ابتسام بلبل
أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش، على ضرورة استغلال الجزائر لمركز قوتها الحالي في ملف الطاقة من أجل تحقيق علاقات رابح-رابح مع دول الاتحاد الأوروبي التي تبحث عن غاز إضافي من شركاء موثوقين، خاصة وأن مجال الطاقة يعد حاليا “عنصر محفز” لتحريك التبادل واتفاقيات الشراكة مع الدول الأوروبية في مجالات متعددة، مؤكدا أن هذا الملف يعتبر فرصة بالنسبة للجزائر لفرض شروطها على شركائها الأوروبيين لتنويع الاستثمار ليس في مجال الطاقة فقط.
وأوضح عبد القادر بريش، في حديث لـ”الصريح” أن الجزائر حاليا تنظر إلى المسألة الطاقوية ومسألة العلاقات والشراكة بنظرة تجارية بحتة بعيدا عن أي تجاذبات سياسية التي فرضتها التحولات الجيوسياسية، مؤكدا على ضرورة عدم الخلط بين الأمرين لأن الجزائر تربطها علاقات تاريخية وإستراتيجية مع روسيا تقابلها علاقات تجارية في مجال النفط والغاز مع الدول الأوروبية وهو ما يفرض النظر إليه كمجال استراتيجي وتجاري بحت.
وأكد محدثنا أن التقارب الجزائري- الإيطالي، المتوج بزيارة رئيس الوزراء الإيطالي للجزائر وتوقيع اتفاقيتين طاقويتين، يصب في إطار اتفاقيات الدول المتوسطية وبدفع من الوضع الجيوسياسي الحالي الذي يشهده العالم، خاصة بعد وقف 48 بالمائة من الإمدادات الروسية للغاز لأوروبا.
وأضاف أن التحولات في ما يطلق عليه حاليا “جيوبوليتيك الطاقة” جعلت من الجزائر محل اهتمام الأوروبيين على وجه التحديد للروابط التاريخية ولقرب المسافة مع الجزائر.
وأشار بريش أن الدول الأوروبية تبحث عن مورد موثوق في مجال ضمان أمن الطاقة وهو ما وجدته في الجزائر المعروفة بعقودها الموثوقة كما أنها بلد يتمتع باستقرار سياسي واستقلال مؤسساتي، مشيرا إلى أن الجزائر الآن لديها حصة تقدر بـ12 بالمائة من سوق توريد الغاز إلى أوروبا.
وأوضح الخبير الاقتصادي والمالي أن الفرصة الآن تعد مواتية للجزائر لتعزيز مكانتها والرفع من أسهمها في السوق، داعيا المفاوض الجزائري للعب دوره كاملا حاليا والإلقاء بثقله كونه في مركز قوة في ظل الأزمة العالمية، خاصة أن الجزائر تغطي ما نسبته 13 بالمائة من سوق الغاز الأوروبية.
وشدد على ضرورة تنويع ميادين التفاوض وعدم الاقتصار على ملف الطاقة الذي تحتاجه أوروبا، سواء ما تعلق بالفلاحة أو الصناعة، السياحة، الصناعات التحويلية، داعيا إلى العمل على التوسع في أوروبا من خلال توقيع إتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي وليس مع إيطاليا فحسب.
وبالسير على خطى الاتفاقية الموقعة بين شركة سونطراك و”إيني”، والتي ستكون حسب محدثنا لها انعكاسات ايجابية ومن شأنها تعزيز قدرات الإنتاج الجزائري والاكتشافات وتطوير تكنولوجيا تثمين الموارد وزيادة إنتاجية حقول الطاقة في البترول وخاصة في الغاز، أكد على ضرورة ضمان زيادة حجم الصادرات الجزائرية من الغاز نحو ايطاليا عن طريق الأنبوب ولما لا إحياء الأنبوب الثاني الذي كان سيربط البلدين.
وأكد أن هذه التحولات الجيوسياسية تعتبر فرصة بالنسبة للجزائر للتموقع أكثر في سوق الغاز في العالم وفي أوروبا تحديد، وضمان إستراتيجية استثمارات وعقود لتوريد الغاز لأوروبا على ضوء التطورات والأسعار الجديدة لتحقيق عائدات بالعملة الصعبة.
كما أكد بريش أن هذا أيضا يعد فرصة سانحة للجزائر لتحقيق طفرة اقتصادية من خلال تثمين الموارد المالية المترتبة عن عائدات المحروقات لتوجيهها لبناء اقتصاد قوي وتطوير البنية التحتية وتدارك التأخر الحاصل في بعض المجالات والاهتمام بالتعليم، الصحة، بناء اقتصاد متنوع وتنويع الصادرات خارج المحروقات، موضحا في السياق أن مجال الطاقة يعد حاليا “عنصرا محفزا” لتحريك التبادل وإمضاء اتفاقيات الشراكة مع الدول الأوروبية في مجالات متعددة.
كما أكد أيضا أنها فرصة بالنسبة للجزائر لفرض شروطها على شركائها الأوروبيين لتنويع الاستثمار ليس في مجال الطاقة فقط، وأضاف أنها فرصة للجزائ لاستعمال ورقة الطاقة والغاز والشراكة في مجال الغاز والبترول لتوسيعها إلى مجالات طاقة أخرى، وهي فرصة لبناء اقتصاد قوي وتنويع الاقتصاد والشركة مع دول الاتحاد الأوروبي.
وتابع بالقول، أن الشراكة بين الجزائر وايطاليا ستكون أكثر نجاعة بسبب التوافق السياسي والروابط التاريخية، وفي المقابل دعا السلطات الجزائرية إلى الاستفادة من التجربة الايطالية في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة خاصة في القطاع الصناعات التحويلية، الفلاحة، السياحة والصناعة، للاستفادة من تجربتهم وتعميمها، لتعزيز الشراكة على قاعدة رابح-رابح، وتوسيع الاستثمارات المشتركة في قطاعات أخرى غير الغاز.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن الجزائر تهدف في المرحلة الحالية للاستفادة أكثر من التجربة الإيطالية في تسيير المؤسسات المصغرة والمتوسطة وهو ما يفسر كلام الرئيس تبون الذي صرّح أن الاقتصاد الجزائري يشبه الإقتصاد الإيطالي إلى حد كبير، داعيا إلى الاقتداء بالتجربة الإيطالية فيما يخص تسيير المؤسسات الصغيرة.
هذا ووقعت الجزائر وإيطاليا، أول أمس، بالجزائر العاصمة إتفاقين في قطاع الطاقة خلال مراسم ترأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ورئيس مجلس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي .
حيث وقع الاتفاق الأول المتضمن تسليم الغاز من الجزائر إلى إيطاليا عن الجانب الجزائري الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك توفيق حكار، وعن الجانب الإيطالي الرئيس المدير العام لمجمع “غإيني” كلوديو ديسكالزي، يتمثل الاتفاق الثاني في إعلان النوايا المشترك الرامي إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة وقعه عن الجانب الجزائري، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج رمطان لعمامرة، وعن الجانب الإيطالي وزير الشؤون الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو.
واحتلت إيطاليا صدارة الدول الأوروبية في حجم صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي سنة 2021 بحجم إجمالي بلغ 6.4 مليار مكعب، بزيادة بلغت نسبتها 109 في المئة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2020.
وتسعى الجزائر لتعزيز مكانتها كثاني ممون لإيطاليا بالغاز الطبيعي وهو ما سمح لها بأن تستحوذ على 35 في المئة من السوق الإيطالية، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن قيمة التبادل التجاري بين إيطاليا والجزائر بلغت عام 2020 حدود 5.83 مليار يورو، منها 3.14 مليار كواردات و1.94 مليار كصادرات، بينما يشكل الغاز جميع واردات الجزائر تقريبا، بينما تصدّر إيطاليا بشكل أساسي الآلات والمنتجات البترولية المكررة والكيماويات ومنتجات الحديد والصلب.