لمين موساوي
في خطوة تعدّ تحولًا مهمًا في مسار تطوير النشاط المينائي بولاية عنابة، تم أول أمس، إطلاق الخدمات اللوجيستية الخاصة بمعالجة الحاويات الفارغة على مستوى القاعدة اللوجيستية “لعلاليق”، وذلك تنفيذًا لتوجيهات وزير الداخلية والجماعات المحلية والنقل، سعيد سعيود، الرامية إلى تعزيز المتابعة العملياتية لعائدات الموانئ وتسريع وتيرة عصرنة هياكلها.
وتقع القاعدة الجديدة على بعد ثلاثة كيلومترات فقط عن ميناء عنابة، على مساحة تُقدّر بـ 1.2 هكتار، ما يجعلها إضافة نوعية للمنشآت الداعمة لحركة الموانئ، ويُنظر إلى هذا المشروع كمتنفّس حقيقي لنشاط الميناء، خصوصًا في ظل التزايد المستمر في حركة الحاويات خلال السنوات الأخيرة، وما يتبع ذلك من ضغط كبير على الأرصفة.
تخفيف الضغط على الأرصفة وتقليص زمن مكوث السفن
وحسب القائمين على المشروع، فإن تحويل جزء من عمليات معالجة الحاويات الفارغة إلى هذه القاعدة من شأنه تقليص الضغط على الأرصفة داخل الميناء، وهو ما سينعكس مباشرة على تقليص زمن انتظار السفن قبل التفريغ والتحميل، كما سيسهم هذا الهيكل الجديد في تحسين انسيابية حركة الشاحنات داخل وخارج الميناء، الأمر الذي ينعكس على فعالية الخدمة اللوجيستية ككل، ويحدّ من الاختناقات المرورية التي طالما اشتكى منها المتعاملون الاقتصاديون.
وتُعد هذه القاعدة، بما توفره من مساحات مهيأة ووسائل تقنية حديثة، ركيزة أساسية في إستراتيجية وطنية تهدف إلى عصرنة الموانئ التجارية وجعلها أكثر تنافسية وقدرة على استيعاب التغيرات المتسارعة في عالم النقل البحري، كما من شأنها رفع جودة الخدمات المقدمة للمتعاملين، من خلال تسريع عمليات المناولة وتحسين ظروف التخزين والمتابعة.
ويأتي هذا المشروع في ظرف يطمح فيه ميناء عنابة إلى استعادة مكانته كلاعب محوري في المنطقة الشرقية، خاصة مع المشاريع الكبرى التي تشهدها الولاية في قطاعات الصناعة واللوجستيك، فالرفع من قدرات المناولة وتحسين الأداء الميداني يعدان ركيزتين أساسيتين لجذب المتعاملين وشركات الشحن الدولية، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة بين الموانئ الوطنية والإقليمية، كما يُنتظر أن ينعكس تشغيل هذه القاعدة على الديناميكية الاقتصادية للمنطقة، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحسين الخدمات المقدمة للمؤسسات المصدرة والمستوردة، إضافة إلى تخفيض تكاليف العمليات اللوجيستية، ما ينعكس إيجابًا على تنافسية المنتوج الوطني
رؤية جديدة لإدارة الموانئ
يُجمع مختصون في المجال على أن فتح هذه القاعدة يمثل مرحلة أولى ضمن مسار إصلاح شامل تنتظره الموانئ الجزائرية، يقوم على مبدأ الفصل بين وظائف الميناء الأساسية وبين الأنشطة الداعمة التي يمكن نقلها إلى مناطق لوجيستية مجاورة، وسيسمح هذا التوجه باستخدام الأملاك المينائية بالشكل الأمثل، ويفتح المجال لاستثمارات جديدة في مجالات التخزين، التوزيع، والتصدير.
كما يُعتبر هذا النوع من المشاريع عمودًا فقريًا في بناء منظومة لوجيستية فعالة، تواكب التوجه الحالي نحو رقمنة الخدمات وتسريع عمليات الرقابة والمتابعة، بما يضمن تقليص الإجراءات وتحسين جودة الخدمة للمستثمرين والزبائن، وبينما يرى المتابعون أنّ المشروع يشكل خطوة جريئة في مسار تطوير ميناء عنابة، إلا أن نجاحه يرتبط بمدى مواصلة الجهود لتحديث باقي الهياكل، وعلى رأسها أرصفة المناولة، ونظام التسيير الإلكتروني للحركة المينائية، وتطوير المساحات الخلفية للميناء بشكل يسمح باستيعاب النمو المستقبلي في حجم المبادلات التجارية، ومع ذلك، يبقى إطلاق القاعدة اللوجيستية “لعلاليق” مؤشرا على وجود رؤية جديدة تسعى إلى ضمان انتقال الموانئ الجزائرية من نمط تسيير تقليدي إلى منظومة عصرية أكثر انسجامًا مع المعايير الدولية، وهي خطوة ينتظر أن تعزز مكانة عنابة كأحد أهم الأقطاب الاقتصادية في شرق البلاد.
