منال.ب
يصفها الجميع بأنها ولاية الإمكانيات الكبرى والمقدرات المهولة، فمن شواطئ خلابة بكر وغابات ممتدة تغط أكثر من 60 بالمئة من مساحة الولاية الكلية، وبحيرات عذراء ومناطق رطبة منها ما هو مصنف عالميا وفق اتفاقيات رامسار العالمية لأراضي زراعية خصبة على امتداد البصر، مرورا بثروة سمكية ومرجان هو الأجود عالميا، فانتهاء بكونها ولاية حدودية تستطيع أن تكون قطبا لوجستيكيا مهما لكن وللأسف واقعها اليوم لا يرق لمقدراتها ولا لأمال وتطلعات ساكنتها حتى لقبوها بعد يأس بولاية الإختلالات .
ولاية الطارف التي أنشئت بموجب التقسيم الإداري سنة 1984 بعدد 7 دوائر و24 بلدية تعيش واقعا تنمويا أقل ما يوصف به أنه مزر وكارثي، فرغم تعدد البرامج المركزية التي استفادت منها الولاية بأغلفة مالية مهولة تبقى واحدة من الولايات التي تقبع في مؤخرة الولايات تنمويا على مستوى الوطن.
ولاية الصحة المعتلة
قطاع الصحة وعلى أهميته يبقى من القطاعات التي تشهد اختلالات كبرى، فرغم استفادت الولاية من مستشفى بقدرة 240 سريرا بدائرة البسباس، إلا أنه لم يستطع تقليص النقص المسجل خاصة مع الاختلالات المسجلة على مستوى الإمكانات البشرية والمادية ففشل في أن يتحول لقطب طبي ولائي يجنب المواطن عناء التنقل لولايات مجاورة في ظروف قاسية لغياب سيارات الإسعاف الطبية غالبا، وافتقار الكثير من المواطنين للمقدرة المالية التي تسمح لهم بنقل مرضاهم حتى أطلق سكان الولاية على الطريق الوطني 44 الرابط بين ولايتي الطارف وعنابة تسمية طريق الموت وليس مستشفى البسباس وحده من يعرف مثل هكذا نقائص بل أن مستشفى بوحجار من جهته ورغم بعض الإمكانات والأجهزة الحديثة يبقى يعاني نقص الأطقم الطبية المختصة، ما يستدعي الاستنجاد بطواقم من العاصمة في إطار التوأمة وهو نفسه الإشكال الذي تعانيه دائرتي بن مهيدي وبوثلجة ناهيك عن المداشر والقرى والمشاتي بواقعها الصحي الصعب لتبقى المعاناة والإشكالات التي لا تنتهي مع مواعيد تتجاوز خاصة بعد تراكم المواعيد جراء وباء كورونا .
ولاية المياه تعاني العطش
ولاية الطارف، التي تحوز موارد مياه جوفية معتبرة إضافة لتواجد عدد من السدود والحواجز المائية والينابيع ذات الخصائص العلاجية المتفردة والتي تؤكد كل الدراسات وفرتها وسطحيتها وسهولة استغلالها، كثيرا ما عاش سكانها جحيم العطش خصوصا صيفا مع توافد ملايين المصطافين لأسباب لم تعد مقبولة تماما لدى المواطن كإهتراء القنوات وضعف المضخات وانقطاع التيار الكهربائي بل أن عديد الآبار الارتوازية الكبرى تماما كما السدود غزاها الطمي وغمرتها الأوحال، لتتحول الولاية لمرتع كبير لأصحاب الشاحنات والصهاريج الذين يمنون على المواطن بماء شرب لا يعلم غالبا مصدره ولا نوعيته بأثمان أرهقت المواطنين وجعل مفهوم الخدمة العمومية في خبر كان.
السكن الحلم المؤجل
مع مرور السنوات و زيادة عدد السكان تحول حلم الحصول على مسكن لكابوس حقيقي يؤرق ساكنة الولاية فمع النقص الفادح لمؤسسات الإنجاز وعديد العراقيل الإدارية التي تخص العقار بشكل خاص، تحول حق الحصول على سكن في لكابوس حقيقي يستمر لسنوات ومشاريع عدل بالولاية خير دليل بل أن عديد المشاريع السكنية المنجزة لم ترتق لتكون مشاريع متكاملة في ضل غياب أو نقص المرافق العمومية كالمدارس وقاعات الرياضة و العلاج ومحطات الحافلات والمساحات الخضراء، ما حول أغلب المشاريع لكتل إسمنتية ومراقد كبرى تغيب عنها تفاصيل الحياة الاجتماعية على تعدد أوجهها وهنا تحديدا تجدر الإشارة للسكن الريفي المجمع الذي تحول “لقيطوهات” حقيقية.
وتجدر الإشارة، كذلك لعدم توزيع عديد البلديات لمئات لإستفادات من السكن الريفي بحجة غياب الأوعية العقارية ما قد يهدد بإلغائها حارمين آلاف الأسر من مسكن محترم.
الفلاحة حدث ولا حرج
كان بإمكان ولاية الطارف أن تكون قطبا فلاحيا بامتياز خصوصا ما تعلق بالصناعات الغذائية التحويلية وشعبة الطماطم الصناعية تحديدا غير أن عديد العراقيل تحول دون ذلك، لعل أهمها مشكل العقار الفلاحي، إذ أن أغلب المحيطات التي كان مبرمجا توزيعها لم تتحرك قيد أنملة منذ سنوات ما يرهن توسع المساحات ويعرقل الاستثمار في الشعبة التي تعاني أصلا و منذ سنوات من نقص فادح في وحدات التحويل الكبرى ومشاكل التسديد التي تطول لأشهر طوال ما خلق وسطاء ومتدخلين بين الفلاحين والمحولين بشكل شبه قانوني كما أن مشكل غلق عديد الوحدات العمومية زاد الطين .
كما تعتبر شعبة الأشجار المثمرة خصوصا منها الحمضيات والكروم واحدة من أهم شعب الإنتاج النباتي بالولاية لكن غياب سوق جملة على مستوى الولاية و مشاكل مياه السقى وتصريف مياه الوديان والتهاطلات يرهن مستقبل الشعبة و يجعله مبنيا للمجهول.
كما واجه الكثير من الشباب عراقيل إدارية منعته من التوجه نحو إنتاج الفستق الحلبي ببوحجار، والفول السوداني ببريحان والقالة والبطاطس ببن مهيدي وغيرها من المنتوجات ذات القيمة الاقتصادية العالية ليبقى الحديث عن حلول حقيقية مؤجلا إلى حين .
الاستثمار والصناعة الغائب الأكبر
باستثناء بعض الوحدات الصناعية الصغرى والمتوسطة التي تعد على أصابع اليد الواحدة، لم تستطع ولاية الطارف أن تحقق طفرة صناعية كبرى، رغم أن جل المسؤولين يتحدثون عن مناطق النشاطات وقدرتها الإستيعابية، وما رصد لها من أموال مهولة للتهيئة والربط بمختلف الشبكات متناسين تقديم أرقام عن عدد الوحدات التي دخلت الخدمة وما حققته من نتائج على مستوى التشغيل ونقل التكنولوجيا والمناولة وعائدات التصدير وخارطة التوزع والتأثير على البيئة، بل متناسين حتى ذكر النسبة المئوية للمؤسسات التي دخلت فعلا حيز الإنتاج والخدمة في مفارقة غريبة بولاية حدودية بإمكانها أن تتحول لنقطة تصدير وجلب للعملة الصعبة .
العراقيل الإدارية… الكابوس
رغم عديد التوصيات والأوامر والإرساليات وإلحاح الحكومات المتعاقبة على ضرورة تقريب الإدارة من المواطن و فتح أبواب الحوار في كل المجالات وعلى جميع المستويات إلا أن المواطن الطارفي يعاني البيروقراطية، ما جعل المواطن يلجأ لغلق الطرقات والاحتجاج أمام مختلف الإدارات والمديريات عله يجد حلولا لمشاكله في ضل غياب ثقافة التواصل وهو تحديدا ما رفع من درجة الاحتقان وقطع حبل الثقة بين المواطن والمسؤولين، فلم تسجل بالولاية لقاءات حقيقية وجدية بين المواطنين والمسؤولين لطرح الانشغالات والتفكير في حلول براغماتية واقعية مضبوطة بآجال، عملا بمبدأ الديمقراطية التشاركية، بل أن مسؤولي القطاعات غالبا ما يكتفون بوعود عابرة خلال خرجاتهم وزياراتهم سرعان ما تذروها رياح الأيام و تقبرها هشاشة الوعود .
كل الآمال مؤجلة
مع كل هذه الإشكالات، كعينات بسيطة وغيرها كثير بقطاعات أخرى، يعيش المواطن الطارفي أزمات حقيقية على كل الأصعدة وفي مختلف المستويات، جعلت كل أماله بتغيير جذري مرهونا بتغير آليات التسيير وطرق التعاطي على مستوى الولاية. وفي ترقب تغيير طال انتظاره، تستمر المعاناة بولاية حدودية يبدو أن عقارب مستقبلها ضبطت على وعود مبنية للمجهول.