-الصريح-
يحيي الجزائريون اليوم الثلاثاء الذكرى الثالثة للحراك الشعبي الذي انطلق يوم 22 فيفري 2019، وكان من أبرز مكاسب هذا الحراك دفع الرئيس السابق والراحل عبد العزيز بوتفليقة للاستقالة بعد عقدين من الحكم وإجراء محاكمة “تاريخية” أدت إلى سجن مسؤولين سابقين، إضافة إلى إجراء انتخابات أفضت إلى تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية.
وبلغ الحراك الشعبي الذي باشره الجزائريون في 22 فيفري 2019 اليوم عامه الثالث، بحصيلة إيجابية لمسار نضالي سلمي بامتياز، صنع الاستثناء وأعاد بعد أسابيع من التظاهر الحضاري السلمي والراقي الذي أبهر العالم تحت حماية الجيش الوطني الشعبي البلاد إلى سكتها الصحيحة وبشعارات مستمدة من الثورة المجيدة ومن بيان أول نوفمبر، أثبتت للجميع أن الجزائريون متمسكون بتاريخهم وببلدهم ولم ينحرفوا عنه.
وبدأ الحراك الشعبي في الجزائر قبل 3 سنوات، عندما خرج آلاف المتظاهرين يوم الجمعة في 22 فيفري 2019 في مسيرات حاشدة، ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وبعد أقل من ستة أسابيع من الاحتجاجات والمسيرات الأسبوعية، دفعت الأعداد المتزايدة قيادة الجيش الوطني الشعبي، إلى مطالبة بوتفليقة بالاستقالة وهو ما حصل في 2 أفريل 2019.
وميز الحراك الشعبي “المبارك” عدم سقوط أي ضحية خلال المسيرات الشعبية رغم محاولات الاختراق والتآمر التي كشفتها وجابهتها مختلف المصالح الأمنية بقيادة الجيش الوطني الشعبي، من خلال “توقيف 223 شخصا أجنبيا من مختلف الجنسيات تسللوا داخل المسيرات الشعبية سواء بحسن نية أو لأغراض أخرى”، وقد تم إطلاق سراح أغلبية الموقوفين من الأجانب، فيما تم طرد 24 منهم وإحالة 10 آخرين على القضاء.
وأحد الانتصارات التي حققها الجزائريون هي مواجهة مخططات التقسيم الممنهج التي تنطلق من منصات التواصل الاجتماعي وتجد سندا ودعما لها في عواصم أجنبية تحركت مؤخرا بشكل علني غير أنها اصطدمت بهبة شعبية ورسمية منقطعة النظير تمكنت من إفشالها.
ونجح الحراك السلمي دون إراقة دماء ودون أي تجاوزات وذلك بفضل المؤسسة العسكرية التي استطاعت أن تعطي للشعب فرصة من اجل إحداث تغيير سلمي بعيدا عن أية فوضى أو أي تدخل أجنبي.
وفي 10 مارس، أكد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الراحل الفريق أحمد قايد صالح في خضم حملة توقيف للمتظاهرين، أن الجيش يشاطر الشعب “القيم نفسها”، وفي اليوم التالي، أعلن بوتفليقة عزوفه عن الترشح لولاية رئاسية خامسة.
وبعد أربعة أيام نظمت تظاهرات حاشدة في 40 ولاية في تظاهرة سميت بـ تظاهرة “ملايين” الجزائريين في شوارع البلاد، وفي 2 أفريل 2019، أعلن الراحل بوتفليقة استقالته، لكن التظاهرات استمرت وسط مطالبة المحتجين برحيل “الباءات الثلاث” وهم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وهي الشخصيات التي كانت مركزية في نظام بوتفليقة وأمسكت بالسلطة بعد استقالته.
وفي التاسع من أفريل من العام نفسه، تم تعيين بن صالح رئيسا بالوكالة، فيما قاطعت المعارضة جلسة البرلمان.
وفي العشرين من شهر ماي 2019، تم رفض إرجاء الانتخابات الرئاسية التي حددت في الرابع من جويلية، ورحيل رموز النظام السياسي السابق، وألغى المجلس الدستوري في الثاني من جوان الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من جويلية بسبب عدم وجود مرشحين، وواصل الجزائريون التظاهر سلميا كل يوم جمعة، خصوصا في المدن والولايات الكبرى.
وبعدها أجريت انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2019 أفضت عن انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر، وفي العشرين من مارس 2020، بدأت شوارع العاصمة والمدن الكبرى لأول مرة منذ بداية الحراك، خالية من المتظاهرين بعد قرار منع كل التجمعات لمحاربة انتشار فيروس كورونا المستجد.
وفي الفاتح نوفمبر من نفس السنة وافق الجزائريون على تعديل الدستور في استفتاء بنسبة مشاركة بلغت 23,7%، وأجري الاستفتاء على تعديل الدستور، الذي يعد أحد أبرز مشاريع الرئيس تبون.
وفي 16 فيفري 2020 تظاهر آلاف الجزائريين في مدينة خراطة، مهد “الحراك”، إحياء للذكرى السنوية الثانية للانتفاضة الشعبية التي انطلقت منها، وفي 18 فيفري أطلق تبون مبادرة تهدئة بإصداره عفوا رئاسيا عن عشرات من معتقلي “الحراك المبارك”، كما حاول حل الأزمة السياسية بقراره حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة وإجراء تعديل حكومي وشيك.
وفي الذكرى الأولى للحراك قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الأربعاء ترسيم يوم 22 فيفري الموافق للانطلاق الحراك الشعبي”يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية، وجاء في المرسوم الذي وقعه الرئيس بأن يوم 22 فيفري يخلد الهبة التاريخية للشعب في الثاني والعشرين من فيفري 2019، ويحتفل به عبر جميع التراب الوطني من خلال تظاهرات وأنشطة تعزز أواصر الأخوة واللحمة الوطنية، وترسخ روح التضامن بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية.
مشددا على أن الجيش الوطني الشعبي كان “سندا قويا وسدّا منيعا” ضد كل الاختراقات أن هذا اليوم المبارك موعد للتذكير بالشعارات المطالبة بتكريس الإرادة الشعبية وإرساء أسس الديمقراطية ودولة القانون ومحاربة الفساد من جهة ، والاحتفاء من جهة أخرى بالذكرى الثالثة لمسيرات سلمية صنفتها بعض وسائل الإعلام العالمية على أنها “الأضخم” في العالم خلال الــ20 سنة الماضية.
وفي 19 من نفس الشهر أُفرج عن أكثر من 30 سجين رأي منهم الصحافي خالد درارني المحكوم عليه بالسجن سنتين في سبتمبر وتحول إلى رمز للنضال من أجل حرية الصحافة في الجزائر، ومذاك تم إطلاق سراح أكثر من 40 سجينا.
وفي 21 فيفري2021، عشية الذكرى الثانية للحراك، قام الرئيس تبون بحل المجلس الشعبي الوطني وأجرى تعديلا وزاريا على حكومة عبد العزيز جرّاد.
ويوم 22 فيفري 2021 شارك آلاف المتظاهرين في أكبر مسيرة شهدتها العاصمة الجزائرية منذ مارس 2020، بينما خرجت تظاهرات في عدة مدن بمناسبة الذكرى الثانية للحراك الشعبي.
ورد الجزائريون خلال الحراك الشعبي عن كل شخص أراد أن يبتز ويركب الموجة لخدمة أجندات أجنبية ولم “ينحرفوا أبدا عن الجزائر التي أرادوها أن تكون جمهورية ديمقراطية بمبادئ وقيم سامية”، وخلد هذا اليوم
وكانت أحد أعظم مخرجات الحراك الشعبي هي ذلك الشعار الذي حدد خطوط الدفاع الداخلية والخارجية لكل من تسول نفسه التلاعب بمصير الدولة والمجتمع لما هتف الجزائريون بصوت واحد و بقلب ولسان رجل واحد ” الجيش ، الشعب خاوة – خاوة “.
وحقق الحراك الشعبي المبارك الأصيل حصيلة إيجابية، حيث تمكن في أقل من عام من تغيير نظام حكم بطريقة سلمية من خلال إصراره على تطبيق المواد 7، 8 و102 من الدستور بمرافقة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي وتجسد هذا المطلب من خلال النجاح في تنظيم أول انتخابات رئاسية تحت إشراف سلطة وطنية مستقلة للانتخابات، مسفرا عن انتخاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أكد حينها في أول خرجة إعلامية له “استعداده التام” لإجراء “حوار جاد” مع ممثلي الحراك الشعبي الذي لطالما وصفه بـــ “المبارك” ، وتعهد حينها بالعمل على “إنصاف كل من ظلم من طرف العصابة” للتوالى الأيام وتثبت عزمه ومضيه قدما في بناء الجزائر الجديدة واستكمال بناء مؤسساتها عبر عديد المحطات انطلاقا من التعديل الدستوري وصولا إلى الانتخابات التشريعية والمحلية.
ويؤكد إحياء اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية على أن الحراك الشعبي حدث تاريخي مفصلي ساهم في صون حرمة الجزائر، وأن هذا الحراك الذي اعتمده الشعب الجزائري منهجا سلميا حضاريا للتغيير الديمقراطي وترسيخ العدالة الاجتماعية وتكريس دولة القانون ساهم في صون حرمة الجزائر وتعزيز الترابط والتماسك بين بناتها وأبنائها وهو إنجاز تاريخي نابع من إرادة ذاتية وإجماع وطني يؤكد من خلاله على ضرورة أن يقف الجميع وقفة رجل واحد لمواجهة مختلف التحديات وعلى ضرورة الاسترشاد بالمضامين الفكرية الوطنية التي أسست للمشروع الوطني الحضاري وذلك من أجل استكمال مسيرة الجزائر الجديدة وصياغة المستقبل الواعد لتحقيق المزيد من المكاسب.
ويستحق هذا اليوم التخليد لأن الكثير كان يراهن وقتها على نهاية الجزائر مثلما راهنوا على ذلك خلال العشرية السوداء التي مرت بها بلادنا” ليؤكد الشعب الجزائري مرة أخرى التمسك بالجزائر والحفاظ على أمانة الشهداء الذين ضحوا بحياتهم لكي يعيشوا هم في كنف الحرية والاستقلال.
كما لازال الجزائريون يصنعون الاستثناء بإدراكهم ووعيهم وتفاعلهم مع التطورات السياسية للبلاد وحتى الإقليمية والدولية.