سلوى لميس مسعي
نشر مؤخرا الكاتب والإعلامي رشدي رضوان مقالا مطولا حول فيلم “هيليوبوليس” وهو آخر أعمال المخرج جعفر قاسم الذي اشتهر بالأعمال التليفزيونية على غرار “عاشور العاشر” و “جمعي فاميلي ” .
وقدم الإعلامي رشدي رضوان قراءة نقدية مميزة في هذا العمل متناولا شخصية “القايد ” أو الحركي ، وأدى الدور الممثل عزيز بوكروني، وهو مقداد زناتي في فيلم هيليوبوليس من منظور سينمائي أولا وربطه بالأفلام الثورية على غرار” وقائع سنوات الجمر “للخضر حامينا الحائز على السعفة الذهبية سنة 1974 و”بني هندل” أو “المُقتلعون” (1977) لِلَمين مرباح، و”بو عمامة” (1985) لبن عمر بختي وأشار الكاتب أنه “في هذه الأفلام، يظهر القايد في صورة نمطية، مرتدياً “برنوساً” أبيض وأحمر، بعنجهية سليطة مع أبناء جلدته، و وعيد دائم لمخالفي أوامر “السيّدة فرانسا”، التي “أنعمت على الجزائريين المتوحّشين والأنذال بحضارتها وثقافتها”. يشترك خطاب القايد في تلك الأفلام بمصطلحاته وتعابيره: في فيلم حامينا، يتلذّذ القايد بشتم القرويين البائسين، مُسارعاً إلى ترجمة أوامر السلطة الفرنسية بحرص كبير، ولا يُمانع في تعذيب ميلود المجنون وجرّه مُقيّداً بحصانه. هذا موجودٌ في فيلم مرباح، مع توطيد بؤس المُهجّرين المسلوبة أراضيهم، واستعمال قاموس الإهانة نفسه.
في فيلم بختي، يزيد القايد عنجهيته بإهانة نساء القبيلة، ومعايرتهنّ بقتل رجالهنّ الذين تطاولوا على الأمّ “فرانسا”، ويصدح: “هذا جزاء اللي يخدع دولتنا، دولة فرانسا المنصورة”.
وأضاف في نفس السياق أن المخرج جعفر قاسم حول آخر مشهد في فيلمه إلى ملصق له: صورة مقداد زناتي حاملاً بندقيته على كتفه، في حقل قمح ممتدّ وراء ظهره نحو أفق رمادي، تعلوه طائرات حربية. لوهلة، تبدو الصورة لبطلٍ مُقاومٍ في ميدان الحرب. رجلٌ ذو ملامح واثقة، يشدّ على بندقيته في مواجهة عدوّه المدجّج بالطائرات.
وقام رشدي رضوان بمقاربة تاريخية للصورة النمطية المترسخة في المخيال الجمعي للمشاهدين الجزائريين من خلال عرض مفصل لمجموعة من الأدوار التي حصر فيها صناع السينما الممثل مُؤدّي دور الحركي المركّب والحسّاس في الأفلام الثلاثة رجل واحد: الفنان الجزائري الراحل محمد جديات، المعروف بسيساني (1933 ـ 2003)، لحدّة ملامحه، ولقدرته على تقمّص الدور. حتى في “الشبكة” (1976) لغوثي بن ددوش.
حيث يظهر في هذه الأفلام، القايد في صورة نمطية، مرتدياً “برنوساً” أبيض وأحمر، بعنجهية سليطة مع أبناء جلدته، ووعيد دائم لمخالفي أوامر “السيّدة فرانسا”، التي “أنعمت على الجزائريين المتوحّشين والأنذال بحضارتها وثقافتها”. يشترك خطاب القايد في تلك الأفلام بمصطلحاته وتعابيره: في فيلم حامينا، يتلذّذ القايد بشتم القرويين البائسين، مُسارعاً إلى ترجمة أوامر السلطة الفرنسية بحرص كبير، ولا يُمانع في تعذيب ميلود المجنون وجرّه مُقيّداً بحصانه. هذا موجودٌ في فيلم مرباح، مع توطيد بؤس المُهجّرين المسلوبة أراضيهم، واستعمال قاموس الإهانة نفسه. في فيلم بختي، يزيد القايد عنجهيته بإهانة نساء القبيلة، ومعايرتهنّ بقتل رجالهنّ الذين تطاولوا على الأمّ “فرانسا”، ويصدح: “هذا جزاء اللي يخدع دولتنا، دولة فرانسا المنصورة”.
والفيلم عن المقاومة ومواجهة الشرّ، وعن الثورة ضدّ مغتصب. مقداد زناتي مُجاهد مقاوم معروف، لكنْ قد يكون شخصية خيالية، أو جندياً مجهولاً، وربما مثّلت سيرته روح المقاومة الشعبية للاستعمار. وفق الملخَّص، ليس مقداد زناتي مُضطَهَداً من عامّة الشعب، ولا شاباً متحمّساً لأفكار ثورية. إنّه ابن القايد زناتي (“القايد” رجلٌ خاضعٌ للمستعمِر الفرنسي ضدّ أبناء جلدته)، صاحب مزرعة كبيرة، ومُحبّ للحياة الفرنسية، التي يحافظ عليها ويحرص على توريثها لابنه وابنته. صديق الفرنسيين، وربّ عائلة ذات امتيازات كولونيالية واضحة. يعتمر قبّعة كولونيالية، ويرتدي بذلة أنيقة. يحتفظ بأوسمة أجداده “القيّاد”، وبلباس الخدمة الفرنسية، وبمكانة خاصة في صالونات الحياة الفرنسية في هيليوبوليس.
“وعن فيلم هيليوبوليس”قال رشدي رضوان في الأخير مُحبك تقنياً. لا تسمعُ فيه طلقات رصاص كثيرة، أو ألعاب نارية صاخبة. فيلمٌ يشدّ إلى مشاهدته، الجدير بها. حضور عزيز بوكروني وفوضيل عسّول ومراد أوجيت محبَّب. خلال مشاهدته، يُطرح سؤال: هل تصلح سهيلة معلّم للسينما؟ الفيلم يعزّز قيمة جعفر قاسم وكفاءته الفنيّة، في فترة حجر فني قبل نحو ثلث قرن على تفشّي كورونا.
ويحظى الفيلم بمتابعة جماهيرية واسعة منذ انطلاق جولته عبر الولايات الكبرى حيث حط الرحال في عنابة بعد عرضه الشرفي بأوبيرا الجزائر العاصمة وسط حضور مميز لطاقم الفيلم ووزيرة الثقافة والفنون ووفد فني رفيع.