مخالفات مهنية كشفتها المراقبة الميدانية
- خرق لإجراءات تنصيب العمال وتأمينهم وشركات تتحجج بجهل قوانين العمل
ابتسام بلبل
أحالت مفتشية العمل بعنابة ملفات عشرات المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، على القضاء للفصل فيها، عقب تسجيلها مخالفات قام بها مسيرو هذه المؤسسات، تتمثل أساسا في عدم احترامها لآليات التنصيب المهني ونقائص في الوقاية الصحية والطب العمل والأمن، ما كان سببا في تحريرها المخالفات وتقديمها للعدالة للبت فيها.
أسرت مصادر من داخل مفتشية العمل بعنابة لـ”الصريح” أن أكثر من 1000 مؤسسة عبر بلديات الولاية كانت محل تفتيش من طرف أعوان مفتشية العمل بالولاية مؤخرا.
وسجلت ذات المصالح من خلال المراقبة الميدانية التي أجرتها على مستوى المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الخاص والعام أكثر من 200 مخالفة تتعلق بعدم التصريح بالعمال لدى الضمان الاجتماعي، وهو ما يعكس غياب إحاطة كاملة بخصوص مجالهم النشاطي.
وقد يتعرض هؤلاء للتهميش المباشر خاصة ما تعلق بالتغطية الصحية والاجتماعية، الأمر الذي يضرب عرض الحائط القانون المتضمن بالتزامات الجهة الموظفة بتصريح عمالها لدى الضمان الإجتماعي.
وقالت مصادرنا أن مفتشية العمل شنت حملة ضد مرتكبي هذه المخالفات مؤخرا وحولت عشرات القضايا على الجهات القضائية المختصة ضد مؤسسات لا تضمن سلامة عمالها أثناء تأدية مهامهم، وكشفت المراقبة الميدانية عن خروقات أخرى تتعلق بالقطاع الخاص الذي يتوسع بخصوص تعرض عماله للأخطار المهنية متمثلة في غياب وسائل الحماية خاصة في قطاع البناء، وسجلت مفتشية العمل عشرات المخالفات أغلبها يتعلق بنقائص في الوقاية الصحية والطب العمل والأمن.
كما كشفت محاضر رفع عمال قضايا تتعلق بغياب عمليات إدماج المتعاقدين منذ سنوات، وعدم إتباع أسلوب الترقية الآلية في المناصب، إضافة إلى توجه بعض المؤسسات لاستكمال الإجراءات القانونية لمجابهة إضرابات العمال والذي يكون قد أثر بشكل فعال على عائداتها من خلال تعطيل العمل خاصة مع الضائقة المالية التي تعرفها عديد الشركات الاقتصادية العامة والخاصة والتي زادت حدتها مع غياب عقد صفقات و كذا ما فرضته جائحة كوفيد-19.
كما سُجلت مخالفات ضد مؤسسات أجنبية لم تحترم شروط توظيف العمال، حيث لم تتبع إجراءات التنصيب التي أضحى من اللازم مرورها عبر وكالات توظيف اليد العاملة، حيث يتم توزيع المناصب وكذلك تسجيل العمال المعنيين بالاستفادة من مناصب عمل مطروحة ليدخل العمل في إطاره النظامي والقانوني، مع مراعاة احترام إجراءات التأمين التي تُعد النقطة السوداء للمؤسسات الخاصة بالولاية والتي كانت وراء ضياع حقوق الكثيرين بسبب حوادث العمل المسجلة على الخصوص في قطاع البناء.
وأضافت مصادرنا أن بعض المؤسسات الصينية التي تنشط في قطاع السكن، تعاني مشاكل عويصة من طرف البنائين الذين يطالبونها بتوفير عقد عمل دائم، وهو أمر مستحيل لأن نوع عقد العمل مرهون بعمر المشروع.
وتسجل مفتشية العمل بعنابة أيضا وجود قضايا متفرقة لمستخدمين في مؤسسات خاصة، كانوا قد أودعوا شكاوى ضد إدارات المؤسسات التي يشتغلون بها، جراء عدم تقاضيهم رواتبهم، ومؤسسات أخرى يتعرض عمالها للطرد التعسفي، حيث تم برمجة جلسات صلح بينهم وبين ممثلي إدارات المؤسسات التي يشتغلون بها، لكن بعضها سجل حضور العمال دون حضور أي من ممثلي تلك الإدارات، حيث وقعوا على سجل الحضور وغادروا مقر المفتشية، بعدما منحوا موعدا آخر بالنسبة للذين حضروا للمرة الأولى، أما الذين يحضرون للمرة الثانية فتمنح لهم مفتشية العمل موعدا لاستلام محاضر عدم الصلح النهائية التي توجه للقضاء.
وقالت مصادرنا أن أغلب المحاضر المودعة على مستوى مفتشية العمل خلال السنوات الأخيرة تتعلق بالشركات الاقتصادية العمومية، مشيرة إلى أن الفترة الأخيرة التي شهدت ركودا اقتصاديا دفعت بعديد المؤسسات إلى تسريح عمالها على غرار الشركة الكبرى للري “جي تي أش” والتي أقدمت على تسريح 1000 عامل العام الماضي حسب اتفاقية أمضيت بين المؤسسة والعمال.
وعلى صعيد مغاير، وفيما يتعلق بتوظيف الشباب الحاملين لوثيقة طالي العمل والمسجلين لدى وكالات التشغيل، أعربت مصادرنا عن أسفها الشديد لما يحدث في هذا الشأن بعد تسجيل آلاف عمليات التوظيف من طرف مؤسسات تابعة للقطاع الخاص دون المرور عن وكالة “آنام”.
للإشارة يستطيع العامل الموجود في القطاع الخاص، رفع قضية فيما يخص إثبات صرف الأجرة، والوسيلة الوحيدة لذلك، هي القسيمة أو دفتر الأجرة، وقد شدد المشرع الجزائري الغرامة التي كانت من 500 إلى 1000 دج، لتصبح في الوقت الحالي ما بين 10 آلاف و20 ألف دج، إضافة لذلك فسجلات ودفتر الأجور إلزامية، لذلك شددت الغرامات كونها الوسيلة الإثباتية الوحيدة لنشأة وتنفيذ بعض جوانب علاقة العمل.
وقد بدأت المحاكم على مستوى الجمهورية منذ أيام في إصدار أحكام قضائية جديدة بناء على محاضر مفتشيات العمل الولائية، الأحكام التي وصفت بالمشددة تضمنت تغريم كل رب عمل لا يصرح بعماله بـ 20 مليون سنتيم عن كل عامل إضافة إلى تسديد مستحقات الضمان الاجتماعي والدفع الجزافي في إطار التعديلات التي جاء بها القانون 11 /17 المؤرخ في 27 ديسمبر2017، والمتضمن قانون المالية لسنة 2018، لتنظيم علاقات العمل وكل ما يتعلق بالصحة والأمن وطب العمل، وفي هذا الخصوص تم تشديد الغرامات على كل من لا يتقيد بالنصوص الجديدة.
المحامي محمد بوضياف: المشرع الجزائري شدد الغرامات على أرباب العمل الذين لا يصرحون بالعمال
أكد الأستاذ محمد بوضياف محامى لدى مجلس قضاء عنابة، أن عديد المؤسسات الخاصة لا تضمن سلامة عمالها أثناء تأدية مهامهم، وهو ما يعرضهم لأخطار قد تهدد حياتهم، في حين تلجأ مؤسسات أخرى لتوظيف عمال دون تأمين في خرق واضح للقانون، وهو ما يعرضها في حالة وقوع أخطار للمتابعة القضائية
وأشار المحامي بوضياف أن المرور على مفتشية العمل ضمن مرحلة الصلح أساسي ويعتبر محضرا إلزاميا، وهي مرحلة أولى يمر بها العامل قبل المرور إلى القضاء والتي تدخل في إطار الصلح، موضحا أن أول شيء يثبته المتقاضي صفة العمل بأي وسيلة مشيرا إلى أن إحضار شهود أيضا يعتبر كاف لإثبات علاقة العمل، لينظر بعدها القاضي في جسامة الضرر كالتسريح التعسفي أو جسامة الخطأ المهني الذي ارتكبه العامل والذي عرضه للطرد التعسفي من طرف صاحب المؤسسة، على أن يفصل في العقوبة ومدى تطابقها بخطأ العامل مع احتساب فترة النزاع في القضاء.
وأضاف محدثنا أنه وفي حال فشل الصلح بين المستخدم والمؤسسة لدى مفتشية العمل يتم تسليمهم محضر “عدم الصلح” ويوجه الملف للقضاء للبت فيه، على اعتبار أن القضاء الاجتماعي المختص في عدة جوانب منها الضمان الاجتماعي النزاعات بين العامل والمستخدم، وقانون العمل والوظيف العمومي، والذي يكون حكمه نهائي بدرجة التقاضي.
مضيفا أن الحكم القضائي الصادر يبقى ساري المفعول لمدة 6 أشهر وتعتبر هذه المدة القانونية للتصرف في الحكم وفي حال عدم استغلالها تلغى وتعتبر قضية ملغاة ودون أساس، بمجرد انقضاء تلك الفترة ولا يسمح برفع قضية أخرى بنفس الموضوع.
وأكد المحامي بوضياف أن الأحكام التي تصدرها الجهات القضائية مشددة تتضمن تغريم كل رب عمل لا يصرح بعماله إضافة إلى تسديد مستحقات الضمان الاجتماعي والدفع الجزافي في إطار التعديلات التي جاء بها المنظم لعلاقات العمل وكل ما يتعلق بالصحة والأمن وطب العمل، وفي هذا الخصوص تم تشديد الغرامات على كل من لا يتقيد بالنصوص الجديدة.