تحيي الجزائر اليوم السبت الذكرى الـ 60 لعيد النصر المصادف لتاريخ 19 مارس من كل سنة، والذي تم خلاله وقف إطلاق النار بعد التوقيع على اتفاقيات إيفيان التي ميزت نهاية حرب التحرير الوطني ضد المستدمر الفرنسي.
ويعتبر إحياء عيد النصر تتويجا لكفاح شجاع للشعب الجزائري مدة أكثر من 132 سنة ضد المستعمر الفرنسي مع دفع ثمن باهض من الشهداء والمختفين والمعطوبين والأرامل واليتامى وكذا تهديم الآلاف من القرى والمداشرعبر كامل التراب الوطني.
فبعد أن اقتنع الاحتلال الفرنسي بعدم جدوى الحل العسكري في الجزائر خضع لخيار التفاوض مع ممثل الشعب الجزائري من خلال اتفاقيات إيفيان التي تضمنت شقين أساسيان بحسب الأستاذ والمحلل السياسي، مخلوف ساحل، المحور الأول يتعلق بتنظيم الشؤون السياسية والعامة في البلاد خاصة بين 19 مارس 1962 إلى غاية الإعلان الرسمي للاستقلال، أما المحور الثاني شمل عددا من الجوانب وخاصة فيما يتصل بكيفية تنظيم الشأن الاقتصادي في مرحلة الاستقلال .
وقبل التوصل إلى التوقيع بالأحرف الأولى لاتفاقات إيفيان، في 18 مارس 1962 بفندق الحديقة (أوتال لو بارك) الواقع بمدينة ايفيان لو بان (اوت سافوا، فرنسا) التي ترجمت في اليوم الموالي 19 مارس 1962 بقرار وقف إطلاق النار المطبق على كامل التراب الجزائري، قام وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بقيادة كريم بلقاسم طوال المفاوضات التي شرع فيها يوم 20 ماي 1961 برفض كل الاقتراحات المقدمة من قبل الطرف الفرنسي التي ترهن السيادة الوطنية أو السلامة الترابية بعد الاستقلال. وقد حاولت فرنسا أن تقيد الجزائر المستقلة اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وحتى اجتماعيا، غير أن الحنكة السياسية للمفاوضين الجزائريين كانت أكبر.
وفي جويلية 1961، عقد الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول، ندوة صحفية أعلن فيها بأن “الجزائر دولة مستقلة”، واستمرت بعدها المفاوضات بين حكومتي البلدين على عدة مراحل، قبل أن يؤكد أن “الصحراء جزائرية” في شهر سبتمبر من العام ذاته.
وبعد نحو عام كامل من الاتصالات والمفاوضات، توصل الوفدان الجزائري والفرنسي لبنود اتفاقية عرفت باتفاقية إيفيان نسبة إلى مدينة إيفيان السويسرية، والتي تم بموجبها وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 زوالا.
وتضمنت الاتفاقية تنظيم “الشؤون السياسية والعامة في الجزائر” خلال المرحلة الانتقالية التي تمتد من 19 مارس إلى غاية الإعلان الرسمي لاستقلال الجزائر في الـ5 من جويلية 1962، وهي الفترة التي نظم فيها الاستفتاء الشعبي الذي نال بموجبه الجزائريون على الاستقلال بالأغلبية الساحقة، حيث اختار الشعب بالأغلبية الانفصال عن فرنسا والعيش في وطن حر ومستقل يحمل اسم الجزائر.
واتخذت الحكومة الفرنسية جملة من الإجراءات السياسية والقضائية تحسباً لذلك، تضمنت إطلاق سراح جميع السجناء الذين كانوا يقبعون في السجون سواء في الجزائر أو في فرنسا، والسماح للفارين من الجزائر خلال سنوات الثورة واللاجئين إلى دول مجاورة مثل تونس والمغرب بالعودة إلى بلادهم، والاعتراف بحزب جبهة التحرير الوطني حزباً سياسيا شرعيا.
وكذا إعطاء “الحرية الكاملة للحكومة الجزائرية في اختيار مؤسساتها ونظامها السياسي والاجتماعي وفق مصالح الشعب الذي تمثله وبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني وفرض سيادتها في جميع المجالات، لا سيما في مجالي الدفاع العسكري والشؤون الخارجية”، مع ضمان “حقوق الفرنسيين الذين يعيشون في الجزائر منذ سنوات طويلة وعلى ضمان أمنهم واحترام طقوسهم الدينية” (قبل استفتاء تقرير المصير).