هكذا تصدّى جيش الجزائري لمحاولة قصف إسرائيل لقصر الأمم بالعاصمة

كشف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال زيارته الأخيرة إلى وزارة الدفاع الوطني، في خطاب أمام قيادات قواتنا المسلحة، أن إسرائيل خطّطت لقصف مقر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد بنادي الصنوبر في قصر الأمم بتاريخ 15 نوفمبر 1988، برئاسة الراحل ياسر عرفات، والذي أُعلن فيه عن قيام الدولة الفلسطينية.

وفي الحقيقة، فإن هذا السرّ الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية لأول مرة، يؤكد أن الجزائر المستقلة تملك جيشاً شعبياً متشبّعاً بقيم سلفه جيش التحرير الوطني، وهو في أتمّ الجاهزية دائماً لحماية التراب الوطني وردع كل من يقترب منه بنيّة السوء وتهديد سيادته وشعبه. وقد أثبت هذا الجيش ذلك في أكثر من مناسبة وموعد، ولعل ما وقع سنة 1988 أحد الأدلة على ذلك.

ففي هذا التاريخ الذي أعقب عدوان إسرائيل على الشقيقة تونس سنة 1985 في حمام الشط، حيث قام الكيان الصهيوني بشنّ غارة غادرة خلفت ما لا يقل عن 68 قتيلاً من الأبرياء، وكانت إحدى رسائله – على ما يبدو – التأكيد على قوّته وقدرته على الضرب خارج الشرق الأوسط. غير أن الدولة الجزائرية المتشبّعة بمبادئ أول نوفمبر أخذت ذلك على محمل الجد، وكان أول قراراتها يومها إخلاء مخيم المقاومة الفلسطينية في تبسّة وتحويله إلى ولاية البيّض الداخلية الواقعة في الجنوب الغربي. كما استُنفرت وحدات الجيش العاملة في البرّ والبحر والجوّ، وتمّ العمل على تحصين الدفاعات الجوية المضادة للطيران، ووُضعت الرادارات في حالة جاهزية دائمة وتأهّب قصوى.

وقد أكد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988 نجاعة التدابير الأمنية التي اتخذتها قيادة الجيش في السنوات القليلة التي سبقت هذا الموعد، حيث كانت قدرات الجيش الجزائري في ذروتها، وكانت منظومات الطائرات والصواريخ المضادة للطائرات والرادارات وفرق العمليات الميدانية تعمل بكفاءة عالية واحترافية معترف بها. ويعود الفضل في ذلك إلى قدرة الأفراد الذين دُرّبوا تدريباً مركزاً على إدارة وتشغيل العتاد. وبحسب الذين عايشوا تلك المرحلة، فقد تمّ تسخير معترضات عالية السرعة، كما تحرّكت طائرات “الميغ” للقيام بدوريات دائمة لمسح أي حركة مشبوهة في المجال الجوي والبري والبحري.

كما أن طواقم الإنذار كانت مجندة بالتناوب على الأرض، خاصة على مستوى البليدة وبوفاريك وعنابة ووهران. وكان حينها ضباط المجموعة 11 للصواريخ المضادة للطائرات في حالة تأهّب قصوى، وأقاموا دفاعات بعيدة عن العاصمة لحمايتها من كل خطر، واستُعملت صواريخ كانت قادرة على إسقاط الطائرات على بعد 25 كلم، مع اتخاذ تدابير صارمة تخص تشغيل المعدات ووسائل الاتصال والتحكم والتأكد من عملها دون خلل.

وأدّت مجموعات الدفاع الجوي عملاً لا يُقال عنه إلا إنه نموذجي بالمفهوم العسكري، خاصة في عنابة وعين وسارة وجنوب العاصمة، حيث تم تحديد أفضل الأماكن لنشر بطاريات صواريخ مضادة للطائرات قصيرة المدى. كما أنشأ الجيش منطقة حظر جوي يبلغ نصف قطرها 20 كلم حول العاصمة ومنطقة مراقبة مساحتها 100 كلم.

وفي قصر الأمم، تم نشر بطاريات صاروخية قصيرة المدى على عربات مدرعة لتكون الخط الأخير في الدفاع في حالة تمكن العدو من اختراق الخطوط الأمامية والوصول إلى الموقع. كما نُصبت رادارات لتحديد موقع العدو وارتفاعه لمسافات طويلة، وجميع البيانات التي تلتقطها الرادارات المختلفة تُنقل إلى جبل الشريعة، على بعد 60 كلم جنوب الجزائر العاصمة، إلى ما يسمى “مركز الكشف والتحكم” المسؤول عن إعطاء أمر إطلاق النار وتوجيه الطيران للاعتراض.

وعلى مستوى الرادار في عنابة، كان مركز التحكم يتعامل مع كل تهديد قادم من الشرق، لتتدخل البحرية الجزائرية عبر طرادات “كوني” المنتشرة على خط العاصمة وعنابة، لإعطاء المزيد من المدى للرادارات الأرضية. وتحت الماء، خرجت كل الغواصات الجزائرية لأكثر من شهرين؛ اثنتان من غواصات Romeo واثنتان من Kilo الجديدة لمطاردة المتطفلين المحتملين.

في 10 نوفمبر، ومع بدء المؤتمر، تمّ التقاط صدى راداري بواسطة الرادار الجزائري في عنابة والجزائر. كان يمثل تشكيلاً صغيراً من مقاتلات مجهولة قادمة من شرق البحر الأبيض المتوسط، كانت متفرعة نحو سردينيا بعد أن تجاوزت صقلية وأعادت تنظيم صفوفها في اتجاه الجنوب. وبالتوازي مع ذلك، أخبر أحد ضباط مركز السيطرة في الشريعة عن محطة استماع التقطت اتصالات طيّار من الخطوط الجوية الفرنسية كانت تحلّق فوق صقلية.

في نادي الصنوبر، حيث يقع قصر الأمم، كانت القاعة على وشك الإخلاء. أقلعت مقاتلتان من نوع MiG-21 واثنتان من MiG-23 MF، إذ كان الجميع متأكدين بنسبة 100٪ من أن الإسرائيليين سيعودون ويهاجمون. ونتيجة لذلك، نشر الجيش أحد مواقع صواريخ SA-6 القريبة، وأنشأ منطقة حظر جوي داخل دائرة نصف قطرها 20 كيلومتراً حول قصر الصنوبر. وكان زوج من طائرات MiG-25 يقوم بدورية جوية قتالية على ارتفاعات عالية، واثنتان على ارتفاع متوسط، عند وصول ممثلين فلسطينيين كبار.

وقال توم كوبر، وهو مؤلف متخصص في تاريخ الطيران العسكري، في مقال يتتبّع هذه الحادثة: “إن مقاتلات اعتراضية إضافية كانت في حالة تأهب في قواعدها”.

 

ليطوي بذلك الجيش الوطني الشعبي صفحة خطّها بحروف من ذهب في تاريخه المجيد الذي ورثه من سلفه جيش التحرير الوطني.

مقالات ذات صلة

تقاعس “الأميار” وضعف الرقابة وراء تأخر مشاريع التنمية في البلديات

sarih_auteur

الرئيس تبون يعلن عن موعد صدور القانون الأساسي للقضاء

sarih_auteur

الطقس.. أمطار رعدية غزيرة على عدة ولايات

sarih_auteur