وردة قانة
تشهد أروقة المحاكم ومجلس القضاء بولاية عنابة، مؤخرا تناميا كبيرا لظاهرة الاعتداءات الجنسية التي تستهدف فئة الأطفال والقصر، حيث أصبح المعتدون يستدرجون هذه الفئة الهشة بكل سهولة، مستغلين مواقع التواصل الاجتماعي وغياب الرقابة الأبوية والمشاكل العائلية، حيث أصبحت قاعات محكمة الجنايات لا تخلوا من قضايا اغتصاب القصر بشكل يومي خلال أغلب الدورات الجنائية.
أغلب قضايا الاغتصاب ترتبط بالمخدرات والأقراص المهلوسة
حيث كشف الرقيب الأول باجي عامر قائد فرقة حماية الأحداث بالنيابة في حديثه لـ”الصريح”، بأنه تم خلال سنة 2023 تسجيل أزيد من 362 قضية تتعلق بفئة القصر، من بينها 187 قضية تمت معالجتها من قبل فرقة الأحداث كون الضحية والمشتكى منه قاصران، و175 قضية تمت معالجتها بالتنسيق مع باقي فرق الدرك الوطني كون أحد طرفي القضية قاصر، مضيفا بأنه تم تسجيل خلال هذه السنة حوالي 30 قضية تتعلق بالاغتصاب، الفعل المخل بالحياء والتحرش الجنسي، إضافة إلى عدة قضايا تتعلق بالخروج من المنزل، حيث تحرص الفرقة على استقبال الضحية القصر وسماعهم وتقديم النصائح والتوجيهات للابتعاد عن مختلف مظاهر الانحراف، وتوفير جميع الإمكانيات لأخذ تصريحات القصر بطريقة تحافظ على الاستقرار النفسي لهم، لاسيما في قضايا التحرش والاغتصاب، حيث توفر فرقة الأحداث بالمجموعة الإقليمية للدرك الوطني بعنابة طقم تركيب الصور لسماع الأطفال الذين يقعون ضحية لمختلف مظاهر الاعتداء والتحرش، وهو طقم من الصور يشبه الألعاب التركيبية تساعد الطفل على تحديد مواصفات وهوية المشتبه فيه، وقد أضاف محدث “الصريح” بأن فرقة حماية الأحداث للدرك الوطني تم إنشاؤها للتكفل بالتحقيقات التي يكون أحد أطرافها حدثا، ومراقبة الأماكن التي يتردد عليها الأحداث لتفادي أي خطر مادي أو معنوي قد يتعرضون له، وتحسيسهم بمخاطر الانحراف ونتيجة السلوكيات غير المتحضرة التي قد يتعرضون لها، من خلال تنظيم عمليات التوعية والتحسيس على مستوى المؤسسات التربوية والتكوينية والأندية والمخيمات الصيفية وغيرها، وإعادة إدماج القصر في الوسط العائلي والمدرسي ومراقبة الأطفال وحمايتهم من الاستغلال سواء من طرف الأولياء أو من طرف الآخرين.
كما أضاف الرقيب الأول باجي عامر، بأنه في كل مرة يتم استقبال قاصر يكون ضحية في قضية اعتداء أو تحرش، يتم تنظيم العديد من الجلسات من أجل التعرف على الأسباب ومعاقبة جميع المتورطين، إضافة إلى خلق الثقة وبعث شعور بالأمان لدى القاصر أو الطفل، كما يتم تقديم نصائح للأولياء لحماية أبنائهم من مختلف المخاطر، وتوجيههم لعرض أبنائهم على أطباء نفسيين أو الطبيب الشرعي إذا اقتضت الضرورة، وفي ذات السياق، أشار الرقيب الأول إلى أن أغلب مشاكل الاغتصاب التي يتعرض لها القصر والأطفال تكون غالبا مرتبطة بوجود آفة المخدرات والأقراص المهلوسة، حيث قد يكون المشتكي منه مستهلك لهذه الآفة أو يستخدمها في إخضاع الضحية بدسها في المشروبات أو إجبارهم على تناولها، إضافة إلى المشاكل العائلية التي قد تدفع القاصر للخروج إلى الشارع الأمر الذي يسمح للغرباء باستغلالهم، وكذا غياب الرقابة والتوجيه من قبل الأولياء الذي ينتج عنه مرافقة أصدقاء السوء، وسوء استعمال مواقع التواصل الاجتماعي التي يستغلها المنحرفون لاستدراج القصر وتحريضهم على الأعمال غير الأخلاقية، مضيفا بأن أغلب قضايا التحرش والاغتصاب يكون ضحاياها من قاطني الأحياء الفوضوية والتجمعات السكنية الجديدة وكذا السكنات المقتحمة والمعزولة، خاصة منها المتواجدة بحي السرول، واد النيل، حجر الديس، ذراع الريش القديمة والمدينة الجديدة بن مصطفى بن عودة.
أطفال وقصر ضحايا الأولياء قبل المعتدين
كما أكد الأستاذ قليل طارق محامي معتمد لدى المحكمة العليا، على أن ظاهرة الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها القصر ترجع بدرجة أولى إلى غياب الوازع الديني وتفشي الآفات الاجتماعية على رأسها المخدرات، حيث تتعلق أغلب قضايا الاعتداء على القصر باستهلاك أو ترويج المخدرات، أين تدور أحداث أغلب القضايا حول متعاطي للمخدرات أو مستهلكي المؤثرات العقلية، وغياب الرقابة والمرافقة من قبل الأولياء، كما تشترك أغلب القضايا في استدراج المتهم للضحية القاصر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلال الظروف العائلية التي يعاني منها القاصر، حيث يتم إقناع الضحية بالخروج من المنزل وتوفير لهم مختلف الإمكانيات ليتم بعدها استغلالهم عن طريق العنف أو بتوجيههم لاستهلاك المخدرات والأقراص المهلوسة، كما أشار الأستاذ قليل طارق إلى أن الرقابة الأبوية والمرافقة تلعب دورا كبيرا في تنمية الوعي لدى أبنائهم، حيث غالبا ما يتسبب الإهمال العائلي إلى وقوع الأطفال فريسة سهلة للمنحرفين، كما يتسبب عدم خلق جو من التفاهم والحوار بين الأبناء والأولياء في بناء حاجز بينهما، أين يصبح الطفل غير قادر على التعبير عن ما يتعرض له خارج المنزل من مضايقات متكررة من قبل بعض الأشخاص، كما أن غياب التربية الدينية والجنسية للأطفال يلعب دورا كبيرا في تعرضهم للاعتداء.
كما أكد محدث “الصريح”، على أنه تمت معالجة عدة قضايا كان فيها القاصر ضحية للممارسات التعسفية والعنف المنزلي قبل أن يكون ضحية في قضية اغتصاب، حيث يقوم عدد من الآباء المدمنين على المخدرات والمشروبات الكحولية بعث أبنائهم إلى الانحراف بشكل واضح، من خلال الاعتماد عليهم في شراء المخدرات والسماح لهم بالاحتكاك مع المنحرفين، فضلا عن تناول المشروبات الكحولية داخل المنزل بحضور الأبناء، إضافة إلى إدخالهم في المشاكل الخاصة بين الزوج والزوجة واستغلالهم للضغط على أحد الطرفين، الأمر الذي يدفع القاصر للجوء للغرباء كملاذ لهم خارج المنزل، ما يعرضهم للاستغلال وبالتالي يتوجه الضحية للانحراف، ليتمادى بعدها استغلال الوالدين للقاصر من أجل الحصول على المال حتى لو كان ذلك سيعرض أبناءهم للسجن، مشيرا إلى أن القصر الذين حضروا جلسات محكمة الجنايات بمجلس قضاء عنابة كضحايا في قضايا للاعتداءات الجنسية، حضروا جلسات أخرى بعد سنوات كمتورطين في قضايا مماثلة أو جرائم أخرى، أين يتنصل الأولياء تماما من مسؤوليتهم أمام المجتمع والجهات القضائية كما يرفضون دعم أبنائهم نفسيا وماديا، مضيفا بأن أغلب قضايا الاغتصاب والاعتداء على القصر من الجنسيين، التي يتم معالجتها يكون ضحاياها من قاطني الأحياء الفوضوية، والسكنات المقتحمة المعزولة، والمجمعات السكنية بالأحياء حجر الديس، بوزعرورة، ذراع الريش، واد الذهب 2، حيث يلعب الفقر وغياب الوازع الديني وتفشي المخدرات دورا كبيرا في الانتشار الواسع لهذه الظاهرة.
كما أكد الأستاذ قليل طارق، على ضرورة ربط الأولياء علاقات صداقة مع أبنائهم ومرافقتهم في مختلف نشاطاتهم، وكسر الحاجز بينهم للسماح لهم بالحديث بأريحية ودون خوف عن كل ما يحدث لهم خارج المنزل سواء في المدرسة أول الشارع، كما يؤكد على ضرورة توعية الأبناء وتربيتهم على الأسس الدينية وترسيخ الثقافة الجنسية، ليتمكنوا من تجنب مختلف المخاطر وحماية أنفسهم من المعتدين، مضيفا بأنه يجب على كل من الأب والأم مراقبة أبنائهم بدقة في تصرفاتهم اليومية وسلوكاتهم داخل وخارج المنزل، وخاصة استعمالهم للانترنات ومواقع التواصل الاجتماعي، كما يجب مشاركتهم في حل المشاكل التي يواجهونها ومعاملتهم بطريقة متوازنة بين التفهم والصرامة، وإبعادهم قدر الإمكان عن المشاكل العائلية وتجنب إظهار الخلافات الزوجية أمامهم أو إشراكهم فيها، كما أكد على ضرورة تجنب الاعتماد على الأبناء القصر والأطفال في قضاء حاجيات المنزل بمفردهم خاصة إذا كانوا يقطنون بأحياء فوضوية ومعزولة.
“مرافقة الأبناء وإدماجهم في النشاطات الرياضة يحميهم من الاعتداءات”
ومن جهتها أكدت نعيمة مغزيلي طبيبة نفسية بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة أبو بكر الرازي، على أن عدة عوامل قد تدفع الشخص للاعتداء على قاصر، منها الشعور بالنقص وعدم القدرة المالية للشخص التي قد تمنعه من التعامل مع فتاة في السن القانوني، حيث أن الفتاة القاصر تكون أسهل للاستغلال من قبل الشباب كونها ليست لها متطلبات مادية، ويتمكن من استدراجها بطريقة سهلة من خلال بعض الهدايا البسيطة كالحلويات، كما قد يدفع الأشخاص البالغين الذين يمتلكون الإمكانيات المادية للاعتداء على القصر لوجود اضطرابات نفسية وغياب الوازع الديني لديهم، كما قد يلجأ بعض الأشخاص المتزوجين للاعتداء على القصر بسبب الإدمان على الفيديوهات غير الأخلاقية التي قد ترسخ في ذهنه فكرة أن الاعتداء على القصر من الجنسيين شيء عادي ومفيد لهم، معربة عن أنه يجب توجيه هؤلاء الأشخاص للعلاج النفسي مؤكدة على أن هذه الحالات يمكن الشفاء منها عن طريق جلسات العلاج دون اللجوء للدواء، أما بالنسبة لأطفال الذين يتعرضون للاعتداءات الجنسية فقد أكدت الطبيبة مغزيلي، أنه يجب على الأولياء مرافقة أبنائهم ومعالجتهم نفسيا للتخلص من الآثار السلبية التي قد تترتب عن تعرض القاصر للاعتداء، مضيفة أن بعض الممارسات التي يقوم بها الأولياء اتجاه أبنائهم الضحايا تجعلهم يشعرون بالذنب، الأمر الذي قد يخلق مشاكل نفسية لديهم تتحول مع مرور الوقت إلى عناد وغضب يدفعهم إلى الوقوع في نفس الخطأ مجددا والعيش كضحية للمزيد من الاعتداءات أو التوجه للانحراف، بينما يمكن للطفل أن يعود إلى حالته الطبيعية ويتمكن من تخطي المشكلة في حال مواظبته على جلسات العلاج النفسي.
كما أكدت الطبيبة النفسية نعيمة مغزيلي، على ضرورة مرافقة ومراقبة الآباء لأبنائهم لاسيما خلال استعمالهم لمواقع التواصل الاجتماعي خاصة “الفايسبوك”، أين يتم جمع المعلومات عن القصر من خلال مشاركة أسئلة عن العمر والطول والوزن ومكان تواجدهم وغيرها من المعلومات الشخصية، أين يقوم القصر بالإجابة عن هذه الأسئلة دون وعي، فيما يقوم المعتدون بجمع المعلومات عن ضحاياهم ومن ثم استدراجهم بكل سهولة، كما دعت الأولياء لانتهاج أسلوب بسيط لترسيخ فيهم مبادئ دين الإسلام، وإدماجهم في مختلف الرياضات لتقوية قدراتهم الذهنية وبناء شخصيتهم ليتمكنوا من الدفاع على أنفسهم وتجنب التعرض للأذى وعدم الانقياد للغرباء، إضافة إلى منحهم الحنان والمعاملة اللينة لكسب ثقة أبنائهم.