رحم الله الرجل الطيب عمي منصور، الرجل المجاهد الذي أفنى حياته شاوشا في بلدية عنابة، حين كانت البلدية بلدية وحين كان للمسؤولية معنى، خاصة سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات، أيام الحزب الواحد الذي كان يحرص على إيصال أحسن الكفاءات وأنظفها إلى أعلى هرم البلدية، تلك الحقبة التي لا تتكرر والتي أنجبت في بلدية عنابة أميارا أصحاب همة وكاريزما كمسيخ وشكمان وعيادي ومنصوري وغيرهم، فقد حدثني عمي منصور أن هؤلاء الأميار الذين عاصرهم لم يكونوا يتركون شاردة أو واردة في عنابة إلا و أحصوها، وكانوا ذوو شخصية رغم زمن الحزب الواحد جعلتهم يقفون مع الولاة الند للند ولا يعرفون الخنوع والتملق في خدمة الصالح العام، ولم يكن لهم وقتا للثراء والتلاعب وملك العقارات، وأفخم السيارات كما فعل بعض الأميار اللصوص الذين جاءوا بعدهم، خاصة في مرحلة العصابة ممن استغلوا سلطتهم في بناء الفيلات وأصبحوا أصحاب ممتلكات في الداخل والخارج، رغم أنهم دخلوا البلدية إما موظفين بسطاء أو حفاة عراة، وخرجوا منها علية القوم ! ومنهم من وصل عبثهم وملفاتهم الفائحة بالفساد إلى أروقة العدالة، والغريب في الأمر أن بعض هذه الوجوه القذرة مازالت تطمح في الترشح والعودة إلى المجالس ! عمي منصور قال لي حين كان لعنابة أميار لم يكن هؤلاء يقضون فصل الصيف في اللهو ولم تكن تشغلهم مهرجانات الرقص والخلاعة عن ترتيب الأولويات ومن بينها التحضير لموسم الأمطار، وحسب عمي منصور لم يكن الأميار حينها ينتظرون تعليمات وزارة الداخلية لجهر شبكات تصريف مياه الأمطار، وتطهير قنوات الصرف الصحي في عملية استباقية لتجنب الفيضانات، بل كانت تعلن حالة الطواريء في الصيف لجهر كل القنوات بما في ذلك أنابيب الصرف داخل مقر البلدية، ومع الأسف خالفهم أميار لا يحسنون التخطيط ويزجون بعد ذلك بالعمال البسطاء أثناء موسم الأمطار لمواجهة الفيضانات ومعالجة النقاط السوداء في ظروف مناخية سيئة، فأطال الله في عمر من مازال على قيد الحياة في عهد الحزب الواحد ورحم الله من توفاه الأجل، فقد كانوا متشبعين بروح الثورة وخدمة الوطن.