توافد جماهيري غفير على مشاهدة فيلم بن مهيدي

عبد المالك باباأحمد، ملاك زموري

عاشت بونة، أول أمس بالمسرح الجهوي “عز الدين مجوبي”، السينما، مع العرض الجماهيري الأول لفيلم “بن مهيدي” من إخراج بشير درايس،وتمثيل وجوه فنية بارزة على غرارخالد بن عيسى الذي جسد دور شخصية العربي بن مهيدي إلى جانب كل من محمد فريمهدي،يوسف سحايري، فتحي نوري، سمير الحكيم وليديا لعريني وغيرهم، واستقطب الفيلم مئات المشاهدين الذين احتشدوا أمام قاعة المسرح قبل العرض بساعات.

وعرَّف الفيلم الذي دارت أحداثه على مدار 115 دقيقة بالإرهاصات الأولى لعبقرية وحكمة الفتى العربي بن مهيدي، أين نقلنا إلى مرحلة طفولته وركز على اختلاطه الدائم بكبار السن من ذويه وجيرانه، بالإضافة إلى تشبعه بالقيم الوطنية منذ نعومة أضفاره، ولعل المشهد الذي قام فيه بن مهيدي الطفل بالدعاء رغم وجود من أكبر منه في السن في تلك الجلسة إشارة إلى أن العبقرية والروح القيادية تبدأ عند التنشئة، والإيمان بالجيل الجديد يبدأ قبل نضجه.

كما كان فيلم بن مهيدي علامة سينمائية متميزة ستظل خالدة في تاريخ الجزائر باعتباره أول فيلم يتطرق إلى العديد من الجوانب الإنسانية في شخصيات رجال الثورة الأشاوس، فكما هو معلوم في التقليد السينمائي الجزائري فإن شخصية الثوار غالبا ما تكون شخصية جادة ونمطية إلى حد كبير، لكن فيلم بن مهيدي قام بتحطيم هذه الصورة مفسحا المجال أمام رؤية جديدة كليا أكثر إنسانية بعيدا عن البروباغاندا، وتجلى ذلك في مواقف صورت بن مهيدي الإنسان إلى جانب بن مهيدي الثائر في مشاهد على غرار تلك التي عاش فيه قصة حب مع “مليكة” التي ضحت هي الأخرى بالانتظار من أجل الثورة، والمشاهد التي كشفت للمتفرج  علاقة البطل بعائلته وخاصة أخيه، ناهيك عن لحظات الغضب والخلافات الدائرة بينه وبين رفاق نضاله.

ولعل الفيلم قد أفلح في معالج زوايا لم يسبقها له أي فيلم من قبل، ونقصد بذلك الخلافات التي دارت بين “جماعة الداخل” وجماعة الخارج، أي ثوار الجبل ورجال الميدان على غرار بن مهيدي ومجموعة الستة وبين السياسيين ممكن رافقوا الثورة خارج الجزائر، وتجلى ذلك في الخلافات الحادة التي وصلت إلى غاية المشادات الكلامية والاستهزاء بين شخصية بن مهيدي وأحمد بن بلة.

أما من الناحية الفنية فقد تميز الفيلم في بناءه السردي باستخدام تقنية، على غرار الفلاش باك من خلال ابتداء الفيلم عكسيا أي من لحظة إعدام بطل الفيلم العربي بن مهيدي، بالإضافة إلى القفزات الزمنية مع الحفاظ على المحطات الجوهرية من حياته.

ومن أهم المحطات التي مر بها الفيلم وعرف من خلالها الجمهور على أيقونة بن مهيدي، الطفولة التي تبين النشأة الثورية للرجل، مجادلاته السياسية مع جماعة الإدماج، وقد كان هذا المشهد بالتحديد من أجمل المشاهد في الفيلم، حيث قال بن مهيدي للجماهير أن فرنسة توهم الجزائريين بالإدماج ولم تحقق أيا من وعودها.

كما تطرق العمل كذلك للحظات جوهرية أخرى في المسيرة الثورية لبن مهيدي، كتنظيمه لمظاهرات 8 ماي ودخوله السجن أين عرض عليه الإفراج عنه وحده لكنه رفض رفضا قاطعا لمساندة رفاقه وشعبه، الأمر الذي يحيل على أن الثورة الجزائرية ثورة شعبية في الأساس، صحيح أن لها نظامها وتسييرها لكنها لم تكن بمعزل عن الشعب ولم تعامله بفوقية واستعلائية مبتعدة بذلك عن المصالح الشخصية.

يشار إلى أن الفيلم قد لاقى إقبالا جماهيريا غفيرا، وبالمناسبة قامت “الصريح” بالحديث إلى بعض العينات من الحاضرين، على غرار السيد كريم رفقة عائلته المكونة من طفلين وزوجته أين أكد الأخير بأنه كان قد خطط منذ إعلان برمجة الفيلم قبل مدة لاصطحاب عائلته، كما أشار إلى أن مثل هذه الأفلام جد هامة للجيل الجديد حيث تقوم بربطهم أكثر بالجور الثورية للجزائر وتقدم لهم نماذج عليا يبنون عليها تطلعات المستقبل.

وفي ذات السياق أكد مجموعة من الشباب في حديثهم لـ “الصريح” أنهم وفي ظل نقص قاعات السينما بالولاية، وجدوا أن عرض فيلم بن مهيدي بمناسبة الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي فرصة لا تعوض من أجل الاستمتاع بالمشاهدة ومن ثم النقاش، وطالبوا السلطات المعنية في حديثهم بالتحرك من أجل إنقاذ ما تبقى من القاعات المهجورة.

 

المخرج بشير درايس:” سيتم برمجة عرض ثاني للفيلم قبل نهاية المهرجان”

كشف مخرج فيلم العربي بن مهيدي، بشير درايس، صباح أمس، عن برمجة عرض اخر للفيلم التاريخي “العربي بن مهيدي” قريبا، بعد اقتراح محافظ المهرجان محمد علال وإصرار الجمهور المتعطش للسينما، وذلك خلال ندوة صحفية ترأسها المخرج رفقة الممثلين، بفندق سيبوس الدولي.

وطرح مخرج العمل اشكالية غياب قاعات السينما بالجزائر عامة وعنابة خاصة، الحالة التي أثرت بشكل مباشر على برمجة العروض، حيث قال “مشكلة قاعات السينما يجب أن تأخذ بجدية، فهل من المعقول ان تعلق نشاطات المسرح وحفلات دار الأوبرا من أجل عرض الفيلم”، وأضاف”من المفروض أن تخصص قاعات سينما كبيرة لاحتضان الطبعة الرابعة من المهرجان”، حيث تشهد دوروقاعات السينما في عنابة وضعية كارثيةإذ أن بعضها مغلق منذسنوات وبعضها الآخر مهمل ومهترئ، والمفتوحة منها لا تؤدي الدور الذي من أجله أنشئت.

وعن عرض العمل السينمائي بمدينة ام البواقي مسقط رأس الشهيد العربي بن مهيدي، قال المخرج:”يجب ان تكون دراسة حول القاعات الموجودة أولا”، مشيرا إلى أنهسيتم برمجة عرض خاص للطلبة شهر أكتوبر القادم موازاة مع الدخول الجامعي.

كما تطرق أحد المتدخلين خلال الندوة الصحفية، بسؤاله حول المحتوى الذي تحفظت عنه لجنة المعاينة التي حذفت بعض المشاهد، أين أكد المخرج أنه لم يتم حذف أي مشهد من الفيلم، حيث تم حذف بعض الألفاظ القاسية فقط، مشيرا إلى أنهكانت هناك تحفظات على مشهد محمد بوضياف مع جمعية العلماء المسلمين وقال ” نجحنا في إبقاء مشاهد الفيلم، ففي كل الحكايات الثورية يوجد السلب والايجاب، يجب أن نترك تاريخنا كما هو بتفاصيله”وأضاف: “يجب أن نروي للجيل الصاعد تاريخ الجزائر من جميع الزوايا”، مشيرا إلى أن الفضل في نجاح الفيلم راجع إلى فريق العمل والممثلين.

وأعرب الممثل خالد بن عيسى، الذي أدى دور البطل العربي بن مهيدي، عن سعادته لإدائه هذا الدور ونجاح العمل الذي اعتبره ثمرة صبر وجهد لسنوات وقال “كنت خائف من هذه المسؤولية الكبيرة واليوم فخور بعملي وجهدي”، خاصة وأن الفيلم تم عرضه بعد سنوات من الجدل والنزاعاتحيث كان يصور 3 أيام ويتوقف أشهر.

وقال الفنان فتحي نوري أحد ممثلي الفيلم، “الأمر كان معقد في البداية، عملنا كثيرا على تفاصيل الفيلم وأكثر من سنتين عمل حول شخصياته”، وأكد أن هذا النجاح نتيجةالكثيرمن التحديات والجد، وأوضح الممثل الذي أدى دور محمد طاهر بن مهيدي، أن المصادر التي تروي مسار الشقيق الأصغر للشهيد العربي كانت ناقصة ورغم ذلك اجتهدنا في الوصول إلى معلومات حول هذه الشخصية التي استشهد أواخر شهر جانفي1957، وبين استشهاده واستشهاد أخيه البطل العربي أقل من أربعين يوما.

وعن المصادر التي تم الاعتماد عليها في تصوير هذا العمل السينمائي التاريخي، أوضح درايسان الفيلم يسرد حياة العربي ورفاق نضاله ويشجع على متابعة شخصية الشهيد الرمز العربي بن مهيدي، وقال “تاريخناالأكثر ثراء في البحر الأبيض المتوسط”.

وتدخلت الممثلة الجزائرية عايدة كشود أثناء الندوة، بقولها ان للأجيال الصاعدة الحق في معرفة تاريخها وتغدية حسها الوطني، باعتبار هذه الأفلام تساهم في زيادة الوعي بالبعد التاريخي والحضاري، مشيرة إلى ان الممثلين نجحوا في تبليغ الرسالة وتقمص أدوار المجاهدين الذي لم يكن سهل.

مقالات ذات صلة

تأسيس مهرجانات في الولايات العشر المستحدثة

taha bensidhoum

الكاتب عبد الله تفرغوست”: “إذا أردنا أن نكتب للأطفال فيجب أن نحتك بهم “

taha bensidhoum

نحن لا نحسن تسويق قاماتنا ورموزنا!

sarih_auteur