ارتفاع جنوني لأسعار كراء الشقق المجهزة ونقص في هياكل الإيواء يُرهقان الزوار بعنابة

لمين موساوي

في وقت تشهد فيه ولاية عنابة توافًا كبيرا للزوار من مختلف جهات الوطن مع اقتراب ذروة موسم الاصطياف، تطفو على السطح أزمة قديمة متجددة تتمثل في النقص الفادح لهياكل الإيواء السياحي، لا سيما الفنادق المصنفة، يقابلها ارتفاع خيالي في أسعار كراء الشقق المفروشة، في ظل غياب تنظيم رسمي لهذا القطاع الحساس.

رغم أن عنابة تُعدّ من أهم الوجهات الساحلية في الجزائر، إلا أن الواقع يعكس ضعفًا هيكليًا في قدراتها الفندقية، عدد الفنادق ذات التصنيف المتوسط والرفيع لا يتجاوز العشرات، في مدينة تستقبل سنويًا عشرات الآلاف من السياح، خصوصًا في الفترة ما بين منتصف جوان وبداية سبتمبر، وقد بلغ سعر الليلة الواحدة في فندق ثلاث نجوم ما بين 9 إلى 15 ألف دج، بينما تتجاوز أسعار الفنادق الفاخرة كـ “شيراتون” حدود 3 ملايين سنتيم وهي أسعار تُعدّ بعيدة عن متناول أغلب العائلات الجزائرية التي تبحث عن إقامة اقتصادية ومريحة في آن واحد.

مليون  لليلة”… الشقق المفروشة تحلّق في عالم المضاربة

وبسبب هذا النقص، تحوّل كثير من المواطنين إلى الاستثمار في كراء الشقق المفروشة، غير أن الواقع سرعان ما انقلب إلى سوق فوضوي ومضاربة مفتوحة، حيث تُعرض شقق بمواصفات متوسطة أو حتى ضعيفة بأسعار تتجاوز المليون سنيتم لليلة الواحدة، وهو ما يعادل أحيانًا نصف راتب شهر كامل لموظف بسيط، وحسب شهادات تحصلت عليها “الصريح”، فإن العديد من المواطنين الذين حلوا بعنابة تفاجأوا بارتفاع غير منطقي للأسعار مقارنة بالسنوات الفارطة، دون أي مبرر حقيقي. تقول إحداهن، زائرة من الجزائر العاصمة: ” حجزنا شقة في حي “لاكولين روز” بـ 9 آلاف دج لليلة، لا يوجد ماء ساخن، ولا تكييف، وصاحب الشقة رفض أي نقاش أو تخفيض”، في المقابل، يدافع بعض الملاك عن أنفسهم بأن الطلب المرتفع، وتكاليف الكهرباء والماء والصيانة خلال موسم الذروة، تبرر هذه الأسعار، إلا أن غياب أي إطار قانوني يُنظّم السوق يجعل الأمور عرضة للاستغلال.

وما يزيد الوضع تعقيدًا هو غياب الرقابة الفعلية من الجهات المعنية فلا توجد بيانات رسمية دقيقة عن عدد الشقق المؤجرة، ولا يُطلب من الملاك أي ترخيص أو اعتماد، في مخالفة واضحة للقوانين المنظمة للنشاط السياحي، كما أن أغلب عمليات الكراء تتم بطرق عشوائية، سواء عبر وسطاء في الشارع أو مجموعات على فيسبوك وتطبيقات الهواتف الذكية، وسماسرة دون أي ضمان للزائر بخصوص جودة الإقامة، أو حتى أمنه وسلامته.

ورغم بعض الوعود السابقة من السلطات المحلية بشأن دعم الاستثمار في القطاع الفندقي، فإن الواقع يُبيّن أن عنابة لم تستفد منذ سنوات من أي مشروع فندقي كبير جديد، في وقت تشهد فيه ولايات أخرى مجاورة توسعا في النزل والمركبات السياحية، ما يجعل من عنابة نقطة جذب “ناقصة البنية”، ويشتكي العديد من المستثمرين الذين التقت بهم “الصريح” من الإجراءات البيروقراطية المعقدة، وتأخر رخص البناء والربط بشبكات المياه والكهرباء، إضافة إلى غياب محفزات حقيقية لجلب المستثمرين إلى هذا المجال.

دعوات للضبط والتنظيم

في ظل هذا الوضع، يُجمع كثير من الفاعلين في المجال السياحي على ضرورة وضع منصة رقمية محلية تُنظّم عملية كراء الشقق المفروشة، وإصدار اعتماد بلدي أو ولائي لكل من يرغب في تأجير سكنه خلال موسم الاصطياف، إلى جانب تفعيل الرقابة على الجودة والأسعار من طرف مديرية السياحة وشرطة العمران، وتقديم تحفيزات جدّية للمستثمرين في المجال الفندقي والبدائل السياحية (النزل الريفية، الإقامات العائلية وغيرها(.

وإلى ذلك فإن عنابة التي طالما عُرفت بجمالها الطبيعي، وشواطئها الساحرة، وتاريخها العريق، تستحق أن تكون وجهة سياحية نموذجية، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق دون بنية تحتية مدروسة، وضبط سوق الإيواء، وإرادة سياسية حقيقية لتحويل الولاية إلى قطب سياحي فعلي، لا مجرد لافتة إشهارية في كتيبات الوزارة، فالزائر الذي يأتي ليُنعش المدينة اقتصاديا، ويُنعش ذاكرته بالذكريات، لا يجب أن يُعامل كمصدر ربح عشوائي، بل كشريك في التنمية، وهذا لن يحدث إلا عندما تتحوّل الإقامة السياحية من أزمة إلى فرصة.

 

مقالات ذات صلة

تحويل اعتمادات مالية كانت موجهة للتجهيز نحو مشاريع ذات أولوية بالعلمة

sarih_auteur

جرد مشاكل الفلاحين لحلحلتها وضبط أولويات القطاع بعنابة

sarih_auteur

عنابة.. مقترحات لتحسين تصميم مشروع المحطة متعددة الوسائط بذراع الريش

sarih_auteur