الكفاءة المعرفية والخبرة الميدانية والعلاقة الطردية

بقلم الدكتور: السبتي سلطاني

يبدو أنّ الصراع بين الأجيال بات قدرا محتوما في الكثير من المجالات، فالكثير ممن عاشوا في زمن مضىباتوامتمسكين بكل ما في ذاك الزمن من جميل، وظلوا رافضينلكل حركة تغييرية تخلخل كيان هذا الماضي الحميمي، وهو ما دفعهم لغض الطرف عن كل ما هو مستحدث، كما أنهم راحوا يهاجمون كل ما هو جديد حتى ولو كان هذا الجديد مفيدا للجميع.

 من هذا المنطلق أرغب في مناقشة مسألة في غاية الأهمية ارتبطت ارتباطا وثيقا بصراع خفي بين طرفين أحدهما يزعم أنّ كل ما يأتي به الأبناء من عمل قائم على التقانة المستحدثة مخيف وغير مقبول، وبالتالي ينبغي محاربته بكل الوسائل، والطرف الآخر ينظر إلى كل قول أو عمل يأتنا من الآباء أمرا مستهلكا وتجاوزه الزمن.

وفي سبيل التمثيل لذلك من واقعنا المعيش دعنا نقف عند واقع الأساتذة في مختلف المراحل التعليمية، حيث يجد الكثير من مسؤولي المؤسسات التعليمية صعوبة كبرى في التعامل مع الأساتذة القدامى الذين لا يستطيعون مواكبة التطورات الهائلة في مجال إدخال بعض المنصات التعليمية التي يتم من خلالها خلق فضاء واسع للتواصل مع  كافة فواعل الأسرة التربوية والتعليمية، وقد نجد من هؤلاء الأساتذة من ليس لديه أبسط وسيط تكنولوجي كالبريد الإلكتروني على سبيل المثال، ومن هنا يجد المسؤول في المؤسسة نفسه أمام مشكلة التعامل إلكترونيا من هذا الصنف من الأساتذة، بل قد يضطر إلى القيام بالعمل البيداغوجي بدلا من ذلك الأستاذ، والأمر نفسه حدث مع بعض أساتذة التعليم العالي حينما تم إطلاق منصة بروغراس وحتمية حجز نقاط الطلبة على المنصة حصريا من قبل الأساتذة أنفسهم، وأتذكر أن صديقا لي كان يشغل منصب رئيس قسم في فترة الكورونا كان يضطر للقيام بالعملية بنفسه من أجل عدم تعطيل الإجراءات المتعلقة بالمداولات.

في الحقيقة إنّ امتلاك ناصية التقنية ومواكبة التكنولوجيا والتفاعل معها بشكل إيجابي بات أمرا حتميا على الجميع لأنّ عجلة الزمن لا تنتظر والحياة تتغير وتتطور باستمرار، والواحد منّا أمامه خيار واحد لا ثاني له، إما أن يتجدد وإمّا أن يتبدد.

وفي سياق آخر يتعلق بعالم كرة القدم بات من الضروري على القائمين على الفئات الصغرى من مسؤولين أن يدركوا أهمية توظيف طاقات شبانية تمتلك ناصية المعرفة والتكنولوجيا من أجل تكوين جيل من اللاعبين الموهوبين الذين يضمنون مستقبل كرة القدم الجزائرية.

فكثيرا ما يلجأ بعض رؤساء الأندية إلى تكليف شخص ما بقيادة فئة الأصاغر والأواسط في هذا النادي أو ذاك دون إعطاء أهمية للجانب العلمي والمعرفي الذي ينبغي أن يحوزه هذا المدرب، وهو ما يزيد هذه الفئة تهميشا على تهميش، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال، فالمعروف علميا أن هذه الفئة وفي هذه المرحلة العمرية تحتاج إلى مربّ لديه اطلاع واسع على الخصائص السيكولوجية لها، ومن ثم يتعامل معها بذكاء خارق باعتبارها فئة خاصة وبحاجة إلى عناية خاصة، وفي هذا السياق أذكر ما قام به المدرب الشاب لأصاغر نادي أسرة سريع مدينة البوني الكوتش قاسم عبد الرؤوف الذي هو خريج قسم التربية البدنية الرياضية بجامعة عنابة، وقاد هذه الفئة للتأهل للدور ربع النهائي من منافسات كأس الجمهورية بعدما أقصى العديد من الفرق العريقة في الجزائر على غرار اتحاد تبسة، وداد بوفاريك ومولودية وهران على التوالي في إنجاز تاريخي لهذا النادي الذي ينشط في بطولة القسم الجهوي الأول لرابطة عنابة لكرة القدم.

هذا وكانت لي فرصة للحديث مع هذا المدرب الشاب في فضاء أثيري كشفت لي العمق المعرفي والفكري الذي يحوزه والذي وظّفه في عمله مع أشباله، كما تأكد لي من خلال حديثي معه أنّ الاعتماد على الكفاءة المعرفية كفيل بالوصول إلى شتى الأهداف والغايات، ومتى ما توفرت هذه الكفاءة المعرفية وأسندتها الخبرة الميدانية بات المستحيل ممكنا ….سلام.

مقالات ذات صلة

حذاء بوش، قلنسوة داوود والعربي الودود

sarih_auteur

رمضان بين صيام الخصوص وصيام اللصوص

sarih_auteur

عن الكتابة والكاتب

sarih_auteur