كلمة الوزيـر الأول ايمن بن عبد الرحمن بمناسبة افتتاح الدورة العادية (71) للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
-والعي جاءت كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله
- السيد المستشار لدى السيد رئيس الجمهورية،
- السادة أعضاء الحكومة،
- معالي السيّدة إيماني داود عبود، رئيسة المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب،
- السيّدات والسّادة قضاة المحكمة،
- الحضور الكريم، كلٌّ باسمه وصفته ومقامه.
- ضيوفنا الكرام، أسرة الإعلام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
***
يُسعدني أن أحضُر معكم اليوم، مراسم الجلسة الاحتفائية لافتتاح الدورة العادية الـواحدة والسبعون (71) للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي تحتضنـها بلادنا بكل ترحابٍ واعتزاز.
وأستسمحكم، بداية، أن أرحب بـمعالي السيّدة إيماني داود عبود، رئيسة الـمحكمة، والسيدات والسادة قضاة المحكمة وكلّ طاقمها من إطارات وموظفين، ,أن أنقل إليكم تحيات السيد رئيس الجمهورية وتمنياته لكم جميعا بإقامة طيبة في بلدكم الجزائر.
السيدات الفضليات، السادة الافاضل،
تنعقد هذه الدورة، في ظلّ أجواء إحياء الذكرى (69) لاندلاع ثورة التحرير الـمباركة، ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، التي جاءت تتويجا ً لـمسارٍ طويل من الـمقاومة التي قادها شعبنا ضد الاستدمار، دفاعا عن حقوقه الـمغتصبة والقيم الإنسانية، هذه الثورة التي كانت ولاتزال مصدر إلهام للأمم التي تتوق للانعتاق من نير الاستعمار، ومرجعا في الدفاع عن حقوق الإنسان والشعوب.
وإن احتضان بلادنا لهذا الحدث الإفريقي الهام في مجال حقوق الإنسان، والذي حضي بمباركة السيد رئيس الجمهورية ، ليعكس في واقع الأمر الأهمية التي توليها بلادنا لحقوق الإنسان والعمل على حمايتها وترقيتها، وكذا الاهتمام الخاص بالبعد الإفريقي، فالجزائر بدورها الرائد في إفريقيا، حريصةٌ كلّ الحرص على الدفاع عن قضايا ومصالح هذه القارة، وإرساء مبادئ التعايش السلمي والدفاع عن حقوق الشعوب وفي مقدمتها الحق في تقرير الـمصير، وهي حقوق يخلد التاريخ المسار العريق والمشهود لهيئتكم الموقرة في الدفاع عليها من خلال نُصرة القضايا العادلة في القارة الإفريقية، وسيذكر التاريخ كذلك جُرأتها القضائية ولـمستـها الإنسانيّة في هذا المجال، لاسيما في ضل تخاذل منابر أخرى.
ولا أدل على ذلك مما يشهده العالم اليوم من أحداث مؤلمة غير مسبوقة، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في أرض فلسطين، لكل حقوق الإنسان وكل المواثيق والقرارات الدولية، مع تطبيق معايير مزدوجة تتنافى كل التنافي مع القيم الإنسانية والمبادئ التي تشاطرها البشرية جمعاء، وكرستها المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، لكل البشر، دون استثناء أو أي وجه من أوجه التمييز.
إنّ الجزائر وهي تتابع التطورات الخطيرة والـمحزنة في فلسطين الـمحتلة، تؤكد من هذا الـمنبر على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه الأساسية كاملة غير منقوصة، لاسيما الحق في الحياة والصحة والعيش في كنف الأمن والسلام، وحق أطفال فلسطين في أن يعيشوا طفولتهم وينعموا بها طبقا لـما تنص عليه الـمواثيق والمعاهدات الدولية.
السيدات الفضليات،السادة الأفاضل.
تعتبر التجربة الجزائرية في مجال ترقية وحماية حقوق الإنسان من التجارب الرائدة على المستوى الإقليمي والدولي، وقد تم تعزيز هذه التجربة من خلال الإصلاحات الهامة التي كرسها دستور الفاتح من نوفمبر سنة 2020 وتم تجسيدها من خلال حزمة من النصوص التشريعية والآليات المؤسساتية الجديدة التي تم وضعها، والتي عززت من مطابقة منظومتنا الوطنية مع المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، التي كانت بلادنا من البلدان السباقة للانضمام إلى جلها، وكذا مع الممارسات المثلى المعمول بها في هذا المجال.
وقد أعطى التعديل الدستوري للفاتح من نوفمبر 2020 دفعا جديدا وقويا لمجهودات بلادنا في مجال ترسيخ الحقوق الأساسية الفردية والجماعية والحريات العامة وتعزيز استقلالية السلطة القضائية والفصل بين السلطات، ودعم السلطات الرقابية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والتجمع والتظاهر السلميين وتكوين الجمعيات، كما عزز من المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون وكفَل حماية المرأة من جميع أشكال العنف، وشدّد على حقوق الطفل والحق في التعليم وضمان مجانيته.
وقد ترجمت كل هذه الإصلاحات، من خلال إصدار حزمة من النصوص التشريعية والتنظيمية، أذكر منها على سبيل البيان لا الحصر القانون العضوي الجديد للإعلام، الذي يكرس الحق في الإعلام وحرية الصحافة ويضبط شروط ممارسة هذه المهنة النبيلة والضمانات القانونية المترتبة عليها، وكذا قانون يتعلق بممارسة الحق النقابي، فضلا عن نصوص أخرى يجري العمل على استكمال إعدادها، ومن بينها القانون العضوي المتعلق بالجمعيات والقانون المتعلق بحرية التجمع والتظاهر السلمي.
أما في الجانب المتعلق بالآليات المؤسساتية، فقد خصص الدستور مكانة أساسية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما كرس إنشاء المحكمة الدستورية، مع منحها اختصاصات واسعة، لاسيما في مجال حماية الحقوق والحريات الدستورية، عبر توسيع مجال ممارسة آلية الدفع بعدم دستورية القوانين أو التنظيمات، وكرس أيضا إنشاء هيئة دستورية تعنى بشكل حصري بالإشراف على الانتخابات،وهي السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وكذا إنشاء السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته.
فضلا عن ذلك، خص التعديل الدستوري المجتمع المدني والشباب باهتمام خاص، حيث كرس لأول مرة إنشاء هيئتين دستوريتين لهذا الغرض، وهما المجلس الأعلى للشباب والمرصد الوطني للمجتمع المدني، وذلك فضلا عن الهيئات الأخرى التي تعني بترقية حقوق الإنسان وحمايتها، المكرسة قانونا، وأذكر منها الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة والسلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
السيدات الفضليات، السادة الافاضل،
فضلا عن هذا الجهد الوطني، فإن الجزائر حاضرةً بقوة في المحافل الأممية والإقليمية، تُفيد وتتشاور وتتعاون، وتعتمد ما تمّ إقراره من مواثيق وتلتزم بها ضمن قوانينها الداخلية.
كما عمدت إلى إتباع نهج قائم على حقوق الإنسان فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على ضوء برنامج العمل الأممي المسطر إلى غاية عام 2030 حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويضاف هذا كله إلى التزام بلادنا الراسخ بتحقيق السلام والأمن في محيطها وعلى المستويين الإقليمي والدولي، بإتباع مقاربة قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز التسوية السلمية للأزمات والنزاعات، وتبنـي مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ونشر ثقافة السلم والتضامن وترقية قيّم السلام والمصالحة، وهي مواقف يثبت التاريخ وتثبت التجارب كل مرة حكمتها.
ولقد كلل سعي بلادنا للدفاع على هذه القيم عبر مختلف المنابر القارية والدولية بتقدير المجتمع الدولي، وتُرجم بانتخاب الجزائر عضوا غير دائم في مجلس الأمن لمدة سنتين وإعادة انتخابها لعهدة جديدة في مجلس حقوق الإنسان للفترة 2023-2025، وكذا تجديد عضويتها في المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب للفترة 2024-2030.
السيّدات الفضليات، السادة الأفاضل،
تؤمن الجزائر بالعمل متعدد الأطراف وتدعم التعاون مع المنظمات والآليات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وهو ما يعكسه سعيها على الوفاء بالتزاماتها في هذا المجال، من خلال السهر على تقديم التقارير الدورية أمام مختلف الآليات الدوية والجهوية لحقوق الإنسان، وكذا التعاون الوثيق مع مختلف هذه الآليات التعاقدية وغير التعاقدية، وفي هذا الإطار فقد استقبلت شهر سبتمبر المنصرم المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، ويرتقب استقبال المقررة الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان.
ولا شك بأن احتضان بلادنا لهذا الحدث الإفريقي الذي ستدوم أشغاله لغاية 04 ديسمبر الـمقبل لهو كذلك دليل على هذا الاهتمام وهذا الالتزام الثابت لبلادنا بترقية حقوق الإنسان والإسهام في حمايتها.
في الختام، أجدد الترحيب بضيوف الجزائر، متمنيا النجاح التام لأشغال دورة المحكمة وكذا لفعاليات منتدى الحوار القاري الذي سيتخللها، وأن يضيف كل ذلك لبنة جديدة لترقية حقوق الإنسان وحمايتها.
أشكركم على كرم الإصغاء
والسّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
كلمة الوزير الأول
افتتاح الدورة العادية (71) للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب