شهدت، الخميس، مدينة عنابة حدثًا وطنيًا بارزًا تمثّل في دقّ أول وتد في رصيف الفوسفات بالميناء الجديد، إيذانًا بانطلاق مرحلة جديدة من الأشغال في واحد من أضخم المشاريع الاقتصادية التي تراهن عليها الجزائر لتعزيز صادراتها خارج قطاع المحروقات.
يُعدّ ميناء الفوسفات الجديد جزءًا أساسيًا من المشروع الفوسفاتي المدمج، الذي يهدف إلى استغلال وتحويل الفوسفات المستخرج من منجم بلاد الحدبة بتبسة وتصديره عبر عنابة نحو الأسواق الدولية. المشروع، الذي تشرف عليه وزارة الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية بالتنسيق مع وزارة الطاقة والمناجم، يُعتبر رهانًا استراتيجيًا للدولة من أجل تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة الجزائر في سوق الأسمدة العالمية.
جُنّدت وسائل تقنية متطورة وتجهيزات مادية وبحرية ضخمة لإنجاز هذه المرحلة الحساسة من الأشغال، من بينها بارجة عملاقة وسفينة مخصّصة لأعمال الدقّ البحري، إلى جانب فرق هندسية وطنية ودولية تعمل وفق معايير عالمية. ويمتدّ الرصيف على طول يقارب 1600 متر، وبعمق يتجاوز 16 مترًا، ما يسمح باستقبال أكبر السفن المخصّصة لنقل المواد المنجمية، بينما يشمل المشروع كذلك إنجاز ساحات تخزين واسعة، منشآت مناولة، وربطًا سككيًا مباشرًا بالمناجم الشرقية.
وفي السياق، يُنتظر من هذا المشروع أن يُحدث نقلة نوعية في البنية الاقتصادية لولاية عنابة والولايات المجاورة، عبر خلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، وتنشيط قطاعات النقل، الخدمات واللوجستيك. كما سيُسهم في تخفيف الضغط عن ميناء عنابة التجاري الحالي، وفتح آفاق جديدة أمام صادرات الجزائر من الفوسفات ومشتقاته.
وحسب مصدر “الصريح”، أكّد أن “دقّ أول وتد يُعدّ مؤشراً واضحاً على دخول المشروع مرحلته الميدانية الحقيقية، بعد استكمال الدراسات التقنية والتقييم البيئي، وأن وتيرة الإنجاز ستعرف تسارعًا كبيرًا خلال الأشهر المقبلة، بهدف استلام المرحلة الأولى من المشروع قبل نهاية سنة 2026، على أن تُستكمل الأشغال بشكل كلي خلال سنة 2027”.
ورغم الحماس الكبير الذي يرافق المشروع، تُطرح تساؤلات حول الانعكاسات البيئية المحتملة لأشغال الردم والدقّ في البحر، حيث دعا مختصون إلى ضرورة احترام المعايير البيئية الدولية في حماية الساحل والحياة البحرية. في المقابل، أكّدت السلطات المشرفة أن المشروع خضع لدراسة دقيقة لتقييم الأثر البيئي، وأن جميع الإجراءات التعويضية والمراقبة الدورية ستكون مضمونة.
من جهة أخرى، فإنّ ميناء الفوسفات بعنابة ليس مجرد منشأة لوجستية جديدة، بل رمز لعودة الجزائر الصناعية إلى الواجهة، من خلال استثمار مواردها الطبيعية في مشاريع مهيكلة تُعيد الاعتبار للصناعات التحويلية والمناجم، وتفتح آفاقًا واعدة للتصدير نحو إفريقيا وآسيا وأوروبا. وبدقّ أول وتد اليوم، تكون عنابة قد فتحت رسميًا صفحة جديدة في تاريخها الاقتصادي، وتحوّلت إلى قطب استراتيجي لصناعة وتجارة الفوسفات، بما يليق بمكانتها كعاصمة للشرق الجزائري وبوابة المتوسط.