رمضان بين صيام الخصوص وصيام اللصوص

بقلم الدكتور: السبتي سلطاني

بداية لا بد من التأكيد على أن شهر رمضان هو شهر ميزه الله عن باقي أشهر السنة لما فيه من فضل عظيم وخير عميم إذ يكفيه فخرا أنّ به ليلة ميزها الله عن سائر الليالي هي ليلة القدر المباركة التي جعلها الله في كتابه خيرا من ألف شهر.

كما أنه لا فرق عندي بين لفظتي الصوم والصيام التي انقسم بسببها اللغويون إلى قائل بالصوم ومنافح عن الصيام غير أن القاسم المشترك بين اللفظتين هو الامتناع مطلقا أي الامتناع عن كل المغريات وكل ما يأتيه اللسان من خطايا تودي بصاحبها إلى التهلكة: ” ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم” صدق رسول الله – صلى الله عليه وسم –

ينقسم الناس في شهر رمضان إلى درجات ومنازل، فمنهم الصائم الذي ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، ومنهم الصائم الذي جعل من صيامه قربى لله امتثالا وطاعة فهو من طالبي باب الريان الذي لا يدخله إلا الصائمون.

وعند الحديث عن صيام أصفياء الله وأحبائه ينبغي التأكيد على أن هذا النوع من الصيام ليس متاحا لأي كان بل هو صيام قوم يدركون روح الصيام وفلسفته، إنه صيام أناس عرفوا الله حق قدره فامتثلوا لأمره ولم يخلطوا صيامهم بكل ما يكدره وجعلوه إيمانا واحتسابا، وقد أورد المقدسي في كتابه مختصر منهاج القاصدين ما يحيلنا على أن الصيام ثلاث مراتب: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، فأما الأول فإنه لعامة الناس أي الصوم عن شهوتي البطن والفرج وأما الثاني فهو كف النظر، واللسان، واليد، والرجل، والسمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام، وأما الثالث الذي يستأثر به قليل من الناس فهوصوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، إنه الصوم عن الحقد والغل والبخل والحسد وغيرها. فأين نحن من كل هذا؟

هذا السؤال يحيلنا على رهط من الناس عندنا جعلوا رمضان شهرا للتربح السريع والغش والكذب والحلف بغير الله، فأي صيام لتاجر باع سلعة مغشوشة؟ وأي صيام لمهندس استغل رمضان للغش في مراقبة البنايات ومتابعتها؟ وأي صيام لمعلم أو أستاذ باع ضميره ومنح تلميذا ما لا يستحق؟ وأي صيام لمن أخذ أموال الناس واستدان منهم ثم خان الأمانة ولم يرجع الوديعة؟

إن صيام الخصوص وخصوص الخصوص ليس متاحا لمن أراد بل هو صبر ومكابدة وجهد رهيب في محاربة النفس وعصيانها، أما صيام اللصوص فهو صيام أولئك الذين﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ البقرة: 9. فشتّان بين صيام الخصوص وصيام اللصوص… تحياتي.

 

مقالات ذات صلة

حذاء بوش، قلنسوة داوود والعربي الودود

sarih_auteur

الكفاءة المعرفية والخبرة الميدانية والعلاقة الطردية

sarih_auteur

عن الكتابة والكاتب

sarih_auteur