ابتسام بلبل
قالت مصادر مطلعة لـ”الصريح” أن السلطات الجزائرية تتفاوض حاليا وتبحث مع الشريك الايطالي فرص الشراكة في مسألة صناعة السيارات.
وقد شرع فعليا مؤخرا في البحث عن مناولين لهذا المشروع، مشيرة إلى أن هذا المشروع من الممكن أن يدخل مرحلة التجسيد بعد الانتهاء من إعداد دفتر الشروط الجديد الذي يؤطر هذا النشاط، ضمن الإستراتيجية الجديدة التي سطرتها الحكومة وبقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لإحياء هذه الصناعة على أسس متينة تخرج عن الممارسات السابقة.
وإلى جانب المجموعة الايطالية، أبدت نحو 5 مجموعات عالمية مختصة في صناعة وتسويق السيارات رغبتها في الاستثمار في السوق الجزائرية عبر إنشاء وحدات لإنتاج أو كمرحلة أولى التركيب دون الاستفادة من أي إعفاءات جبائية أو امتيازات على مستوى الضرائب.
كما أعلنت حسب مصادرنا قبولها بكافة الشروط التي تقرها الحكومة لضمان تحقيق استثمار نزيه وذي جدوى اقتصادية، وتنتظر حاليا رد السلطات، في وقت غادر مستثمرون سابقون السوق على غرار “فولكسفاغن” التي انتهى عقد شراكتها مع “سوفاك” نتيجة حالة الضبابية التي لا تزال تشهدها السوق.
ويتعلق الأمر، وفقا لذات المصادر، بمتعاملين فرنسيين، ومتعاملين من كوريا الجنوبية في مجال المركبات النفعية ومتعامل صيني.
وتصل احتياجات السوق الجزائرية حاليا حسب متتبعين إلى نصف مليون مركبة تسيل لعاب المنتجين العالميين للسيارات رغم كل ما يتم تداوله من بعض الأطراف عن عزوف المستثمرين عن قطاع السيارات في الجزائر، إلا أن المسؤولينحسب خبراء ومتابعين للملف مطالبون اليوم بالفصل في هذه الملفات، قبل النظر في بقية الطلبات خاصة أن بعض المتعاملين لا ينتظرون أي تحفيزات أو إعفاءات.
وينتظر حاليا الكشف عن نتائج عمل اللجنة التقنية المتواجدة على مستوى وزارة الصناعة والمكلفة بدراسة ملفات اعتماد استيراد السيارات، والتي شرعت في العمل منذ مدة.
فيما قالت مصادر مطلعة بحر الأسبوع الجاري أن اللجنة المكلفة بإعداد دفتر الشروط المتعلق باستيراد السيارات، أنهت إدراج التعديلات المطلوبة تمهيدا لعرضه على الحكومة.
وتسلمت اللجنة ما بين القطاعات الوزارية المكلفة بالملف نسخة المشروع النهائية وعقدت اجتماعات في هذا الصدد من أجل المصادقة عليه ووضعه على مستوى الأمانة العامة للحكومة حسب ما كشفته مصادر مطلعة.
وقدمت وزارة الصناعة في وقت سابق مقترحات للوزارة الأولى لإدراج عدد من التعديلات من بينها إلغاء نظام “الكوطة” لاستيراد السيارات وإلغاء منع استيراد السيارات للمركبات التي تتجاوز قدرة محركها 1.6 لتر، وقد تلقت وقتها الموافقة في هذا الشأن .
وأمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في اجتماع لمجلس الوزراء شهر ديسمبر 2021 بالمراجعة الفورية لدفتر شروط استيراد السيارات، والإسراع في الإعلان عن الوكلاء الذين يحوزون على الموافقة.
وشدد الرئيس تبون وفق بيان توج الاجتماع على إلزامية توفير شبكة خدمات ما بعد البيع، جهويا وفي المدن الكبرى، كشرط لقبول ملفاتهم، من جهته، صرح وزير الصناعة أحمد زغدار في شهر فيفري الماضي أنه تم إدراج تعديلات على النسخة الجديدة لدفتر الشروط.
وكشف عن وجود 73 ملف مودع من قبل المتعاملين الاقتصاديين لاستيراد السيارات سيتم معالجته من قبل اللجنة المختصة بينما تم تقديم 46 طعنا، وعرف دفتر الشروط السابق انتقادات من الراغبين في الاستثمار في مجال استيراد وتركيب السيارات نظرا لما اعتبروه بعض البنود التعجيزية التي تضمنها، وقد نجم عن ذلك التحفظ على عشرات الملفات التي تسلمتها اللجنة التقنية المكلفة بدراسة ومنح الاعتمادات.
وللإشارة، أُغلقت مصانع سيارات وسُجن مالكوها وطُرد آلاف العمال منها بعد أ تحوّل مشروع بناء مصانع لتجميع السيارات في الجزائر والذي كان يفترض أن يصبح فخر الاقتصاد الوطني، إلى إخفاق تام، ما أجبر السلطات على إعادة النظر في المشروع برمته.
فبسبب التجاوزات والاختلاسات والفساد، انهار مشروع إنتاج سيارات بوسم “صُنع في الجزائر” الذي بدأ عام 2012، بشراكة بين شركة “رينو الفرنسية” أثمرت في العام 2014 عن إنشاء أول مصنع لإنتاج السيارات بوهران، وتبع ذلك إنشاء ورشات تجميع أخرى عندما أجبرت السلطات وكلاء السيارات على إنتاج بعض القطع محليا من خلال شراكات مع العلامات التجارية الأجنبية، وبعد رينو الفرنسية، افتتحت “هيونداي” الكورية الجنوبية و”فولكسفاغن” الألمانية مصانع في تيارت سنتي 2016 و2017.
وتحول القطاع إلى أولوية للحكومة حينها التي كانت تسعى لتقليص وارداتها وتنويع اقتصادها في مواجهة تراجع عائدات النفط الذي يشكل مصدر أكثر من 90٪ من العملة الصعبة، ولكن في الثلاثي الثاني من سنة 2017، وجد القطاع نفسه في خضم جدل شعبي كبير انتقل إلى الحكومة.
وشجبت السلطات “واردات مقنعة ” لسيارات جاهزة فأرسلت لجنة تحقيق إلى شركة “هيونداي” بعد نشر صور على مواقع التواصل الاجتماعي لنماذج مستوردة لسيارات شبه كاملة، لا ينقصها سوى تركيب العجلات.
وفي نهاية عام 2017، أوقف وزير الصناعة الأسبق محجوب بدة، المتواجد حاليا رهن الحبس لدوره في القضية.
وفي ديسمبر 2019، أوقفت “فولكسفاغن” إنتاجها إلى أجل غير مسمى بسبب نقص قطع الغيار وتسريح 700 عامل، ثم في ماي 2020، قامت الشركة الوطنية التابعة لشركة “كيا” الكورية الجنوبية بغلق مصنع التجميع، ما أدى إلى طرد 1200 عامل.
ويرجع هذا الفشل الذريع في قطاع الصناعة سابقا بشكل أساسي إلى النظام المعتمد “أس كي دي” الذي يتمثل في استيراد السيارة في أجزاء مجمعة مسبقا، يتم تركيبها في الموقع، وفتح ذلك الطريق لتجاوزات مثل الاستيراد “المقنع” وتحويل غير قانوني للأموال نحو الخارج وتضخيم فواتير استيراد السيارات ثم سعرها في السوق.
ولكن غداة انتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون شجب بعض المشاريع التي قال أنها “لا يمكن وصفها بصناعة لأنها ببساطة استيراد مقنع”، ووعد بإصلاح القطاع الذي شابه الفساد، والتأسيس لصناعة حقيقية للسيارات بالجزائر.