ابتسام بلبل
قبل الشروع في إجراء تجريد المستفيدين من السكنات التي سُلمت في إطار الصيغة السكنية العمومي الإيجاري (السوسيال) والذين قاموا بتأجيرها لأشخاص آخرين بطريقة غير قانونية وآخرون لم يقوموا باستغلالها إطلاقا، شرعت دواوين الترقية والتسيير العقاري في التحقيق في هذه السكنات بعدة ولايات على غرار باتنة، سطيف والطارف لإحصائها وسحبها من المستفيدين منها وإعادة توزيعها على مستحقيها.
وفي هذا الإطار، كشف المكلف بالإعلام على مستوى ديوان الترقية والتسيير العقاري بالطارف لـ”الصريح” أن عملية الإحصاء التي انطلقت شهر أوت المنصرم وتشمل البرنامج السكني المعروف بتسمية “السكن الإجتماعي” أو “سوسيال” لا تزال متواصلة عبر دوائر الولاية السبعة، وأضاف محدثنا أن أعوان “الأوبيجيي” شرعوا في التنقل لمختلف الأقطاب السكنية الموزعة في بلديات الولاية الـ24 لمعاينة وضع السكنات وشاغليها الحقيقيين وإعداد محاضر لاعتمادها في اتخاذ الإجراءات الضرورية لاسترجاع السكنات من “غير مستحقيها.
فيما أكدت مصادرنا أن التحقيقات الأولية بهذه الولاية كشفت عن عشرات السكنات الشاغرة أو تلك التي قام أصحابها بتأجيرها لأشخاص آخرين بطريقة غير قانونية، وهو ما يدل على أن المستفيدين من هذه السكنات التي وزعت في عمليات سابقة للكثيرين ممن هم ليسوا في حاجة لها على الرغم من أن هذه الصيغة السكنية ليست تمليكية بل موجهة للمواطنين والفئات الهشة الذين لا يزيد دخلهم الشهري عن الـ24 ألف دج، وأضافت أن الجهات المعنية ستقوم عقب استكمال عملية استرجاع الشقق غير المستغلة أو المستغلة بطريقة غير قانونية لإعادة توزيعها على مستحقيها.
وبولاية عنابة هي الأخرى باتت وضعية بعض السكنات الاجتماعية الموزعة منذ سنوات بعدة بلديات تثير الكثير من الشكوك باعتبارها لم تستغل إطلاقا بل إن الكثير منها لا يُعرف أصحابها وهو الأمر الذي أثار بشأنه مواطنون تساؤلا حول مدى حاجة المستفيدين منها لسكن إذ تركت مغلقة، لقضاء العطل، أعيد تأجيرها أو حتى بيعها في وقت تصارع فيه آلاف العائلات جحيم أزمة السكن.
فعلى الرغم من الأزمة الخانقة للسكن على مستوى بلديات الولاية على غرار باقي ولايات الوطن وفي الوقت الذي تنتظر فيه آلاف العائلات التي أودعت ملفات للاستفادة من صيغة السكن العمومي الإيجاري إدراج أسمائها في قوائم “الكرامة ” يبقى الملف “الحارق” الذي يعتبر من أكثر الملفات تعقيدا وإثارة للرأي العام المحلي لاسيما بعدما أضحى بقاء “كوطات” مهمة عبر العديد من المناطق التي شهدت توزيع السكنات بالولاية مغلقة دون أن يتم التعرف على أصحابها أو حتى وضعيتها إن كانت شاغرة أو مملوكة لأية جهة كان.
وفي متابعة للملف رصدت “الصريح” مئات السكنات الاجتماعية التي تم بيعها أو تأجيرها بطرق ملتوية وأخرى ظلت مغلقة لسنوات، وحسب ما توضحه_ أيضا _ وثائق نحوز على نسخ منها ممثلة في فواتير ماء وكهرباء واعذارات إيجار موجهة لمستفيدين من “السوسيال” لسنة 2011 بحي 100 مسكن بسيدي عمار فإن العديد من سكنات السوسيال” مغلقة منذ ما يزيد عن العشر سنوات كما هو عليه الحال بكل من بلديات عنابة، البوني، سيدي سالم، بوخضرة3، بالرحال والكاليتوسة وهو ما يعد في القانون تلاعبا يعاقب عليه بصرامة كل متحايل بتجريده من مسكنه.
وفي سياق متصل، كشف المكلف بالإعلام في ديوان الترقية والتسيير العقاري بعنابة في تصريح لـ”الصريح” أن عملية استرجاع السكنات من نوع F1 متواصلة وفي العملية الأخيرة التي تمت أول أمس بعين الباردة تم استرجاع 13 سكنا استفاد أصحابها من سكنات جديدة من نوع F3 وf4 وآخرون تركوها شاغرة دون استغلالها أو قاموا بتأجيرها لأشخاص آخرين.
وفي تصريح سابق_ لذات المصدر _ أكد أن ديون إيجار “الأوبيجيي ” لدى المستفيدين الذين لم يسددوا إيجارات سكناتهم منذ سنوات بعنابة تتجاوز 320 مليار سنتيم وهو الأمر الذي أثقل كاهل الديوان ولم تفلح عمليات التحسيس التوعوية في تقليص العملية.
وعبر في هذا الإطار عن استغرابه من تهرب المستفيدين على الرغم من أن المبلغ الشهري زهيد جدا ويتراوح بين 2000 و 2500 دينار ، موضحا في السياق ذاته إلى أن” أكثر من 60% من المستفيدين من السكنات الاجتماعية تهربوا من دفع مستحقاتهم الإيجارية ما يطرح عديد علامات الاستفهام عن السبب وراء ذلك رغم أن هذا المبلغ زهيد ويُدفع شهريا ولا يثقل كاهل المستفيدين إذا تمت مقارنته مع ما كلف خزينة الدولة لبناء هذه السكنات”.
كما أشار محدثنا إلى أن مصالح ديوان الترقية والتسيير العقاري بعنابة ستلجأ إلى الطرق الردعية والعدالة كآخر حل لهم لوضع حد لهذا التهرب.
وحسب معاينات ميدانية للأقطاب السكنية الجيدة كذراع الريش والكاليتوسة قامت بها “الصريح” وما توضحه وثائق نحوزها فإن مئات السكنات بهذه المناطق لازالت مغلقة منذ سنوات توزيعها وحُولت لمكان لقضاء العطلة فقط.
وتعود حسب ما كشفته تحرياتنا لغرباء ونافذين تحصلوا عليها بطرق ملتوية وأشخاص غير مؤهلين قانونيا استفادوا منها بتواطؤ الإدارة بمخالفة المعايير المعمول بها في انتقاء المرشحين للاستفاد.
ومن جهتهم، قال عدد من أصحاب ملفات السكن الاجتماعي ومن بينهم من دفعت بهم الظروف لتأجير سكنات اجتماعية مملوكة لأشخاص آخرين والذين تواصلوا مع “الصريح” أن وضعيتهم مقلقة جدا بالنظر لتأجيرهم لهذه السكنات بمبالغ مالية ليست في المتناول بل إن مالكيها لا ينحدرون من المنطقة واستفادتهم مشكوك فيها فيما يبقى من هم بحاجة إلى سكن في هكذا وضعية، وهي دعوات صريحة وجهها هؤلاء للجان الدوائر بمنحهم فرصة من الحصص السكنية التي ستبرمج للتوزيع مستقبلا واتخاذ قرارات شجاعة_ على حد قولهم_ والتنقيب في ملف السكنات المغلقة ببلديات سيدي عمار، الحجار، والمدينة الجديدة بن مصطفى بن عودة ببلدية واد العنب.
وفيما تبقى المئات من هذه السكنات الموجهة فقط للأشخاص الذين تمّ تصنيفهم حسب مداخيلهم ضمن الفئات الاجتماعية المعوزة والمحرومة التي لا تملك سكنا أو تقطن في سكنات غير لائقة و/أو لا تتوفر لأدنى شروط النظافة واستعماله لتلبية حاجيات محلية ناتجة عن ظروف استثنائية أو ذات منفعة عامة مؤكدة “مغلقة” وأخرى عمد المستفيدون منها إلى بيعها أو تأجيرها بطرق ملتوية يُنتظر تدخل الجهات الوصية لاسترجاع السكنات ووضعها تحت تصرف الوالي لإعادة توزيعها على مستحقيها ومعاقبة كل متحايل بتجريده من مسكنه وفتح تحقيقات أمنية لكشف التلاعبات وطرق التحايل والمتورطين في هذه التجاوزات ومحاسبة المسؤولين.
وكان والي ولاية بشار محمد السعيد قد توعد في تصريح سابق شهر فيفري المنصرم المواطنين المستفيدين من سكنات اجتماعية ويقومون بكرائها لآخرين بتحويل ملكيتها باسم المستأجرين مباشرة، وقال خلال استماعه لانشغالات بعض المواطنين، “أي شخص استفاد من منزل وقام باستئجاره لشخص آخر، مباشرة سوف يستفيد منه المستأجِر بعقد ملكيته وتحويله باسمه”.
وأكد أنه سيقوم بهذا الإجراء في حق أي مواطن منحت له الدولة بيت على أساس محتاج ويقوم بتأجيره لأناس آخرين في حاجة إلى منز.
ولقي تصريح الوالي تفاعلا إيجابيا من طرف المواطنين الذين طالبوا بتعميم الإجراء على باقي الولايات، لوضع حد للتلاعبات في توزيع السكنات لغير مستحقيها.