة أن وضعهم في مراكز مختلطة مع الفئات الأخرى ليس حلا لأن هذه الفئة تحتاج الى عناية خاصة وفي حال وضعه في بيئة صحية والعمل على المؤهلات والقدرات التي يملكها على غرار القدرة على الكلام والتواصل اللغوي ومتابعته من طرف مختصين فان النتائج ستظهر لاحقا رغم رفضه للتواصل مع العالم الخارجي.
وأردفت أنه يجب أن على الجهات الوصية والمختصة الالتفات لهذه الفئة التي تعاني الويلات منذ سنوات عديدة، موضحة أن فئة أطفال التوحد لابد أن يلتحقوا بمراكز خاصة بهم حتى يتم التعامل معهم، وأن غياب ذلك سيعيق اندماجهم في المجتمع العادي ويقلل من فرص شفاءهم وتطورهم.
وتابعت، أن غياب مركز حكومي للتكفل بالطفل المتوحد اضطر الكثير من الأولياء للتوجه إلى مراكز خاصة وتكبد تكاليف مادية كبيرة لعلاجهم، خاصة وأنها قد تصل إلى عشرون ألف دينار شهريا مع تحمل مصاريف التنقل خاصة بالنسبة للقاطنين بالمناطق النائية.
ومن جهة أخرى، ناشد الأولياء والمختصون تدخل وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، من أجل النظر في وضعية فئة الأطفال المرضى وانشاء مركز بيداغوجي للتكفل بهم وانهاء معانتهم خاصة وأن عددا كبيرا منهم محرومون من التكفل البيداغوجي والنفسي.
التكفل الأمثل بهم يضمن خروجهم من القوقعة وتحقيق الاندماج الاجتماعي
وأبرزت المتحدثة، أن بعض حالات الاصابة بالتوحد حققت اندماجا اجتماعيا وتطورا ملحوظا بفضل تكاثف الجهود في التكفل بهم، حيث أكدت أن بعض الأطفال ممن تمت مرافقتهم جيدا تحولوا إلى أشخاص طبيعين بنسبة 70 بالمائة واستطاعوا التحسن في النطق والتواصل والاندماج مع الأطفال الآخرين، لذلك وجب التنسيق بين كافة الجهات لتحقيق أفضل النتائج.