الداخِلات مفقودات… والخارِجات مولودات في عيادات الولادة بالمغرب
فجّرت حادثة وفاة 8 حوامل في قسم الولادة بمستشفى الحسن الثاني بأغادير المغربية غضبًا شعبيًا واسعًا وغير مسبوق، وأشعلت موجة احتجاجات وردود فعل غاضبة على حالة التردي التي بلغتها الخدمات الصحية في المغرب. واعتبر آلاف الشباب الذين اجتاحوا الشوارع واحتلوها لأيام، أن ما حدث هو برهان على انهيار المنظومة الصحية لنظام المخزن، وتدهور كارثي لقطاع الصحة العمومية لا يمكن السكوت عنه، خاصة في مصالح الولادة والاستعجالات.
يحدث ذلك في الوقت الذي يهدر فيه نظام المخزن أرقامًا فلكية في سباق التسلح، وإقامة التظاهرات الرياضية ككأس العالم وكأس إفريقيا، وإنجاز ملاعب تفوق ميزانياتها قدرة الدولة، بينما يعاني المغاربة المقهورون من نظام ينتهج سياسة القمع والتفقير وحرمان الطبقات الشعبية المسحوقة من أبسط مقومات الحياة والكرامة، وعلى رأسها التعليم والصحة.
والشواهد هنا كثيرة ومتكررة، وعلى رأسها قطاع الصحة. فالولادة في المغرب لم تعد حدثًا سعيدًا للعائلات، إذ كثيرًا ما ترافقها الفواجع والأحزان بسبب وفاة قريباتٍ متأثرات بمضاعفات الولادة، أو نتيجة نقص التجهيزات الأساسية كالتخدير والدم. وتحولت عيادات الولادة إلى رمزٍ للبؤس والشؤم وخطف الأرواح بدل أن تمنح الحياة وتزرع الفرح في الأسر، خاصة في القطاع العام الذي يقصده أغلب المغاربة تحت وطأة الفقر.
ونفس المشاهد تتكرر في مستشفيات الدار البيضاء وخريبكة وبني ملال، حيث يصنع الاكتظاظ وسوء الرعاية الصحية مشهدًا عامًا يثير الشفقة والحزن على الأوضاع التي آل إليها المواطن المغربي نتيجة السياسات الرعناء لنظام المخزن الذي يطالب الشارع بسقوطه. فالحوامل يفترشن الأرض في غرف مكتظة تنعدم فيها التهوية، والمواليد الجدد يُوضعون جنبًا إلى جنب مع الأمهات، لأن أغلبهن مهمشات يدفعن ضريبة “الحقرة” لانتمائهن إلى أوساط اجتماعية هشّة يحكمها الفقر وسوء الحال وتفشي الأمية.
وأصبحت النساء المغربيات يشعرن بالذنب أثناء الحمل والإنجاب خوفًا على مصيرهن في عيادات الولادة، خاصة المصابات بأمراض مزمنة مثل السكري والضغط والقلب. وليس غريبًا أن تتقاسم النساء الحاضنات نفسها في تلك المصحات، أو أن يُعثر على رضّعٍ متخلى عنهم من طرف أمهات عازبات، وهي مأساة أخرى ناتجة عن ارتماء بعضهن في وحل الرذيلة والدعارة هروبًا من الفقر المدقع.
كما تتجلى مظاهر سوء التكفل والاستقبال وغياب الحميمية في تلك العيادات، والعجيب أن أطباء وممرضين يضطرون للجلوس على الركبتين لمراقبة الأمهات والمواليد الجدد بسبب انعدام المعدات، مما يزيد من إحراج النساء. أما الإصابات بالتعفنات فأصبحت من اليوميات المألوفة في مصالح التوليد، في حين يشتغل الأطباء في ظروف قاسية وغير لائقة، وتُجرى الولادات أحيانًا فوق طاولات غير مهيأة بسبب غياب العتاد المناسب.
أما جهاز الكشف بالصدى، فهو حلم في أغلب تلك المصحات، وإن وُجد فهو معطل لأشهر، إما لغياب الصيانة أو لكثرة الاستعمال. ويعيش الطاقم الطبي تحت ضغط دائم بسبب النقص الفادح في الموارد البشرية، خاصة في عطلات نهاية الأسبوع والعطل الرسمية. بل إن بعض أجنحة التوليد لا تتوفر حتى على أبواب، وإنما تفصلها عن قاعات الانتظار حواجز خشبية بسيطة، في مشهد مهين لإنسانية المرأة.
وفي صورة قاتمة للمشهد، قد تعيش المرأة الحامل كل تفاصيل معاناة الحمل وأوجاع المخاض وسط غياب غرف التدفئة والمياه الساخنة، خاصة في فصل الشتاء، بينما تُنقل النساء في المناطق النائية إلى المصحات على ظهور الدواب لغياب سيارات الإسعاف المتخصصة، مما يزيد في تعقيد الولادات ويضاعف الخطر.
كل هذا، وكل ما يجري في “الكوكب الآخر”، يجعلنا نفتخر بالقطاع الصحي المجاني في الجزائر، الذي وصلت خدماته إلى أبعد المداشر والقرى، وظلّ صمام أمان اجتماعي حقيقي يضمن كرامة المواطن وحياته.