اليسار مع رحيل ماكرون واليمين يطالب بحلّ البرلمان.. فرنسا تغرق في أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية

الصريح – خميسي غانم

قال سيباستيان لوكارنو، رئيس الوزراء المكلّف بتشكيل الحكومة، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب منه مواصلة المشاورات إلى غاية مساء اليوم الأربعاء، في محاولة للبحث عن مخرج للأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا، وذلك لتجنّب معضلة الفراغ السياسي التي تهدّد مؤسسات الدولة الفرنسية، في ظلّ التخبط الذي تعرفه إدارة الشأن العام، وما يترتّب عنه من تفاقم للأوضاع وتعميق للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى انفلات الأوضاع في الشارع وتراجع القدرة الشرائية وغليان غير مسبوق للجبهة النقابية.

وقد جاء تكليف لوكارنو بعد ساعات قليلة من إعلان استقالته من المنصب، ولا يُستبعد أن تفشل الحكومة القادمة أيضًا في نيل تزكية الجمعية الوطنية، لتدخل من الباب وسرعان ما تخرج من النافذة. ويحدث ذلك في ظل تجاذب سياسي غير مسبوق، وجّهت خلاله اتهامات خطيرة للرئيس إيمانويل ماكرون من قبل خصومه في المعسكرين، إما باتهامه بعدم امتلاكه رؤية واضحة، أو لفقدانه شرعيته السياسية مع عدم استقرار الحكومات المتعاقبة منذ توليه الحكم في عهدته الأولى، إضافة إلى غياب التوازن وضعف الانسجام داخل السلطة.

تأتي هذه التطورات في ظلّ أزمة خانقة لم تعرفها فرنسا من قبل، خاصة بعد تزايد ضغط المعارضة وتخييم حالة التوتر والخلافات على الأغلبية البرلمانية داخل الجمعية الوطنية. ففي جهة اليسار، تطالب فرنسا الأبية بقيادة ميلونشون بتفعيل إجراءات العزل ضد ماكرون، معتبرة أن حلّ الأزمة التي خلخلت استقرار الدولة وعزلت قصر الإليزيه، وجعلت شرعية الرئيس على المحك، يكمن في الإطاحة به، وأن بقاءه لم يعد يخدم الدولة الفرنسية بأي شكل من الأشكال.

أما اليمين، فيرى أن المخرج قد يكون في حلّ الجمعية الوطنية والذهاب إلى انتخابات مسبقة، في حيلة سياسية هدفها الاستحواذ على الأغلبية الساحقة في البرلمان، مستفيدًا من نتائج سبر الآراء التي تشير إلى تصاعد شعبية اليمين، كما هو الحال في أوروبا. وهو ما عبّر عنه جوردان بارديلا، زعيم حزب التجمع الوطني، ومن خلفه مارين لوبان، بالقول إن “البلاد بحاجة إلى تطهير سياسي”، فيما سار على نفس النهج العنصري إريك زمور بقوله: “إن الانتخابات وحدها يمكن أن تعيد الثقة إلى الفرنسيين”.
من جانبه، قال برونو روتايو: “إن فرنسا لم تعد تحتمل المغامرات السياسية ولا القرارات الانفرادية للرئيس”.

وحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية، فإن نيران الغضب لم تعد مقتصرة على أحزاب المعارضة فحسب، بل امتدت إلى داخل اليمين التقليدي وبعض الشخصيات المقربة من السلطة، مما يضع الرئيس ماكرون أمام سيناريوهات محتملة أهمها:

إعادة تعيين لوكارنو

أبقى ماكرون هذا الخيار مفتوحًا بعد إعلان برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية السابق والمقرّب منه، انسحابه من الحكومة إثر تعيينه وزيرًا للدفاع، مما أدى إلى الأزمة الحالية. وقد أمهل ماكرون لوكارنو يومين لإجراء مفاوضات لجمع تأييد كافٍ لتشكيل ائتلاف حكومي، لكن نجاحه غير مضمون، خصوصًا مع عدم وجود أغلبية برلمانية واضحة. وقال الباحث في مركز السياسات الأوروبية بول تايلور إن “جوهر المشكلة لم يتغير، فحتى بوجود لومير أو من دونه، لا اتفاق على الميزانية أو إصلاح التقاعد أو الهجرة وغيرها من القضايا الأساسية”.

تعيين رئيس وزراء جديد

في حال تكليف رئيس جديد للحكومة، سيكون هذا الرئيس الثامن في عهد ماكرون منذ 2017، والثالث هذا العام، مما قد يضرّ بصورة فرنسا داخليًا وخارجيًا. وتطالب قوى اليسار بتعيين شخصية تعتمد ميزانية أكثر توسعًا، لكن ليس من المؤكد أن ماكرون سيوافق على ذلك، ولا أن يحظى المرشح الجديد بدعم كامل من البرلمان. وحذّرت مجموعة يوراسيا التحليلية من أن رئيس وزراء جديد قد يُسقَط خلال أسابيع، مما قد يجعل الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة شبه حتمية.

الانتخابات المبكرة

لطالما قاوم ماكرون فكرة حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، بعدما ارتد عليه قراره في صيف 2024 بالدعوة إلى انتخابات تشريعية أفضت إلى برلمان منقسم وشلل سياسي نسبي. لكن مصدرًا في الرئاسة قال إن ماكرون “سيتحمّل مسؤولياته” إذا فشل لوكارنو خلال اليومين المقبلين، في إشارة إلى احتمال اللجوء لانتخابات جديدة. وقد تؤدي هذه الانتخابات إلى تعزيز موقع اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، ومنح حليفها جوردان بارديلا فرصة لتولي رئاسة الحكومة، في حين تبقى نتائج أي انتخابات غير مضمونة.

الاستقالة

استبعد ماكرون دومًا احتمال استقالته قبل انتهاء ولايته، إذ سيعني ذلك الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الضغوط تتزايد بوتيرة غير مسبوقة. وقالت سيليا بيلان، مديرة مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في باريس، إن فشل الانتخابات المبكرة في إنتاج غالبية حاكمة قد يحوّل الأزمة السياسية إلى أزمة نظام، وعندها قد يصبح بقاء الرئيس ماكرون في الحكم موضع تساؤل. ويشير محللون إلى أن الأزمة السياسية الحالية لا تقدم حلاً سريعًا، وسط انقسام البرلمان والضغط الشعبي، مما يجعل خطوات ماكرون القادمة حاسمة لمستقبل حكومته وصورته السياسية داخليًا وخارجيًا.

مقالات ذات صلة

حادثة “أغادير” تكشف هشاشة منظومة الصحة لنظام المخزن

sarih_auteur

ميزة “الشحن حتى 80%”.. هل هي فعلاً تحافظ على البطارية أم مجرد وهم تسويقي؟

sarih_auteur

رئيس وزراء فرنسا يستقيل بعد ساعات قليلة من إعلانه عن التشكيلة الجديدة للحكومة

sarih_auteur