سجـــل الإبــداع الجزائـــري

عندما أفتح السجل الادبي للإبداع الأدبي في الجزائر.. تتبادر إلى الذهن أسماء من ذهب ..  كان لها الأثر الجميل في حركيتنا الثقافية : ابو القاسم سعدالله  وما أدراك.. رحمة الله عليه .. وقد قدم عطاء ثقافيا لا يمكن لأي باحث أو دارس أن يتجاهله أو يتجاوزه ..على مدار سنوات عمره .. ليس في التاريخ فقط ..انما في كل شؤون الثقافة .. والاعلام .. وقد تعلم منه الأدباء سنن الكلام … وسيولة المعاني..  وأدركت من خلاله الأمة  مرجعياتها  وهويتها ..و قد عرف الغيورون من المثقفين والمبدعين .. وما أنبلهم   سلالة التاريخ الثقافي للجزائر .. والذي خدمه سعد الله ونظراؤه  بكل وفاء .. ونحن نشهد انه كان لمقالاته الأدبية وقعها الابداعي والإعلامي .. توجيها وتهذيبا وامتاعا .. وكانت كتبه ولا تزال مرجعا لا يستغنى عنه في مختلف الحقول الثقافية .. وبدل أن تستفيد الأمة من أعماله .. في ملتقيات وندوات ومشاريع ..نراه في زوايا مكتباتنا منعزلا يعاني التهميش نفسه الذي طاله حيا ..  وانا أزعم ان خدماته وهو في الدار الخالدة لا تزال تخدم الثقافة أحسن من ( الفيالق ) التي تخول لها بعض الجهات التكلم والمتاجرة باسم الجزائر في بعض دول الخليج التي تعين العربية باسم العروبة ..على وجه الخصوص .. وقد كشفت لنا التجربة بما لا مجال فيه للشك ان غربة اللغة العربية التي تحتفي بها بعض الجهات ماهي الا خدمات بروتوكولية لتمرير وتبرير الحدث ..والدليل على ذلك أن هذه الجهات لا تقدم للعربية من منظور إبداعي وواقعي أية خدمات ..لانها بالفعل عاجزة عن الدفاع عن اللغة العربية وفق لغة الواقع الراهن .. وتبدو العربية في معاملاتها غريبة على أكثر من صعيد ..والواقع يقدم قرائن عديدة على ما نقول ..في ظل تهميش القانون الثقافي الذي يضمن للعربية وجودها وسموها .. وعزتها .. وتكشف التجارب ان مؤسسات عديدة ..بارزة في المعاملات اليومية ..قد تحولت إلى تكريس اللغة الفرنسية بطريقة غير بريئة .. وأخشى ما أخشى أن تدخل العربية غربة أوسع في نشاطها وحضورها .. ولا أستبعد في ظل الكثير من التسيب وضعف القانون الذي ينصرها ان تعود المؤسسات المحلية إلى استعمال الفرنسية في هياكلها  .. ولا أستبعد ان تعود وثائق الهوية بالأجنبية التي لا تطيقها الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري .. ان ثقافتنا عربية  وستبقى عربية ..وعلى الدولة ان تعيد الاعتبار للقوانين التي تمجد اللغة العربية حفاظا على هويتنا ..وعلى الدولة ان تنتبه إلى الدور السلبي الذي تؤديه بعض المؤسسات المكلفة بالسهر على مجد العربية في الجزائر . اننا جزائريون  ..  ولن نكون الا جزائريين .. وكل ما يحدث من تغريب مقصودا كان أم غير مقصود ..سيأتي اليوم الذي  تنمحي سلطته ..  نطرح موقفنا بدفء..بعيدا عن كل تهور ..ونسمح لأنفسنا ان نقول ..ان الجامعة الجزائرية ومعها الجمعيات الثقافية مؤهلة ويجب أن تكون مؤهلة للتعامل مع العربية بوصفها سلطة ثقافية وليست مجرد وثيقة عمل صالحة في مقام وغير صالحة في مقام آخر .   سأقول ههنا ان العربية ليست مجلدات مزركشة ..وليست ديماغوجيات مفلسة ..  وليست مجرد أماني ..وليست كلمات منمقة .. وليست مزادات ولا مزايدات استراتيجية .. العربية ثقافة في الواقع .. ويجب أن يكون الدفاع عنها وفق استراتيجية ثقافية تتماشى مع هويتنا وتاريخنا بعيدا عن فرضيات و افتراضات بعض لوبيات الثقافة في   ( الخليج  )واملاءاتهم  وولاءاتهم الجديدة للصهيونية بكل مؤسساتها الخفية والمعلنة .. وعلينا أن نعي ان العربية في الجزائر ..مقامها الصف الأول بل مقامها هو الجزائر بطولها وعرضها.. وقد صدق الراحل الطاهر وطار الذي قالها مدوية : أنا بربري أكتب بالعربية .. دافع عنها ولم يشعر بغربة ..موقنا أن أمازيغيته محفوظة  .. وأن العربية هي حياته ..لذلك  كان مؤمنا بها دون مداراة تماما كايمانه بجزائريته وتماما مثل بداوته الأمازيغية .. ما أكرمه الطاهر وطار في قبره ..حفر في الذاكرة من أجل ان يكون خالدا في الجزائر ..وكان صاحب ثقافة جزائرية .. وحقه ان يكون مثله مثل أبي القاسم سعد الله..  ومثل مولود قاسم نايت بلقاسم ..ومثله مثل مالك بن نبي  ناصع المقام .. وعلى المغررين الذين يعتقدون أن العربية مختصرة في القرار السياسي .. الانتباه إلى أن ثقافة الجزائريين دافئة إلى أبعد حد ..في وجدانها اللغوي المنتصر للعربية قبل الطعام والشراب .. القلب الذي نحمله قصيدة بالعربية .. وقد تكون سلالتنا غير عربية .. لكننا في النهاية شعلة تحترق بدفء من أجل الجزائر بكل موسوعتها الثقافية .. وبكل مرجعياتها التاريخية وبكل طموحاتها الإنسانية المشروعة ..لحسن الحظ ان بعض الحذلقات اللغوية هنا وهناك ..ارادت أن تمحو شعورنا الابداعي المدون في السجل الحضاري بالعربية .. لكنها اكتشفت ان كل ما تقوم به مجرد لعب .. لأن الجزائر كبيرة في انتمائها  الحضاري.. ومن يريد التطبيع مع لغة الاستعمار ..فله ذلك إلى حين .. سنحتسب الأمر عند الله ..ونتريث ..لأن أنفاسنا لن تلد الا انفاسا جزائرية عربية .. دافئة .. فيها لالا نسومر مثلما فيها الكاهنة مثلما فيها ابن باديس .. وفيها العقيد ايت حمودة عميروش مثلما فيها ديدوش مراد  والعربي بن مهيدي ..  لا تستهينوا بالوجدان العربي عند الجزائريين .. لأنه لا يموت .. وله القدرة أن يحافظ على شقائق النعمان .. بكل ما في اللغة العربية من عزة واباء وفتح نوراني ..

مقالات ذات صلة

حذاء بوش، قلنسوة داوود والعربي الودود

سارة معمري

رمضان بين صيام الخصوص وصيام اللصوص

سارة معمري

الكفاءة المعرفية والخبرة الميدانية والعلاقة الطردية

سارة معمري