ق.و
قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، عن قرار لتسهيل ورفع السرية عن جزء من الأرشيف الخاص بالمرحلة الاستعمارية للجزائر.
وحسب بيان للرئاسة الفرنسية، فإن ماكرون أمر إدارة الأرشيف بالشروع ابتداء من الأربعاء، في رفع طابع السرية عن عدد من ملفات الأرشيف التي يفوق عمرها 50 سنة منها الخاصة بالمرحلة الإستعمارية للجزائر إلى غاية سنة 1970.
وبموجب القوانين الفرنسية، يجب رفع السرية عن أرشيف الدولة الفرنسية، بما في ذلك قضايا الدفاع والأمن للجمهور بعد 50 عامًا باستثناء المعلومات التي قد تعرض أمن بعض الأشخاص للخطر لكن ذلك غير متاح واقعيا خاصة بالنسبة لأرشيف المرحلة الإستعمارية، وهناك إجراءات معقدة كانت تمنع الباحثين والأكاديميين من العمل على هذه الوثائق.
ووفق نفس المصدر فإن القرار جاء تنفيذا لتوصيات وردت في تقرير بنجامين ستورا.
أكد أستاذ التاريخ، نجيب دكاني، في تصريح صحفي نقله موقع إخباري وطني، على ضرورة الاستغلال الحسن لفرصة رفع السرية عن الأرشيف الفرنسي من بينها أرشيف الثورة التحريرية.
وأوضح دكاني أنه ينبغي الترحيب بكل قرار يتيح الإطلاع على أرشيف الثورة التحريرية، خاصة أن سريته جعلت البحوث الفرنسية المنجزة عن الثورة التحريرية أكثر من نظيرتها بالجزائر، ما جعل الباحثين الجزائريين تابعين لما يصدر بالطرف الشمالي.
وقرأ دكاني في توقيت خطوة ماكرون بأنها محاولة منه لاستقطاب الأصوات وتحضير مسبق للحملة الانتخابية، من خلال التقرب من الطبقة المثقفة والاستجابة لمطالبها برفع السرية عن الأرشيف الفرنسي، خاصة أنه يخوض معركة كبيرة ضد تصاعد اليمين المتطرف وتراجع شعبيته.
فيما أكد أنه يتعين على الطرف التعامل وفقا لمبدأ ما يعطي لنا لا نرفضه ولكن نطالب دائما بالمزيد، من خلال استرجاع الأرشيف كاملا وليس لفترات معينة، لأن قراءة التاريخ الحقيقي تستدعي الاطلاع عليه كاملا وفقا لمراحله غير المجزأة.
ودعا المتحدث، حسب ذات المرجع الإعلامي، السلطات الجزائرية لضرورة المطالبة باسترجاع أرشيف الجزائر المتعلق بما قبل الاحتلال الفرنسي، حيث عمد الجنرال دوبورمون إلى نقل أرشيف الفترة العثمانية إلى فرنسا وهو ما يعد خطوة هادفة لطمس تاريخ وهوية الجزائريين.
وأكد على ضرورة اللجوء إلى التحكيم الدولي من أجل استرجاع الحقوق الجزائرية وأرشيف ما قبل 1830.
من جهة ثانية أعرب دكاني عن تخوفه من رهن رفع السرية عن الأرشيف باشتراط ألا يتم “المساس بالأمن القومي والدفاع”، وهو ما يعني أن يتم تقسيم وتسطيح تاريخ الثورة التحريرية والتواجد الفرنسي في الجزائر والتستر عن الجرائم الحاصلة، لتكون المحصلة حرمان الباحثين من الحقيقة التاريخية والسياسية وعدم افتكاك اعتراف فرنسا بجرائمها.
وتساءل عن السر وراء التعامل الفرنسي مع الجزائر بتخوف، رغم أنها اعترفت بجرائمها اتجاه سواء اليهود أو التفجيرات النووية ببولينزيا، في حين أنها تعاني من عقدة عدم القدرة على الاعتراف بهزيمتها في الجزائر، كون احتلالها للجزائر كان مختلفا، إذ قام على هدف الاحتلال الاستيطاني قبل أن يفتك الجزائريون استقلالهم بقوافل من الشهداء.
أما بخصوص الإشكالات التي يمكن أن تطرح فيما تعلق بأرشيف الحقبة الاستعمارية إلى جانب رهن السرية بشرط عدم التأثير على الأمن القومي، يضاف لها الإشكال القانوني المتمثل في كيف يمكن الحصول على هذا الأرشيف؟، وهل يمكن نقله للجزائر أم تنقل الباحثين للاطلاع عليه بفرنسا فقط؟، مؤكدا أن هكذا آليات تفصيلية يجب أن تكون واضحة.
هذا وقرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السماح ابتداء من يوم غد برفع السرية عن وثائق مشمولة بسرية الدفاع الوطني حتى ملفات عام 1970، من بينها أرشيف الثورة التحريرية.
وشكل ملف أرشيف المرحلة الاستعمارية مصدر تجاذبات بين الجزائر وفرنسا لعقود طويلة، وكان دومًا في صلب لقاءات المسؤولين الجزائريين مع نظرائهم الفرنسيين.
وفي جويلية 2020، عيّن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الأحد الماضي، مستشاره عبد المجيد شيخي ممثلا للجزائر في المفاوضات مع فرنسا بشأن ملف الذاكرة وذلك بعد تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمؤرخ بنيامين ستورا.
وفي 21 ديسمبر 2020، قال عبد المجيد شيخي: “لم نصل إلى معاينة كاملة لما هو موجود في المخازن الفرنسية بحجة أن الأرشيف لم يتم تصنيفه ولا ترتيبه وهذا غير صحيح، لا يمكن أن يبقى الأرشيف في رزم منذ 100 سنة، لذلك فإن الطرف الفرنسي يقدم أرقام متضاربة بخصوص الأرشيف الوطني لديه سوء نية”.
وقال الوزير: “حسب المعلومات التي حصلت عليها من إدارة مؤسسة الأرشيف الوطني، فإنه حتى الآن استرجعنا فقط 2 بالمائة من أرشيف المرحلة الاستعمارية بمعنى أن هناك 98 بالمائة منه ما زال لدى فرنسا”.
وفي 21 فيفري الماضي، دعا نائب بمجلس الشيوخ الفرنسي، سلطات بلاده إلى تبادل تيسير وصول الباحثين الفرنسيين والجزائريين في كل من الجزائر وفرنسا إلى الأرشيف المرتبط بالماضي الاستعماري.
وأوضح السياسي اليميني المحافظ أن وصول الفرنسيين إلى الأرشيف في الجزائر المتعلق بالحقبة الاستعمارية ليس بالأمر السهل حاليا، مما يستدعي تدخل حكومة بلاده بهذا الشأن لدى نظيرتها الجزائرية، حسب مراسلته مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والبداية تكون، كما أضاف، بمنحهم تأشيرة دخول البلاد، وذلك خدمة لمصالح الرعايا الفرنسيين قبل كل شيء.
في المقابل، قال لوروديلييه، يمكن فتح الأرشيف الجزائري في فرنسا، الذي يتضمن وثائق تعود إلى العهد الاستعماري وأخرى كثيرة للحقبة العثمانية من تاريخ البلاد والذي استولت عليه باريس ورحلته إلى مركز الأرشيف في مدينة “إيكس أون بروفونس” في جنوب شرق البلاد قبل أشهر من استقلال الجزائر، أمام المهتمين الجزائريين إما على الفضاء الافتراضي أو في عين المكان بمقر مركز هذه المحفوظات التاريخية.
ماكرون يريد بناء علاقة هادئة مع الجزائر
قال السفير الفرنسي بالجزائر فرانسوا غويات أول أمس، إن الرئيس إيمانويل ماكرون يريد حقا بناء علاقة هادئة وبناء مع الجزائر، وذلك من خلال سعيه لمعالجة ملفات الذاكرة.
وأكد غويات في ندوة صحفية عقدها عقب جلسة عمل مع متعاملين اقتصاديين بمقر غرفة التجارة و الصناعة الرمال بولاية قسنطينة، إن الرئيس الفرنسي “يريد حقا بناء علاقة هادئة وديناميكية وإيجابية وبناءة مع الجزائر والمضي قدما ودفع التعاون بروح بناءة وودية”.
وأوضح أن “الفرنسيين يأملون في العمل مع الجزائريين على طريق التصالح فيما يخص الذاكرة”.
وحسبه المتحدث “فالمسعى الذي اتبعه مؤخرا الرئيس إيمانويل ماكرون الذي اعترف باسم فرنسا بأن المحامي و القيادي السياسي في الحركة الوطنية الجزائرية علي بومنجل قد تم تعذيبه و اغتياله على يد جيش الاحتلال خلال حرب التحرير يندرج في إطار المجهودات المبذولة لتجاوز العداوات المتعلقة بالذاكرة بين الفرنسيين والجزائريين”.
وأضاف بأن “مبادرة الذاكرة للرئيس ماكرون بشأن اغتيال علي بومنجل عام 1957 تندرج ضمن مسعى الاعتراف بأفعال تاريخية” معتبرا أنه “من المهم جدا معرفة و الاعتراف بأفعال تاريخية كما وقعت”.
وبعد أن وصف فرنسا بـ”الشريك الكبير للجزائر” و”مستثمر هام” أكد غوييت بأن مجهودات جارية من أجل “تشجيع حركة الاستثمار في الاتجاهين ومحاولة تعزيز التقارب والتضافر والتآزر من خلال إقامة علاقات بين الشركات الفرنسية والجزائرية خاصة منها الصغيرة والمتوسطة”.
كما أكد السفير الفرنسي أن الرئيسين الجزائري والفرنسي يرغبان في “إضفاء ديناميكية على العلاقة بين البلدين” مبرزا أن فرنسا تعمل على “العمل أكثر في مجال التعاون و تبقى في إصغاء وتفتح من أجل تعزيز العلاقات الثنائية.