معركة سوق أهراس الكبرى.. الملحمة التي امتزجت فيها دماء الشهداء من مختلف ربوع الوطن

تعد معركة سوق أهراس الكبرى التي وقعت بوادي الشوك في 26 أفريل 1958, واحدة من أعظم المعارك التي خاضها جيش التحرير الوطني وعرفتها ثورة التحرير المجيدة بل وهي التي شارك فيها مجاهدون من مختلف ولايات الوطن وامتزجت دماء من سقطوا فيها شهداء.

المعركة التي استمرت حسب مصادر تاريخية مدعمة بشهادات مجاهدين ومؤرخين أسبوعا كاملا, استخدم فيها الاستعمار الفرنسي ترسانة ضخمة من الأسلحة والعتاد. و اندلعت حسب الباحث في التاريخ جمال ورتي, أستاذ بجامعة “محمد الشريف مساعدية” بسوق اهراس, اثر حصول العدو الفرنسي على معلومات مؤكدة عن انطلاق قافلة محملة بالأسلحة والذخيرة الحربية من سوق الأربعاء (تونس) لاختراق الخط المكهرب (موريس) والعبور إلى المنطقة الشرقية للبلاد, لينصب العدو كمائن وينقل حشوده إلى المناطق الجبلية التي سيعبر منها المجاهدون خاصة في أعالي جبل بوصالح بالزعرورية بالقرب من جبال “وادي الشوك” (سوق اهراس), الذي كان مسرحا رئيسيا لمجريات هذه المعركة التي امتدت إلى حمام النبائل والدهوارة بقالمة على مساحة تزيد عن 50 كلم مربع.

وأشار الباحث إلى أن قوات جيش التحرير الوطني نجحت في اختراق هذا الحصار, حيث نشرت جريدة “لا ديباش دو كونستونتين” آنذاك أن معارك تدور بمنطقة “الكاف لعكس”, على حدود بلديتي لحنانشة (سوق اهراس) وحمام نبائل (قالمة) بين فيالق جيش العدو الفرنسي ومجاهدي جيش التحرير الوطني في عديد النقاط .

و استعمل المستعمر وقتها فيالق النخبة من المظليين والمدفعية والمشاة, ما أسفر عن استشهاد 639 مجاهدا من مختلف مناطق الجزائر. كما تكبدت قوات العدو الفرنسي خسائر جسيمة تعود إلى استفادة عناصر جيش التحرير الوطني من معرفة المجال الجغرافي لميدان المعركة واستخدام تكتيك القتال المتلاحم, ما حيد سلاح الجو الفرنسي وشل محاولات الهجوم من قبل القوات البرية للمعركة.

وقد قتل في المعركة, حسب نفس المصدر, أبرز الضباط الفرنسيين في سلاح المظليين وهو “النقيب بومون”. كما نجحت الكتيبة التي كان من ضمنها الملازم آيت مهدي سي مقران في العبور وإيصال السلاح إلى الولاية الثالثة التاريخية, حيث استقبله العقيد عميروش وبعض الناجين من المعركة بمنطقة بونعمان, بمنطقة القبائل الكبرى.

وفي هذا الصدد, ذكر البروفيسور عثمان منادي, متخصص في تاريخ المنطقة من جامعة “محمد الشريف مساعدية” بسوق أهراس, أن القوات الفرنسية سخرت لتلك المعركة سبع (7) فيالق وكتيبة من اللفيف الأجنبي بقوام أكثر من 4000 جندي, من بينها فيلقان 8 و28 مدفعية والفيلق 26 و151 و152 مشاة ميكانيكية والفيلقان 9 و12 للمظليين.

وقد استخدمت فرنسا أسلوب حرق الغابات للإنارة الليلية, إلى جانب الطائرات العمودية التي استخدمت في إنزال المظليين وهو ما عرقل قوات جيش التحرير في إيجاد منافذ للخروج من ميدان النار الذي توسع ليصبح 50 كلم مربع, امتد من جبل بني صالح شرقا الى حدود ولاية قالمة وصولا الى سوق اهراس ومرتفعات المشروحة, وهو ما يفوق ميادين معارك ضخمة خلال الحربين العالمية الاولى والثانية.

وأضاف ذات الباحث أن قوات جيش التحرير الوطني المشاركة في المعركة كانت ممثلة في الفيلق الرابع بقيادة المجاهد الراحل محمد لخضر سيرين, ويضم ما بين 1100 و 1200 جندي من أفراد جيش التحرير, إلى جانب الكتائب القادمة من تونس والمتجهة لإمداد الولايات الداخلية بالأسلحة, منها كتيبة تابعة “لناحية الطاهير” بجيجل بقيادة يوسف بوعجيلي وتضم 135 مجاهدا وكتيبة “ميلة” بقيادة عبد الله باشا بها 135 مجاهدا وكتيبة ناحية “سكيكدة” بقيادة محمد يسعد تضم 125 مجاهدا, وثلاث (3) كتائب من الولاية الثالثة التاريخية وكتيبتان من الولاية الثانية ”الشمال القسنطيني”.

صمود أسطوري لمجاهدين من مختلف مناطق الوطن

و من جهته, أكد الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين, العربي أوذاينية, أن معركة سوق أهراس الكبرى تظل رمزا خالدا لصمود جيش التحرير الوطني أمام جبروت الترسانة العسكرية الفرنسية حيث واجه المجاهدون أعتى الأسلحة والإمكانيات الاستعمارية بإرادة فولاذية لا تلين, مقدمين دروسا خالدة في البطولة والتحدي.

وأضاف أوذاينية أن دماء الشهداء التي روت أرض المعركة جسدت أسمى معاني التضحية والوحدة الوطنية, داعيا شباب الجزائر إلى الاقتداء بصبر وبسالة أولئك الأبطال الذين صنعوا مجد الوطن.

و يرى المجاهد أحمد شوشان (88 سنة) أن معركة سوق أهراس الكبرى تبقى شاهدة على بسالة المجاهدين وصمودهم الأسطوري, إذ تمكنوا من تحويل ضعف الإمكانيات إلى قوة إرادة لا تقهر. كما جسدت هذه المعركة إحدى المحطات المفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية وأسهمت في تعزيز مكانتها السياسية والعسكرية على الساحة الدولية.

فبفضل تضحيات الأبطال, تحقق النصر واستعادت الجزائر سيادتها وكرامتها بعد سنوات طويلة من الاستعمار الغاشم.

المصدر: وأج

مقالات ذات صلة

طاقم طبي مختص في جراحة الأعصاب في مستشفى بن فليس بباتنة يعاين مرضى مستشفى بن بلة بخنشلة

sarih_auteur

تنصيب 21 طبيبا مختصا وتوزيع 5 سيارات إسعاف على المؤسسات الاستشفائية بالطارف

sarih_auteur

الأول من نوعه.. الرئيس تبون يطلق مشروع رياضي ضخم ببشار

sarih_auteur